رحيل سلامة يُنهي عهد الحريرية في لبنان!

من المفترض أن يترك حاكم المصرف المركزي رياض سلامة منصبه، نهاية الشهر الجاري، بعد 30 عامًا من توليه للمنصب، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، يمدد ولايته بطريقة أو بأخرى حتى يتم العثور على بديل له.

وقد اتُهم سلامة في عدة بلدان أوروبية بالفساد، وأصدرت فرنسا وألمانيا “إشعارات حمراء” للإنتربول لاعتقاله. ومع ذلك، هناك رسالة أكثر عمقًا في رحيل الحاكم. فهو يمثل في كثير من النواحي، النهاية الرمزية للحريرية – الاستراتيجية المالية والاقتصادية لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري لإحياء لبنان في نهاية حربه الأهلية في العام 1990. وفي حين أعاد الحريري بناء وسط بيروت التاريخي، فإن سياسته النقدية قادت بالفعل عملية انهاض لبنان – إلى أن انهارت موارده المالية في 2019.

/ترجمة الرائد نيوز عن ذا ناشونال نيوز /

حافظت هذه السياسة، على التكافؤ بين الليرة اللبنانية والدولار الأميركي وجذب رأس المال إلى لبنان من خلال أسعار الفائدة المرتفعة على سندات الخزينة والحسابات المصرفية.

وبهذه الطريقة، يمكن للدولة أن ترحّل الدين إلى أجل غير مسمى، معتمدة على التدفقات إلى الداخل لتعويض العجز الدائم في الميزان التجاري للبنان، وبالتالي سيبقى ميزان المدفوعات إيجابيًا إلى حد ما. وعندما بدأت التدفقات في الانخفاض بداية العقد الماضي، أصبح الوضع المالي في لبنان هشاً، مما قوض ببطء الثقة في الاستقرار المالي للنظام.

ومع ذلك، بقي سلامة في منصبه، حتى بعد انهيار العام 2019. بفعل الحماية التي وفرتها له الطبقة السياسية، حيث اعتبرته حارسًا يعتمد عليه لأسرارهم، كما أنه شخص على استعداد لتلبية مطالبهم. إلا أن سلامة عندما أصبح هدفًا لتحقيقات متعددة في أوروبا وغيرها، شعر السياسيون أن وقته قد انتهى. ورغم الاستمرار بحمايته، إلا أنه أصبح مثيراً للغضب العام بدلاً من السياسيين.

يعتبر كثيرون أن نهاية الحريرية السياسية، جاءت خلال العام 2022، عندما أعلن سعد رفيق الحريري انسحابه من الحياة السياسية. ومع ذلك، فإن الإغلاق الحقيقي للكتاب سيكون بخروج سلامة، لأن حاكم المصرف المركزي مرتبط بالنجاحات حققتها سنوات رفيق الحريري في منصبه، في حين أن سعد، كان غائبًا عن السياسة تسعينيات القرن الماضي، في بداية وقمة الحريرية، بحيث لم يقترب أبدًا من تلك النجاحات.


تم تعيين سلامة حاكماً للمصرف المركزي عام 1993 من قبل رفيق الحريري، بعد أن كان مدير محفظته المالية في ميريل لينش. وكان المهندس الرئيسي مع رئيس الوزراء آنذاك، للسياسة النقدية التي اعتمدها لبنان في سنوات ما بعد الحرب مباشرة.

كان هناك خلل خطير في عام 1998، عندما واجهت الحكومة أزمة مالية بسبب التزامات خدمة الديون، ولكن هذا تم حله من خلال إصدار الديون بالعملات الأجنبية. وقد توسع القطاع المصرفي وجمع سلامة الكثير من الجوائز من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ذكر اسمه في جوائز يورومني كأفضل مصرفي مركزي في جميع أنحاء العالم في 2006. كان التفاؤل المصاحب لبرنامج رفيق الحريري لإعادة الإعمار قد انجرف نحو سلامة، وإذا كان بإمكان أي شخص أن يدعي أنه القلب النابض للحريرية، فهو الحاكم.

أدرك سلامة باكراً أن النظام المالي في لبنان بني على تحالف بين الزعماء السياسيين الطائفيين أو الأحزاب والقطاع المصرفي الذي دمجهم بدهاء في شؤونه. لقد أحال المصرفيون إلى نظام رعاية الساسة سياسيًا وجماعيًا، وفي المقابل عمل الساسة على حماية مصالح القطاع المصرفي. في قلب هذه الرابطة كان هناك رجل واحد، اسمه رياض سلامة.

ولعل الأهم من ذلك هو أن رحيل سلامة يختم الكتاب بالعودة إلى مثل هذا النموذج. فالطبقة السياسية خنقت الإوز الذي وضع البيضة الذهبية، وربما يعني هذا نهاية نظام مالي واقتصادي لبناني مزدهر ملتف حول مصالحها، كما كانت الحال حتى 2019. من المؤكد أن الساسة سيستمرون في نهب الدولة قدر المستطاع، ولكن في ظل إفلاس لبنان ورفض الساسة والمصرفيين للإصلاح فمن المرجح ألا تتمكن البلاد أبدًا من استعادة ما كانت عليه تسعينات القرن الماضي.



كانت الحريرية رغم انتقادها أحيانًا من قبل الاقتصاديين وغيرهم، تتعلق ببعث لبنان من جديد، وإن كانت تقوم على أسس مالية بالغة الخطورة. ومع استعداد سلامة للعودة إلى دياره، فإن الفكرة التي يتركها وراءه هي أن لبنان كان يعيش وهم تدمير الذات، مع وجود حاكم المصرف المركزي كمنبر له.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يظهر مصير سلامة أن هذا التوقع كان مبالغًا فيه، نظرًا لحقائق الدولة اللبنانية. إن النظام الذي ساعد كل من الرجلين بانشائه ميت سريريًاً.

اترك ردإلغاء الرد