متحف سرسق .. إعادة إحياء التاريخ

إشراق الأبرش – الرائد نيوز

شهدت مدينة بيروت عصر الجمعة وبتمويل فرنسي- إيطالي، إعادة افتتاح متحف “قصر سرسق” في الأشرفية الذي وهبه نقولا ابراهيم سرسق للبنان واللبنانيين. وكان ذلك في حضور عدد من السفراء والشخصيات السياسية والدبلوماسية والدينية والثقافية والاجتماعية.

بعد النشيد الوطني اللبناني ألقى رئيس لجنة متحف سرسق رئيس جامعة القديس جاوارجيوس  طارق متري كلمة قال فيها: “أرحّب بكم في متحف نقولا إبراهيم سرسق، متحف التنوّع والانفتاح. فهو لكلّ اللبنانيين لا لفئةٍ بعينها ومنفتح على المدارس الفنيّة والاتّجاهات كافّةً في لبنان وفي دنيا العرب والعالم منذ تأسيسه عام 1961. وفي مسيرة طويلة، عرف أيامًا عصيبة وتركت الحروب اللبنانيّة والملبننة ندوباً في جسده. لكنّّه استعاد عافيته. وهو فاعل اليوم بإذن الله”.

كما وألقت سفيرة إيطاليا كلمةً جاء فيها أنه “لطالما كانت مشاركتنا في الحفاظ على التراث الثقافي حجر الزاوية في شراكتنا مع لبنان. يتجسد التزامنا بحماية التراث اللبناني الغني والمتنوع في سلسلة مترابطة من المشاريع، فالوصول الشامل إلى الثقافة حق للجميع ومن واجب الحكومات التشجيع عليه.

وبدورها، ذكرت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو، أنه “في 26 آذار 2021، كنا معًا في الطابق الأول، في الصالة العربية. كانت نوافذ الواجهة المدمرة مغطاة بالبلاستيك الأزرق. تراكمت الخردة المعدنية والحطام في أكوام في الفناء وفي الممرات. بعض قطع المتحف لم يتم تطهيرها بعد. بالكاد عملت الكهرباء. كنا نرتدي أقنعة، كان لا يزال وقت كوفيد19. فتحت الأبواب  كانت اللوحة الشهيرة لنيكولا سرسق التي رسمها كيس فان دونجن تنتظر المغادرة إلى فرنسا لترميمها في مركز بومبيدو… وفوق هذه الأنقاض ، أعلنت بعد ذلك أن فرنسا ستكون بجانبك ، وأنها ستشارك في تجديد المتحف، وتعيد للبنانيين ولكل من يسافر إلى لبنان فرصة العودة إلى هذا المكان الأيقوني في بيروت”.

وأضافت: “اليوم ، في 26 مايو 2023 ، بعد ذلك بعامين وشهرين، نجتمع معًا مرة أخرى، وقد اجتمعنا معًا وأكثر من ذلك بكثير، لإعادة افتتاح متحف سرسق. ومن الواضح أن ذلك متعة كبيرة بالنسبة لي. عاطفة عظيمة وفخر كبير لفرنسا التي أوفت بوعدها. كما كانت في جميع المجالات التي شاركت فيها في دعم لبنان واللبنانيين ، بعد هذه المأساة الرهيبة.

تلا ذلك كلمات لمديرة هيئة الثقافة بالأونيسكو  “خطاب كريستا بيكات”، والمدير العام للتراث في فرنسا “جان فرنسوا هوبير” بالإضافة ل نائب رئيس جمعية “اليب” الفرنسية “بريزة خياري”  وختاماً مديرة المتحف كارينا الحلو.

واختُتِم حفل الافتتاح بوصلة فنية لإحدى الجوقات الغنائية.

تاريخ وبناء المتحف

كان سرسق جامعًا لبنانيًا للأعمال الفنية متحمّسًا ملتزمًا بدعم الفنّ والترويج له. وإدراكًا منه للحاجة الماسة للدعم المؤسسي للفنانيين في لبنان ترك قصره كمتحف فني لمواطني لبنان بعد وفاته.

يعود تاريخ المبنى إلى عام 1912. وعمارته عبارة عن مزيج منسجم يجمع ما بين العمارة الايطالية(البندقية) والعثمانية.

الصالون الذي كان سرسق يستقبل فيه زوّاره

يتألّف المبنى من 4 طوابق، اثنان تحت الأرض ومثلهما فوقها. ففي الدورين الأول والثاني يعرض المتحف بشكل دائم  5 مجموعات فنية مختلفة منها مجموعة نقولا سرسق، وهي عبارة عن مجموعة من المفروشات والأدوات التزيينية والأعمال الفنية التي اقتناها في حياته، أو تلقّاها كهدايا.

إضافةً إلى المبنى وهبَ نقولا سرسق المتحف مجموعته الغنيّة من الفنون والآثار والتي تضمّ أكثر من 400 قطعة والتي شكّلت النواة التي نمت حولها مجموعة المتحف على مرّ السنين.

تضمّنت المجموعة عدّة لوحات ومنحوتات وأثاثًا عتيقًا ومفروشات وأواني فضة يمكن رؤية الكثير منها في المتحف في مكانه الأصلي. متحف سرسق محفوظ كما كان بالأثاث ذاته والمتاع الشخصي. كما أيقونات الروم الملكيين تجد فيه ملاذًا آمنًا إلى جانب بعض الأيقونات اليونانية.

المجموعة الشرقية، التي تضمّ تحفاً من الفنّ الإسلامي القديم، وصولاً إلى العثماني المتأخّر، إضافة إلى الأيقونات البيزنطية.

• مجموعة فؤاد دباس، التي تتألف من نحو 30 ألف صورة فوتوغرافية للشرق الأوسط تعود إلى ما بين عام 1830 وستينيات القرن العشرين. مجموعة الفن الحديث والمعاصر، وتضم أعمالاً لفنانين عالميين ولبنانيين، ومن بينهم على سبيل

وإضافة إلى ما تقدَّم، يمتلك المتحف ما يُعرف باسم «المجموعات الخاصة» التي تضمّ مجموعة من أعمال الطباعة الحفرية اليابانية، التي قدَّمتها سفارة اليابان هدية للمتحف بعد إقامته معرضاً خاصاً لهذا الفن.

واحدة من أكثر قاعات هذا المتحف جذباً لانتباه الزائرين هي «الصالة العربية» التي تقع في الدور الأول من مبنى المتحف، والمميزة بالكسوة الخشبية المزخرفة التي تغطّي جدرانها وسقفها والمستقدمة من دمشق في عشرينيات القرن الماضي، لعلّ الزائر للوهلة الأولى يحسب نفسه في قصر الحمراء مذهولا بكلّ التفاصيل الهندسية.

حقيقةً لقد قسى الزمان وأنهكت الحروب و الأزمات جدرانه وزواياه ومقتنياته المعتّقة بالفن القديم، والمشَرَّبة بالفن الحديث بداية من التقلّبات السياسية مرورًا بالحرب الأهلية التي دمّرت أجزاء واسعة منه وانتهاء بانفجار المرفأ الضخم الذي أوجعه ولم يقتله، إذ يعلن اليوم عودته إلى الحياة كما كلّ مرة  نابضاً بالأمل إلى أن تنتهي تلك الحقبة  المظلمة من تاريخه باعثًا برسالة إلى لبنان وشعبه بأن لا مجال أمامنا إلا أن نقف من جديد متوحدين لنسدل ستار الخلافات والشقاق ونعيد وجه لبنان الحضاري.

اترك ردإلغاء الرد