متطرّفون أم “قميص عثمان”… نحن “جنود الربّ”

/نوال نصر- نداء الوطن/

هل يلجأ الشباب المسيحي إلى التعصّب في مواجهة التعصّب؟

من السهل رجمهم بالحجارة والقول: إنهم متطرفون دينياً، ملتحون، مفتولو العضلات، يرتدون الأسود… فليس أسهل من لصقِ كل شيء بمجموعة اختارت سلوكيّة معينة، غريبة بالنسبة الى البعض، وغير واضحة الى البعض الآخر، وقميص عثمان الى البعض الثالث. متمايزون؟ بالتأكيد. زنودهم قوية؟ جداً. موحّدو الزي؟ نعم. ملتحون؟ بغالبيتهم. متطرفون دينياً؟ قد يكون. لكن، ألم يعطوا أكثر بكثير من حجمهم؟ من يريدونهم «”شماعة عثمان” فعلوا ذلك، وها هو صيتهم في كلِ مكان. بحثنا عن «”جنود الربّ”» فرأينا أنطوان وشربل والياس وجورج وجوزف وسبع… فهل الشباب المسيحي لجأ الى التطرف في مواجهة التطرف؟
نسألهم: من هم جنود الربّ؟ يجيبون: إقرأوا الكتاب المقدس لتعرفوا من نحن. جوابٌ غير مقنع بالنسبة الى كثيرين. لكن، أن يُقال لهم أنهم دعاة تطرف فهذا معناه أن القائل غير مؤمن ومعرّض الى التصدي بإقفال الخطّ الهاتفي في وجهه ووضع «بلوك» نهائي عليه.

واجهناهم بسؤال، لا بل بسيل من الأسئلة، فأقفل أحدهم هاتفه في وجهنا في حين أتت أجوبة من آخرين عن أسئلة كثيرة. لا، لا يحمل هؤلاء الأسلحة، ولا يهمهم ذلك، ويجيبون عن السؤال عن «الخبريات» التي يتم تناقلها عن أمن ذاتي يعتمدونه بالقول: يتساءلون عن قوتنا وهم لا يعلمون أننا عندما نفتح أيدينا ونصلي: «أبانا الذي في السماوات» نمتلك قوّة لا يمتلكها أحد. جميلٌ أن يصلي الشباب لكن حين يلتقي الشباب في مجموعة ولو للصلاة فهذا يطرح، في حال لبنان، ألف سؤال وسؤال.

لا، ليسوا هم من يدعون الى الحفاظ على أمن مناطقهم بل كل الأهالي، في كل لبنان، هم من بادروا الى عدم الخنوع وإيقاف، او بالأصح محاولة إيقاف، سيول عمليات السرقات اليومية. فهل عليهم ان يروا السارق- والقاتل- ويديرون له الخدّ الأيسر؟ لكن، بما أنهم مجموعة، ومجموعة مسيحية ولدت في مناطق مسيحية فالأسهل توجيه أصابع الإتهام إليها بالأمن الذاتي. ومعلوم كم أن عبارة الأمن الذاتي تخدش و»شماعة معانٍ». من تنادوا الى حماية مناطقهم هم نواطير ليس إلا أما هم «جنود الربّ» فنواطير كلمة الربّ.


اسمعي يا أختي

ولدت المجموعة قبل عامين، في بدايات العام 2020، ولها قائد هو «زوزو». هكذا ينادونه. وهو قرأ الإنجيل ثلاث مرات وحفظه. هو جوزف منصور. إتصلنا به فسألنا السؤال الأول قبل أن نسأله أيّ سؤال: «هل أنتِ مسيحية؟ كي تفهمي أختي ما سأقوله لأنكِ ستسمعين كلاماً روحانياً» واستطرد «أختي نحن ولدنا لنشهد للربّ. يسوع صخرتي وجنود الربّ هم كل إنسان تعمّد. أنتِ من جنود الربّ بالمعنى الروحي لا الأمني. نحن ورثنا الخطيئة من آدم وكل إنسان تعمّد جندي للربّ يسوع. نحن أولاد الكنيسة كموارنة وكاثوليك وأرثوذكس وسريان وأرمن. الربّ إشتغل فينا وجعلنا نبتعد عن كل الآفات ونتجه الى التبشير. نحن نقوم بالبشارة ونفهم أن الحياة مجرد عبور. إتهمنا بأمور كثيرة لكنهم لم يقدموا إثباتا واحداً. قالوا إننا نحمل السلاح ولم تظهر صورة واحدة لنا بسلاح. نحن نؤمن بأن علينا قبل أن نتناول القربانة المقدسة أن نصلح أنفسنا وهذا ما نفعله».

هم موجودون منذ عامين لكننا لم نسمع بهم إلا اليوم. لماذا؟ يجيب زوزو «هناك توقيت لكلِ شيء. وهناك شياطين في داخل أشخاص كثيرين تتحرك وتنشط في أوقات. وهذا ما يحصل اليوم. الشياطين فيهم تقول أشياء كثيرة أما نحن فلا يهمّنا إلا أن نبشر، نكرز، ونعمل بحسب وصايا الله العشر. هو يدعونا كي لا نزني ولا نقتل ولا نسرق ولا نشهد زوراً وأن نكرم أبانا وأمنا وألا ننطق باسم الربّ، إلهنا، بالباطل… وكل من يخالف تلك الوصايا نقول له: هناك نار تنتظرك في الأبدية».

الحرية الشيطانية!

لكن، هل هذا يمنح تلك المجموعة الحقّ بتأديب من يرفعون شعارات مختلفة؟ هل يمنحهم ذلك أن ينزعوا العلم الذي رأوا فيه شعاراً للمثليين في شارع ساسين بالقوة؟ يجيب جندي الربّ «نحن نعرف حيَل الشيطان. الحيّة موجودة دائماً. ونحن نقوم، بما نقوم به، على رأس السطح. نرفض أن يُرفع شعار للمثليين. لا يحقّ لهم ذلك لا في القانون الأرضي ولا في القانون السماوي. وكل ما فعلناه أننا أزلنا الشعار. وزارة الداخلية ارادت هي أيضا ذلك».

لكن، ألا يتعارض ذلك مع حرية الآخرين؟ يجيب: «الحرية الشيطانية مرفوضة…».

سبع حداد جندي آخر من جنود الربّ. هو لا يتكلم عادة مع أحد «لكن الربّ الآن أراد». فكيف يُفسّر نشوء المجموعة – الظاهرة؟ يجيب «نحن جنود الربّ، أبناء الربّ يسوع. لسنا مجموعة أمنية بل تبشيرية. نحن «نكرز»- نبشر- بالكلمة، بكلمة الكتاب المقدس. يضيف: نحن موجودون منذ العام 2020. ننشط عبر غروبات – مجموعات واتساب – ونقرأ معا الكتاب المقدس. و»خيّنا» جوزف – جوزف منصور- منحه الروح القدس نعمة وهو أحبّ أن ينقلها إلينا. بدأنا مجموعة صغيرة وكبرنا. ونحو سبعين في المئة من إخواننا وأخواتنا لا نعرفهم. نسمعهم يتلون الإنجيل ولا نعرف وجوههم».

كلمة «أختي» تتكرر على السنة جنود الربّ. لكن، لماذا أطلقوا على أنفسهم تلك التسمية: جنود الربّ؟ يجيب سبع حداد: «قال الربّ يسوع كونوا في الأزمنة التي يكون فيها الشيطان ناشطا جنوداً صالحين. هناك أوبئة حصلت. هناك مجاعات تحصل. والربّ لم يقل إن حياتنا ستكون سهلة. نحن نعلم أننا سنضطهد من أجل اسم ربّ الأرباب وربّ الجنود. لذا، معركتنا هي روحية ضدّ سلاطين العالم الإبليسية. وسلاحنا هو الصلاة والصوم والكرازة».


لنصغي إليهم

الأب بيتر حنا، القريب من الشباب والشابات، الجريء في طرح الأفكار ومعالجتها إيمانياً وروحياً وواقعياً، كيف يقرأ وجود ظاهرة جنود الربّ؟ يجيب «طلب هؤلاء الشباب اللقاء بي وسأفعل بعد الأعياد. قلتُ لهم «لعيوني». والمطلوب الإصغاء بدقة إليهم لنتعرف اليهم. لا أعرف عنهم الكثير لكن، إذا كان هناك من يطلق على شباب يرفعون الصليب صفة التطرف فأعتقد أن فعل التطرف هو الذي يرتدّ تطرفاً من الآخر. في أوروبا اليمين المتشدد ظهر بعد بروز القوميات المتجددة. المجموعات، على اختلافها، تُجرّ جراً الى حماية نفسها. هناك من قرر أن يحمي نفسه بالسلاح أما شباب جنود الربّ فقرروا أن يحموا أنفسهم بالإيمان. يحصل كل ذلك في غياب كليّ للدولة وفي ظلِّ غموض كبير لطبيعة المرحلة المقبلة. هؤلاء الشباب، على ما أعتقد، بحثوا عن راحة نفسية حين أطلقوا أنفسهم كوكلاء عن الله. أعترف أنني لا أعرف تماماً تفاصيل نشوء مجموعتهم لكن ما أنا متيقن منه هو أن التعصب يجلب التعصب. والإلتزام الحاد القاسي دلالة على ذلك».

هل نفهم من كل ذلك أن الكنيسة تتفهم الظواهر المتشددة؟ يجيب الأب حنا: «الكنيسة تحدد دائماً الخطوط العريضة ولا تقول لا الآن ولا لاحقاً: أنا ضدّ في المطلق أو أنا مع في المطلق. تؤمن الكنيسة بحرية الرأي ورأي الكنيسة يكون الخط العريض. ويستطرد: أساساً مجموعة جنود الربّ ليست جماعة كنسية، كما جمعية إيمان ونور على سبيل المثال لا الحصر، التي تنشأ من الرهبانيات، بل هي حركة شعبية يقوم بها بعض الشباب. في كل حال، أيّ صلاة تفيد ولا تضرّ. وفي لحظات الفراغ علينا أن نتوقع كل شيء».

لا، هؤلاء الشباب ليسوا سيئين كما يحكى عنهم. هؤلاء قرروا اتخاذ الصلاة سلاحاً. فلنتابع الإصغاء إليهم علنا نفهم أكثر: من هم؟ يستخدم هؤلاء الكثير من آيات الإنجيل وقد حفظوه غيباً. نشعر بهم يبالغون أحياناً في «معركتهم الروحية». نراهم يبالغون في إرتداء الأسود وفي إرخاء اللحى وفي ممارسة الرياضة البدنية وفي إستخدام آيات الإنجيل. ونسمع كثيراً عن أنهم جماعة أنطون الصحناوي. نطرح سؤالا حول ذلك فيجيبنا أحدهم بسؤال: «إذا انتسبتِ أنتِ الى جنود الرب فهل يُقال أن نداء الوطن إنتسبت؟». نجيبه: «إذا أنتسبتُ أنا شيء أما إذا انتسبت الصحيفة كلها، كما كثير من العاملين لدى الصحناوي، فهذا شيء آخر».


من كل مكان

يقول هؤلاء: «بعضنا يعمل لدى أنطون الصحناوي وبعضنا لدى سواه. لا نخفي ذلك. ونحن من الأشرفية ومن كل لبنان. جميعنا نعيش في زمن مليء بالآفات والأوبئة والقلق والأوجاع لذلك قررنا الإتجاه الى الصلاة». نسأل احدهم: ما الذي تغيّر فيك؟ يجيب «تجددت. كنت في الظلام وأبصرتُ النور».

صور أنطون الصحناوي موجودة في مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بمجموعة جنود الربّ. لم ينكر هؤلاء ذلك ولا هو نكر. صور رموز مسيحية كثيرة أخرى موجودة. فالشباب مسيحيون لكنهم يجزمون بأنهم لا يتقاضون مالاً من أحد «ومن يقول العكس فليقدم الأدلة».

الثابت أن هؤلاء أُعطوا أكثر من حجمهم. هناك من شاء ذلك. الأب طوني رزق الذي شاهدناه خلال الإنتخابات الماضية يرمي الحجارة في زحلة. وعدنا وشاهدناه منذ أسبوع يقيم قداسا للمجموعة في كنيسة مار أندراوس، إتهم هو أيضا بأنه متطرف. فلنسمعه. هو يقول «الفيديو الذي سُرّب يوم الإنتخاب مدته ثوان وقد اقتطع من فيديو طويل طلبنا خلاله من أشخاصٍ عدم التعامل معنا كذميين. نحن لا نقبل ولن نقبل بذلك. لكن، حين نطالب بكرامتنا، يصوروننا متطرفين». لحية الأبونا المتدلية ربما جعلت التهمة أسهل.

نعود الى رأي الأب رزق بمجموعة «جنود الرب»؟ يجيب «هؤلاء مجموعة من الشباب إجتمعوا عبر الواتساب» ويستطرد «صدقاً صدقاً هؤلاء الشباب لا يعرفون بعضهم بل قرروا، عبر مجموعات الواتساب قراءة الإنجيل والتعمق به ونشر كلمة الكتاب المقدس في هذه الأوقات الصعبة. لا انتساب لهذه المجموعة بل التقاء. هؤلاء يرفضون كل تطرف».

هؤلاء يرفضون التطرف لكن، ألا يلاحظ الأب رزق أنهم يظهرون بشكلٍ متطرف؟ يجيب «هناك من قرر أن يلقي الضوء على هؤلاء الشباب وتصويرهم كما يشاء. هؤلاء صدقاً، ليسوا زعراناً بل كل ما يفعلونه هو قراءة الكتاب المقدس وشرحه. إنهم يدعون الى سماع كلمة الله عبر الواتساب». لكنهم يرتدون الأسود ويظهرون بلحى متدلية؟ يجيب الأب رزق «أعتقد ان هؤلاء أرادوا أن يقولوا نحن موجودون وحين يظهرون بشكلٍ موحّد ينجحون بذلك. والفعل كما تعلمون يستولد الفعل. فكلما أطلّ من يتحدث عن لباسهم تمسكوا أكثر به».

هؤلاء الشباب قد يُخطئون أحيانا في التعبير «فهم ليسوا خريجي إكليريكيات بل يعتمدون روح الشارع وهم ينشرون كلمة الله. ونحن نعمل على إحتواء هؤلاء كي يبقوا في الإطار الذي رسموه لأنفسهم قبل أن يصورهم البعض متطرفين».

نبحث عن هؤلاء، عن «جنود الربّ»، فنتأكد أن هؤلاء شباب قرروا أن يستمدوا الأمل من الكتاب المقدس. لهم أسلوبهم وينطلقون من قناعات. فهل يبقون كما بدأوا أم ينجح من أراد أن يعطيهم أكثر من حجمهم في جعلهم يدخلون في دهاليز الحسابات والمحسوبيات والفبركات؟

اترك ردإلغاء الرد