من رابطة الجامعيين في الشمال “رئاسة الحكومه اللبنانية بين المفوض السامي ورئيس الجمهورية”
الصمد: رؤساء توالوا ولاتزال الفترة الراهنة شبيهة بما مضى

/زائدة الدندشي-الرائد نيوز/

استضافت رابطة الجامعيين في الشمال ممثلة برئيسها غسان الحسامي ندوة بعنوان “رئاسة الحكومه اللبنانية بين المفوض السامي ورئيس الجمهورية”، حاضر فيها رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب الفرع الثالث في الجامعة اللبنانية سابقًا، الدكتور قاسم الصمد، وذلك بحضور شخصيات سياسية وثقافية ومجتمعية، وأصدقاء وإعلاميين .

بداية الندوة كانت بالنشيد الوطني اللبناني وكلمة للحسامي قال فيها: “لم يشهد لبنان خلال تاريخه الماضي أن تحول معظم مسؤوليه إلى عصابات تنهب المال العام وتغرق البلاد في الديون التي فاقت ال ١٠٠ مليار دولار، وتغطي بأدائها الفاسد منظومة مصارف مجرمة تحتجز أموال المودعين وتفرض عليهم إجراءات تعسفية وتعاميم مجحفة تُفقد قيمة أموالهم “جنى أعمارهم” وتكبدهم خسائر فادحة وصفت ب”سرقة العصر”.

كما وتحدث الحسامي عن الانهيار الكبير للقدرة الشرائية بفعل التضخم إزاء سعر صرف الدولار الذي ارتفع ٧٠ ضعفًا، مما جعل معظم اللبنانيين عاجزين عن تأمين أكلاف الدواء والاستشفاء، والمحروقات وحتى قوت يومهم، محملين هذه المنظومة بسياسييها ومصارفها وأحزابها مسؤولية جنائية وسياسية أخلاقية اوصلت البلاد الانهيار الشامل”.

وختم الحسامي أن “الفراغ القاتل” لا يقتصر على رئاسة الجمهورية والحكومة، ولا على مجلس النواب “العاجز” فحسب بل بات يهدد مواقع حساسة في الدولة وإداراتها التي تقف على تماس يومي مع مصالح الناس ماليًا وعقاريًا وعلى رأسها قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في الأول من آب المقبل، والخوف من الفراغ في عدد كبير من القطاعات وأن يستمر الفراغ سنة أخرى، حيث يذكر الباحث محمد شمس الدين من الدولية للمعلومات أن ٧٣ وظيفة عامة ستؤول للفراغ هذا العام. مما سيرتد سلبًا على أداء تلك المؤسسات”.

الصمد: رئيس الوزراء “مفقود في النص الدستوري منذ العام ١٩٢٦ حتى ١٩٩٠ مرورا بالتعديل الدستوري لعام ١٩٤٣ “

بدأ الصمد كلامه بأن موضوع الندوة هو من أهم الموضوعات الاشكالية في الحياة السياسية اللبنانية، وفي تاريخ لبنان المعاصر.
وتتبدى هذه الإشكالية في أمور عديدة يمكن تلخيصها بثلاثة.

– الأمر الأول كما وصّفه د. الصمد هو أن وجود رئيس للحكومة أو رئيس للوزراء لم ينص عليه الدستور الا في كلمات معدودة وردت في المادة ٥٣ والتي تقول: إن “رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيسًا ويُقيلهم…”، وأضاف أنه اذا تابعنا بقية نص الدستور بالتفصيل فنجد أن لا شيء يأتي على ذكر رئيس الوزراء وحتى العام ١٩٩٠، بدون أي تخصيص في النصوص: صلاحيات ومسؤوليات.

– الأمر الثاني: حتى في ميثاق ١٩٤٣، والاتفاق بين بشارة الخوري ورياض الصلح بقيت هذه المواد على حالها ولم يتم تغييرها، ولم نقرأ في المصادر أن بشارة أو رياض ناقشا موضوع ايراد نصوص في الدستور تتناول صلاحيات ومسؤوليات رئاسة الحكومة.

– الأمر الثالث: في الإشكالية: واذا كان لم يؤثر في تاريخ الحكومات اللبنانية أن عمد رئيس الحكومة وجمع مجلس الوزراء واتخذ قرارات واصدر مراسيم، فإنه وللانصاف فإن أي رئيس للجمهورية لم يعمد أن جمع مجلس الوزراء واتخذ قرارات واصدر مراسيم بغياب رئيس الحكومة.

المراحل التي مر بها منصب رئيس الحكومة وتطبيقاتها

أُعلن الدستور اللبناني بتاريخ ٢٣ أيار ١٩٢٦، ويوم الأربعاء في ٢٦ منه انتُخب شارل دباس رئيسًا للجمهورية، كما انتخب الشيخ محمد الجسر رئيسا لمجلس الشيوخ وموسى نمّور رئيسا لمجلس النواب، تناوب على رئاسة الحكومة رجالات الصف الأول من الموارنة: أوغست باشا أديب وبشارة الخوري وحبيب باشا السعد واميل اده، فاغست باشا اديب من جديد. وعند انتهاء الولاية الثانية للرئيس شارل دباس برز المتنافسان على منصب الرئاسة اميل اده وبشارة الخوري، ولما أدرك اده في عملية البوينتاج ان كفة بشارة الخوري هي الراجحة عمد الى الطلب من الشيخ محمد الجسر أن يترشح للرئاسة فلاقى ذلك هوى في نفس الشيخ الجسر الذي طلب إجراء إحصاء عام للسكان أملا منه أن يكون عدد المسلمين أكثر من عدد المسيحيين، لكن خاب ظنه بذلك.
وعند اعادة قراءة معمقة لاحداث تلك الفترة تبين ان ترشيح اده للشيخ الجسر لم يكن تفضيلا منه للشيخ المسلم على بشارة الخوري الماروني، انما كان ينطلق من اصرار لديه ومن معرفة حقة أن السلطات الفرنسية لن تقبل بانتخاب الشيخ المسلم رئيسا للجمهوريّة اللبنانيّة. خصوصا إذا ما علمنا أن العلاقة بين اده والأوساط الاسلامية هي سيئة جدًا بعدما كان قد اغلق، وهو رئيس للحكومة عام ١٩٣٠ عشرات المدارس الرسمية التي كان يرتادها العدد الأكبر من التلامذة المسلمين مما أغضب كافة الزعماء والأوساط الاسلامية ودار الفتوى. إضافة الى ما أشيع عن لسانه العبارة المشهورة: “فليرحل المسلمون إلى مكة”.
مما يجعلنا نستنتج أن نيته كانت نسف الجمهورية والدستور إن لم يكن هو رئيسًا للجمهورية.


وفي التاسع من أيار ١٩٣٢ عمد المفوض السامي هنري بونسو إلى تعليق الدستور وحل مجلس النواب وتعيين شارل دباس رئيسا لحكومة دولة لبنان على رأس مجلس للمديرين حتى العام ١٩٣٤ حيث تم تعيين حبيب باشا السعد رئيسًا لجمهورية دولة لبنان إلى عام ١٩٣٦ من قبل المفوض السامي الفرنسي الداهية داميان دو مارتيل حيث أفرج جزئياً عن الدستور وانتخب اميل اده رئيسا للجمهورية من قبل مجلس النواب المنتخب في كانون الثاني ١٩٣٤. الى أن أفرج جزئيا للمرة الثالثة في مطلع العام ١٩٣٧ الى تعيين خير الدين الأحدب رئيسا للحكومة. فألف خمس وزارات بين كانون الثاني ١٩٣٧ وآذار ١٩٣٨، ثم جيء بالأمير خالد شهاب ثم الدكتور عبدالله اليافي رئيسا للحكومة حتى أيلول ١٩٣٩ حيث علق المفوض السامي “غبرييل بيو” الدستور واديرت البلاد من قبل مجلس وكلاء حتى العام ١٩٤١، حيث استقال اميل اده وتم تعيين القاضي الفرد نقاش “رئيسا لجمهورية حكومة دولة لبنان” وما لبث أن عيّن احمد الداعوق رئيسا لمجلس المديرين ثم رئيسا للحكومة وبعده حكومة سامي الصلح الى ان حل العام ١٩٤٣ وبدأت معركة الاستقلال فتم تعيين أيوب تابت رئيسا لحكومة دولة لبنان بهدف إجراء انتخابات نيابية كانت تمهد للحصول على استقلال الدولة، وعندما أثار تابت الأوساط الاسلامية التي احتجت على تخصيصه ٣٢ نائبا للمسيحيين و ٢٢ للمسلمين مما دفع بالسلطات الفرنسية الى عزله وتعيين “بترو طراد” رئيسا لحكومة دولة لبنان التي اجرت الانتخابات النيابية وكان ما كان انتخاب بشارة الخوري رئيسا للجمهورية ومجيء رياض الصلح رئيسا للحكومة على حصان أبيض.


وبعد أن شكل حكومتين أولى وثانية حتى نهاية العام ١٩٤٤ حيث أراد بشارة الخوري وبدفع من ميشال شيحا وهنري فرعون أن يتخلص من رياض الصلح الذي بات يتحكم “بالرئيس والرئاسة” بحجة الضجة التي أثيرت على الرئيس الصلح بسبب مواقفه في محادثات الإسكندرية الرامية الى تأسيس جامعة الدول العربية. فاتخذ بشارة الخوري من سعي بعض الأوساط الى الحكم حجة للطلب من الرئيس الصلح ترك الوزارة. لكن الصلح عاند ورفض الاستقالة حتى تدخّلت دار الإفتاء والقيادات الاسلامية ليقدم استقالته، كل ذلك لتحقيق هدف استراتيجي من قبل الرئيس الخوري ومن حوله كي لا يظن رياض الصلح وكل رئيس حكومة أنه ثابت في رئاسته كما رئيس الجمهورية الثابت لمدة ست سنوات، وهكذا كانت عملية الخلاص من الرئيس الصلح، وتعيين عبدالحميد كرامي رئيسا للحكومة بتاريخ ٩ كانون الثاني ١٩٤٥، عرفاً وسنّة ينتهجها كل رئيس للجمهورية فيتخذ من مركز رئاسة الحكومة ذريعة يعمد بحجتها الى عدم اطمئنان كل رئيس للحكومة الى وضعه السياسي، خصوصا وان الإتفاق على الميثاق الوطني لم يلحظ تعديلا دستوريا يطال صلاحيات ومسؤوليات رئيس الحكومة.

تخلل الندوة عرض للوحات ورسومات كاريكاتور للفنان بلال الحلوة، وأعقب الندوة أسئلة ومداخلات أثرت المناسبة.

اترك ردإلغاء الرد