عصابات الأنفاق تقضي على البنية التحتية لبيروت

يثير المعدن الأحمر شهية جامعي الخردة في لبنان وشهدت الفترة الأخيرة تزايد السرقات التي طاولت منطقة “سوليدير”

شعبة المعلومات ضبطت حوالى 35 طناً من النحاس في بؤرة خردة واقعة في دير عمار (قوى الأمن الداخلي)

بشير مصطفى – اندبندنت

طوال شهرين من الزمن عملت عصابة مؤلفة من 10 أفراد على تقطيع الكابلات النحاسية لخطوط التوتر العالي وأنظمة الإنارة وخزائن التحكم ومضخات المياه داخل أنفاق الوسط التجاري في مدينة بيروت، وامتدت المساحة المسروقة من جسر فؤاد شهاب وشارع المصارف ومحطة التحويل الرئيسة، وصولاً إلى بنك “سوريا ولبنان” والقاعدة البحرية الملاصقة لمرفأ بيروت ومقر حزب “الكتائب” في الصيفي، ومن ثم من منطقة “كومرشيال” إلى ستاركو.

تشير الرواية الأمنية إلى أنه فور تبلغ شعبة المعلومات بالعملية باشرت عمليات التعقب والرصد للعصابة، وخلال 24 ساعة، وهي فترة قياسية نسبياً، تمكّنت من رصد وتوقيف العصابة المؤلفة من 10 شبان سوريين تتراوح أعمارهم بين 17 و29 سنة، بعد مداهمات في مناطق طريق المطار والرحاب والمرج في البقاع.

اعترف هؤلاء بجرائم المنسوبة إليهم وأنهم قاموا بعشرات عمليات سرقة الكابلات من الأسلاك النحاسية التي تؤلف شبكة الأنفاق، إذ كانوا يعملون بين منتصف الليل والرابعة فجراً بأداء مهماتهم، وسرعان ما كانوا ينقلون المسروقات إلى بؤر في مناطق عدة في بيروت والبقاع والشمال وسرعان ما كانت العصابة تستخرج النحاس لتبيعه إلى بؤر الخردة ومن ثم إلى بعض المصدرين إلى الهند.

وأعلنت القوى الأمنية اللبنانية في بيان رسمي لها ضبط 35 طناً من الأسلاك النحاسية، إضافة إلى 37 طناً من سبائك النحاس، وهياكل عدادات وآلات صهر واستخراج النحاس، وسبائك ألمنيوم مدون عليها “صنع في سوريا”، كما ضبطت في دير زنون (البقاع شرق لبنان) 150 متراً من الأسلاك المسروقة، كما اعترف السارقون بأنهم يبيعون النحاس إلى أصحاب البؤر التي تتعاطى تجارة الخردة، تمهيداً لبيعه وتصديره إلى الخارج عبر المرفأ وصولاً إلى المستوردين في الهند. 

أدى تكرار السرقات إلى خسائر كبيرة لشركة كهرباء لبنان التي لا تمتلك الاعتمادات الكافية لتأهيل الشبكات بموجب الشروط الفنية السابقة، كما أن عديداً من المناطق باتت تعيش في الظلمة لفترات طويلة بسبب سرقة الكابلات وانتظار تأمين البدائل، مما يؤدي إلى عزلها موقتاً عن الشبكة الكهربائية التابعة للدولة اللبنانية.

التجارة المربحة

ليست عملية سرقة أنفاق المطار بالأمر المستغرب عن اليوميات اللبنانية، إذ تتكرر بصورة مستمرة الاعتداءات والسرقات التي تطاول شبكات التوتر العالي والتوزيع التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان.

ففي نهاية الأسبوع الماضي استفاق أهالي منطقة الزاهرية في طرابلس (شمال) على انتشار أمني كثيف لقوة عسكرية، وتشير المعلومات إلى أن الجيش اللبناني أحبط فجر الأحد الـ11 من (حزيران) الجاري عملية سرقة لشبكة كابلات الكهرباء الموصلة بين منطقتي الزاهرية والتبانة، وأن السارقين أوحوا بأنهم تابعين لمؤسسة كهرباء قاديشا الرسمية، إذ قاموا بارتداء ملابس مشابهة لتلك التي يستخدمها عمال الصيانة في المؤسسة.

من الواضح أن أحد أسباب اللجوء لسرقة الكابلات هو استخراج النحاس، ومن ثم بيعه إلى بؤر الخردة. يؤكد وسام أحد تجار الخردة “من يقوم بتلك العمليات هو من المقيمين في تلك المناطق، ويمتلك معدات خاصة ولديه حرية الحركة، وإلا لما تمكن من أداء أعماله بنجاح وراحة”، ويضيف “صاحب البورة من حيث المبدأ يشتري من دون أن يسأل عن مصدر النحاس أو الحديد، لأنه يهتم بالمحافظة على ديمومة عمله”، مؤكداً أن هناك طلباً كبيراً على الخردة وتحديداً المعادن. ويستعرض لنا الشاب قائمة الأسعار المربحة، إذ يبلغ ثمن كيلوغرام النحاس الأحمر سبع دولارات، والأصفر خمس دولارات، أما الألمنيوم فدولار ونصف دولار، والستانلس دولار وربع دولار، أما الحديد فثلث دولار، إذ تستخدم تلك المواد لإعادة تدويرها وتصنيعها مجدداً في الخارج.

كما قاد الجشع والطلب على النحاس إلى ارتكاب جرائم بيئية، ففي سقي طرابلس تشهد المنطقة بصورة دورية عمليات إحراق كميات كبيرة من الإطارات بهدف فصل النحاس عن بقية الأجزاء، ومن ثم بيعها لأصحاب بؤر الخردة وتحقيق الأرباح، دونما التفات إلى الأضرار البيئية والصحية.  

خرق أمني

لا تقتصر خطورة العملية على سرقة أسلاك النحاس التي تشكل نواة العمل والشبكات العائدة لمؤسسة كهرباء لبنان، وإنما تتجاوزها إلى طبيعة المنطقة التي شكلت ميداناً لجريمة السرقة والاعتداء على المال العام. ففي تلك المنطقة توجد أبرز المؤسسات السياسية والإدارية، فهناك يقع المجلس النيابي والمقر الرئيس للحكومة وبعض الوزارات وبلدية بيروت والمصارف التجارية، واستمرت عملية التفكيك والسرقة طوال شهري (نيسان) و (أيار) قبل إلقاء القبض على العصابة أخيراً.

تتحفّظ الأوساط الأمنية على الإجابة حول “قصور كاميرات المراقبة في أنفاق المطار عن فضح عمليات السرقة وتوثيقها” وتؤكد أنها مسألة أمنية محضة، في المقابل تقدمت كتلة “اللقاء الديمقراطي” بأخبار حول تلك الجريمة، ويصف أمين سر الكتلة النائب هادي أبو الحسن ما جرى في بيروت بـ”الفضيحة”، عندما دخلت مجموعات إلى شبكة الأنفاق في وسط بيروت لسرقة خطوط الكهرباء الرئيسة، شاكراً لوزير الداخلية بسام المولوي والأجهزة الأمنية للتحرك على وجه السرعة.

يضع أبو الحسن في دائرة “الخرق الأمني الخطر لأن شبكة الأنفاق التي تعرضت للسرقة تطاول كل نقطة في منطقة سوليدير، ناهيك عن عمل هؤلاء بهدوء، إذ كانوا يركنون الشاحنات وينزلون بأعداد كبيرة لسرقة الشرائط النحاسية، وينقلونها على مراحل متتالية من دون حسيب أو رقيب”، كما يتساءل أبو الحسن “أين الكاميرات والأجهزة في المربع الأمني للدولة اللبنانية”؟ مضيفاً “ربما علينا أن نحمد الله لأنها انتهت عند حدود السرقة، ولم نكن أمام عمل أمني أخطر”، ويرى أبو الحسن “العبث الأمني أمراً خطراً سواء مسّ السياسي أو المواطن العادي”، مكرراً الحديث عن المخاطر المختلفة التي تضم سرقة الكابلات، إضافة إلى تفجير الكسارات في زحلة (البقاع) التي سبق له أن تقدم أيضاً إلى إخبار لدى النائب العام التمييزي غسان عويدات للتحقيق فيها، والكشف عن التفاصيل أمام الرأي العام اللبناني. 

اترك ردإلغاء الرد