أوقاف النساء في طرابلس بين الواقع والمأمول (١)
لقد بحثت وتحدثت الدكتورة غنى أحمد عيواظة (وهي من طرابلس – لبنان) في أجوائها وأبحاثها عن أوقاف النّساء، الأمر الذي فتح لها آفاقًا جديدة. فقد درست كباقي طلّاب الشّريعة هذه المادّة، لكن غاب عنها التّطبيق على أرض الواقع والبحث في هذا الموضوع، فظلّ بالنّسبة لها غامضًا إلى حينه. حتّى قيّد الله سبحانه لها المشاركة في مؤتمر عن الأوقاف فوجدت فيه فرصة، لا أن تشارك فحسب، بل أن تحاول إيجاد أجوبة لاستفساراتها المتكرّرة عن أوقافنا الإسلاميّة إلى أين ؟
عمدت الباحثة، كحاجة كلّ بحث، للتّفتيش عن محتوياته داخل سجلّات المحكمة، لتقف على الحجج الوقفيّة، ولكنّ خاصّيّة بحثها عن النّساء جعلت الأمر أكثر صعوبة، إضافة إلى طول مدّة السّجلّات في المحكمة الشّرعيّة وعودتها لزمن قديم، وما مرّت به من ضياع لبعض الحجج نتيجة ظروف مرّ بها البلد قد صعّب المهمّة على الباحثة. ولكنّها تابعت بتكثيف الزّيارات والاستشارات والاتّصالات، ولمّا لم تقف على نتيجة مرضية لجهة عدد المتولّيات والواقفات، بدأت تبحث عن المشاركة والمساهمة للمرأة كجزء من وقف أصليّ، لتعتبرها واقفة جزئيّة، لتجد عددهنّ كبير، فعدّدت المثال عمّن دفعت مبالغ كبيرة للوقف، أو ساهمت بعقار له، وأجملت سواهنّ بالإشارة لذلك، على عظم فعلهنّ وأجرهنّ.
وكذلك توجّهت نحو رئيسات جمعيّات خيريّة عاملات في المجتمع تتبع جمعيّاتها للقانون اللّبنانيّ، لا للوقف، فتابعت البحث والتقت بكلّ رئيسة جمعيّة على حدة، واضعةً تلخيصا لعملها وأهدافها.
لم يكن البحث سهلًا نظرًا لأنّ اختيار الباحثة موضوع التّأريخ الحديث عن وقف النّساء في طرابلس قد شهد غيابًا للمصادر، فتوجّب عليها جمعها في بحثها هذا، واعتباره مرجعًا للباحثين بعدها. ولا يخفى معنى ذلك، من استمرار العمل طيلة شهر كامل، ليلًا ونهارًا، وقد تأخذ المعلومة الواحدة أيّامًا للتّأكّد من صحّتها، وصعوبة تنسيق مواعيد للزّيارات نظرًا للتّوقيت الصّيفيّ وخروج البعض خارج المدينة، وملاحقة الوثائق للتّأكّد من العمل، واستكمال البحث عن كونها جمعيّة خيريّة أو وقفيّة، والعودة للشّخص نفسه مرارًا وتكرارًا لإتمام ما نقص، والتّأكّد من كلّ معلومة عبر توثيقها، وتصوير ذلك وتفريغ اللّقاءات والتّسجيلات الصّوتيّة وطباعة ما لم يكن جاهزًا.
ولمّا أرادت الباحثة دعوة رئيسات الجمعيّات للعمل الوقفيّ بسؤالهنّ عن إمكانيّة وقف جمعيّاتهنّ، نسّقت لهنّ لقاءً مع سماحة المفتي في دار الفتوى ورئيس دائرة الأوقاف، ليتمّ السّماع مباشرة والاستفسار عمّا كان غير واضح لهنّ، وأخذ توجيهات سماحة مفتي طرابلس لتطبيقها لاحقًا. واختتم البحث بإمكانيّة استمرار اللّقاءات دوريًّا لتكثيف الجهود والتّعاون المثمر.
يتبع…
المصدر: بحث “أوقاف النساء في طرابلس بين الواقع والمأمول” للدكتورة غنى عيواظة
