هل أوكرانيا جاهزة لعضوية «الناتو»؟

/شوقي الريس- الشرق الأوسط/

لم يكن الرئيس الأميركي جو بايدن بحاجة إلى التصريح، عشيّة سفره الى أوروبا لزيارة لندن، ثم المشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، يومي الثلاثاء غداً، والأربعاء في فيلنيوس؛ العاصمة الليتوانية، بأن أوكرانيا ليست جاهزة بعدُ للانضمام الى «الحلف الأطلسي»، لكي يدرك حلفاء واشنطن الحدود التي سيدور ضمنها النقاش الرئيسي في القمة الرابعة التي يعقدها الحلف منذ بداية الحرب في أوكرانيا، التي باتت طبيعة علاقتها الأمنية بالمنظومة الدفاعية الغربية الإطار الأساسي للوساطات الدبلوماسية التي تنشط، منذ أسابيع، وراء الستار لفتح ثغرة في جدار المفاوضات المجمّدة لإنهاء الحرب التي مرّ على بدايتها 500 يوم، الأسبوع الفائت.الجدل على أشُدّه داخل «الحلف الأطلسي»، منذ أسابيع، حول صيغة البيان الختامي الذي سيصدر عن القمة، وتحديداً حول الوعد بانضمام أوكرانيا إلى الحلف، حيث تنقسم حوله الآراء بين الدول الأعضاء، لكن الالتباس الذي نشأ حول موقف الولايات المتحدة من هذا الموضوع في أعقاب قرار واشنطن تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، اقتضى مثل هذا التصريح من الرئيس الأميركي تمهيداً للدفاع عن قراره المثير للجدل، والذي يلقى اعتراضاً من جانب بعض الدول الأعضاء في الحلف، مثل كندا، وإسبانيا التي قال كبير مستشاري رئيس حكومتها، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن بلاده ضد هذا القرار الذي ينتهك اتفاقية حظر استخدام هذه الأسلحة التي تلحق خسائر فادحة بين المدنيين، والتي وقعت عليها 123 دولة.رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك اكتفى، من ناحيته، بالقول إن المملكة المتحدة وقّعت على هذه الاتفاقية، وأنها ستواصل دعمها لأوكرانيا، لكن بتزويدها بدبابات وصواريخ بعيدة المدى.

تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة إن نقاش الساعات الأخيرة حول نص البيان الختامي يشهد إصراراً من واشنطن وبرلين على صيغة غامضة توحي بأنه بعد نهاية الحرب، لن تنطلق عملية انضمام أوكرانيا إلى الحلف بصورة تلقائية، مما يؤكد رهان الولايات المتحدة وألمانيا على أن يكون الانضمام أحد العناصر الأساسية في المقايضات التفاوضية.

لندن، من جهتها، تريد صيغة تذهب أبعد من تلك التي صدرت عن «قمة بوخارست»، عام 2008، عندما وجّه الحلف دعوة الانضمام إلى أوكرانيا، والتي يعتقد كثيرون أنها كانت الخطوة التي دفعت فلاديمير بوتين إلى التخطيط لضمّ شبه جزيرة القرم، ثم لإطلاق ما تسميّه موسكو «العملية العسكرية الخاصة». وتصرّ بريطانيا على أن يتضمّن نص البيان الختامي إشارة واضحة إلى أن «الحلف الأطلسي» هو المكان الطبيعي لأوكرانيا، وأن الدول الأعضاء وكييف هي وحدها التي تملك حق القرار بهذا الشأن، وليس روسيا. أما الدول الشرقية، من جهتها، والتي كانت، في السابق، ضمن «حلف وارسو»، فهي تريد تعليق خطة العمل التي تمهّد للعضوية وتحدد الشروط التي ينبغي استيفاؤها للعضوية.التصريحات التي أدلى بها بايدن، عشيّة سفره إلى أوروبا، تحوّلت فوراً إلى الإطار الذي يندرج ضمنه النقاش الدائر بين خبراء الدول الأعضاء المكلفين بتحبير نص البيان الختامي للقمة. ما قاله الرئيس الأميركي، مساء الأحد، هو لسان حال معظم الدول الأعضاء، التي تعتبر أن الوقت ليس مناسباً لانضمام أوكرانيا إلى الحلف في خضمّ حرب تدور على أراضيها ضد قوة نووية عظمى، وأنه من السابق لأوانه التفكير بهذه الخطوة؛ لأن أوكرانيا ليست جاهزة بعدُ، وأنها لا تستوفي مجموعة من الشروط الأساسية، مثل النظام الديمقراطي، وتحديث قواتها العسكرية.

يضاف إلى ذلك أن ما تقوله غالبية الدول الأعضاء همساً، وقاله بايدن صراحة في تصريحاته، هو أن انضمام أوكرانيا إلى «الحلف الأطلسي» يعني الدخول في حرب مباشرة مع روسيا.

لكن هواجس القمة الأطلسية لا تقتصر على ملف انضمام أوكرانيا، وما يقدمه الحلف لها من مساعدات عسكرية، والفيتو التركي على انضمام السويد، فالحلف يخشى نشوب أزمة أمنية أخرى على خاصرته الشرقية، بعد انتقال زعيم مجموعة «فاغنر» إلى بيلاروسيا، ومعه عدد غير معروف من أفرادها قال عنهم الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا، الأحد، إن أولئك القتلة يمكن أن يعودوا للظهور في أية لحظة والاعتداء علينا. وأفادت السلطات الليتوانية بأنها نشرت عدداً من قواتها المسلَّحة، لمؤازرة حرس الحدود على طول الخط الفاصل مع بيلاروسيا الذي يمتد على 700 كيلومتر كانت ليتوانيا، بتمويل من «الاتحاد الأوروبي»، قد أقامت عليها شريطاً شائكاً ومصفَّحاً، بعد أن أطلقت بيلاروسيا آلاف المهاجرين عبر حدودها باتجاه بلدان الاتحاد في عام 2021، رداً على العقوبات الأوروبية ضد نظام لوكاشينكو، الحليف الأوثق للرئيس الروسي.

وكان رؤساء ليتوانيا وبولندا ولاتفيا، وهي دول متاخمة لبيلاروسيا، قد وجّهوا رسالة إلى الأمين العام لـ«الحلف الأطلسي» جينز ستولتنبيرغ، عشيّة القمة، يطالبون فيها بموقف داعم موحّد من الحلف لمواجهة التحركات التصعيدية المحتملة التي يمكن أن تقوم بها مجموعة «فاغنر» ضد أراضيها. وتخشى هذه الدول الثلاث من أن وجود مجموعة «فاغنر» في بيلاروسيا قد يشكّل حافزاً لنظام لوكاشينكو يدفعه إلى إطلاق موجة جديدة من اللاجئين عبر الحدود، والتسبب في أزمة إنسانية أخرى.

سيناريو «أوكاسوس» الافتراضي

جندي يسير حيث تنتشر وحدات نظام الدفاع الجوي الألمانية «باتريوت» في مطار فيلنيوس قبل قمة «الناتو» المقررة الثلاثاء (رويترز)

وفي سيناريو افتراضي؛ يحاول تحالف «أوكاسوس» الشرقي، مدعوماً بقوات «بروكنير» الخاصة، التوغل في الأراضي الألمانية، ليتوجه بعد تعزيز وجوده على الجبهة الشرقية إلى الاستيلاء على ميناء روستوك عند بحر البلطيق. رداً على هذا الهجوم؛ يسارع «الناتو» إلى تفعيل «المادة الخامسة» من «معاهدة واشنطن»، التي تنصّ على أن أي اعتداء خارجي على إحدى الدول الأعضاء هو اعتداء على «الحلف» ويستدعي منه رداً مشتركاً.

«أوكاسوس» لا وجود له ولا «بروكنير»، لكنهما يشكّلان تهديداً وهمياً في قاموس القوات الجوية الألمانية، وأزمة افتراضية لجأ إليها «الناتو» لتنظيم أكبر مناورة عسكرية جوية في تاريخه، بقيادة سلاح الجو الألماني، لعرض عضلاته أمام روسيا.

أحدث المقاتلات الجوية «الأطلسية»؛ من ألمانيا وهولندا والمجر وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وإستونيا وليتوانيا وتشيكيا، شاركت في هذه المناورات التي انتهت مطالع الشهر الحالي وحشدت ما يزيد على 10 آلاف جندي من 25 دولة، من بينها السويد التي ما زالت تنتظر رفع الفيتو التركي للانضمام إلى المنظمة «الأطلسية».

خبراء عسكريون وصفوا هذه المناورات بأنها «خطوة تاريخية» في الوقت الذي تتجه فيه الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى التحول إلى نزاع دائم في المنطقة ومحيطها، وعلى أبواب القمة التي ستوافق على أكبر إعادة هيكلة لقوات «الحلف الأطلسي» منذ تأسيسه، واعتماد استراتيجية جديدة سريّة موزعة وفق المناطق، تضع روسيا والإرهاب في صدارة التهديدات التي تتعرّض لها الدول الأعضاء، وتهدف إلى تعزيز قوات الدفاع الجوية، خصوصاً على الجبهة الشرقية.

وكان «الحلف الأطلسي» قد بدأ الإعداد لهذه المناورات أواخر عام 2018، لكن الحرب في أوكرانيا أعطتها زخماً جديداً ودفعت إلى توسيع دائرة المشاركين فيها، وإلى تنظيم مناورات برية موازية في ليتوانيا انتهت يوم الجمعة الماضي قبل 3 أيام من افتتاح «القمة الأطلسية» على بعد 35 كيلومتراً من بيلاروسيا و 200 كيلومتر من روسيا.

المستشار الألماني أولاف شولتز قال إن قواته تتمرّن على الدفاع عن بلاده وعن «الحلف الأطلسي»، لكي يأخذ الجميع على محمل الجد التزام المنظمة حماية كل شبر من أراضي الدول الأعضاء.

والأمين العام لـ«الحلف الأطلسي»، ينس ستولتنبيرغ، أكّد أن هذه المناورات لا تستهدف عدواً محدداً. لكن يصعب جداً أن يتخيّل المرء عدواً آخر في مرمى هذه المناورات غير روسيا، التي قال ناطق باسم وزارة خارجيتها إن هذه المناورات الاستفزازية دليل آخر على أن ماكينة «الحلف» العسكرية ليست دفاعية، وأن كل جهودها منصبة حصراً على احتواء روسيا والتدرب على مهاجمتها.

أما الصين، التي تصفها العقيدة الاستراتيجية الجديدة لـ«الحلف»؛ التي اعتُمدت في قمة مدريد في مثل هذه الأيام منذ عام، بأنها «التحدي الأكبر»، فقد عدّت أن هذه المناورات تؤدي الى تأجيج المواجهة الجيو – استراتيجية في أوروبا.

اترك ردإلغاء الرد