“إلي شهور ناطر”… اللاجئون السوريون في لبنان وحلم الإقامة

/باسكال صوما، حياة الزين- درج/

يحاول هذا التحقيق توثيق بعض الصعوبات التي يعاني منها السوريون الراغبون في الحصول على إقامة أو تجديد إقاماتهم والبقاء على الأراضي اللبنانية بما يتلاءم مع الشروط القانونية. ينشر بالتعاون مع”روزنة”.


ليس حصول المواطن السوري، لاجئاً كان أو لا، على إقامة قانونية في لبنان أمراً سهلاً، فبعض الشروط التي تفرضها السلطات ممثلة بالمديرية العامة للأمن العام تبدو تعجيزية، وقد لا يستطيع كثيرون استيفاءها، كما أن الكثير من المعاملات تُرفض من دون توضيح ويطلب من أصحابها المغادرة.

يزداد الأمر سوءاً الآن في ظل حملة المداهمات التي تجوب المناطق اللبنانية وتنتهي باعتقال من لا يحملون إقامات قانونية وترحيلهم في بعض الأحيان.

هذه الحملة لا تأخذ في الاعتبار صعوبة الحصول على إقامة أو تجديدها، وذلك بسبب رفض التجديد أو التأخر في إتمام المعاملة من قبل الجهات المعنية في أحيان كثيرة. ويترافق ذلك مع الأزمة الإقتصادية الحالية والشح في المواد التي يتطلبها إتمام هذه المعاملات.

يحاول هذا التحقيق توثيق بعض الصعوبات التي يعاني منها السوريون الراغبون في الحصول على إقامة أو تجديد إقاماتهم والبقاء على الأراضي اللبنانية بما يتلاءم مع الشروط القانونية.

أحمد (اسم مستعار) واحد من اللاجئين الذين يواجهون صعوبة في تجديد إقامتهم، أخبرنا أنه كان لديه كفيل استطاع من خلاله الحصول على إقامة لسنة، وحين أراد تجديد إقامته على الكفيل نفسه تم رفضها، بحجة أن عليه مغادرة الأراضي اللبنانية لمدة شهر والعودة بعدها.

بعد سنة قام أحمد بمحاولة أخرى لتجديد إقامته على اسم الكفيل ذاته، لكن المحاولة لم تنجح، وبعدما صدر قرار بإمكانية تغيير الكفيل لكل من جاء الجواب على إقامتهم بالتسفير قام بتغيير كفيله. علماً أن الأمن العام أصدر قراراً عام 2019، أتاح في مضمونه للاجئ تبديل الكفيل المنتهية كفالته بكفيل آخر دون مغادرة الأراضي اللبنانية.

ظلت أوراق أحمد عالقة لشهرين حتى جاء القرار بعدها بالرفض ووجوب السفر خارج لبنان.

“بدي اتعذب وروح جدد وبالأخير يجي الجواب بالرفض”، لذلك لم يعد أحمد يحاول تجديد إقامته بعد 3 محاولات باءت كلها بالفشل بسبب قرار التسفير، وهو ما لا يستطيع أن يقوم به لأنه مطلوب للنظام السوري ولا يملك أي خيار.

عماد (اسم مستعار) لاجئ آخر يواجه صعوبات في تسوية أوضاعه القانونية، يخبر فريق التحقيق أنه قام بالإتصال بالكفيل لتجديد الإقامة، ليجيبه الأخير بأن الدوائر الرسمية مغلقة، وعلى الكفيل إبراز سند طابو وهو ما يصعب القيام به الآن، بسبب إضراب الدوائر العقارية ، ما يعني تعذر القيام بالأمر.

شهدت البلاد في الآونة الأخيرة سلسلة إضرابات واعتصامات ينظمها موظفو الإدارات العامة في الدولة، بسبب الأزمة الاقتصادية وتدني قيمة معاشاتهم بشكل كبير بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.

في هذا الإطار، يشرح أحد موظفي قوى الأمن العام وهي الجهة المسؤولة عن إتمام معاملات الإقامة للاجئين، لفريق التحقيق العراقيل التي يواجهونها في ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة، “هناك تأخير في إتمام المعاملات داخل مراكز الأمن العام وخصوصاً مع النقص الحاصل في المواد والمستلزمات والانقطاع المستمر للكهرباء كما أن إنتاجية الموظف لم تعد كما في السابق، فقيمة راتبه تدنت كثيراً، إذ يفضل كثيرون بذل الجهود في أعمال أخرى خارج الدوام. يؤدي ذلك إلى تراجع إنتاجية المؤسسات والتباطؤ في إتمام المعاملات”.

معاهدة الأخوة
عام 1991 وقع لبنان وسوريا معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، والتي بموجبها سمح للسوريين بدخول الأراضي اللبنانية رسمياً والحصول على تأشيرة إقامة مجاناً لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، والتقدّم للحصول على تأشيرة إقامة لمدة ستة أشهر جديدة مقابل مبلغ 300000 ليرة لبنانية (200 دولار حينها).

الأعداد الهائلة من النازحين التي وصلت إلى لبنان بسبب الحرب في سوريا، ودخول كثيرين بأساليب غير شرعية ووصول أعداد اللاجئين السوريين في لبنان إلى نحو المليون ونصف المليون نهاية عام 2014، دفع الحكومة اللبنانية لتبني خطة جديدة لتنظيم الأمر، فأوقفت 2015 العمل بالمعاهدة، واعتمدت إجراءات أكثر تعقيداً لدخول السوريين ولحصولهم على الإقامات، التي تعتبر شرطاً ضرورياً لحصول السوريين على حقوقهم الأساسية في التعليم والعمل ومعاملات تسجيل الزواج والولادة والطلاق.

شروط الإقامة
تتطلب جميع فئات الإقامة:

– الوثائق الثبوتية الشخصية للمتقدّم السوري، وهي هوية سورية أو جواز سفر سوري صالح.

– قسيمة الدخول إلى لبنان للقادمين براً أو صورة عن آخر ختم دخول عبر المطار للداخلين جواً، أما الداخلون بطريقة غير شرعية فيُطلب منهم إبراز تسوية الأمن العام، علماً أن الأمن العام يعلن كل حين عن تسوية أوضاع للداخلين بطرق غير شرعية.

ليس هذا كل شيء، إذ تقسم الإقامات إلى أكثر من فئة، تتطلب كل واحدة شروطاً ووثائق خاصة.

إقامة النازح مثلاً لا تتطلب أي رسوم، إلا أن المطلوب إبراز الوثائق الثبوتية الشخصية، وشهادة تسجيل لجوء صادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حديثاً تفيد بأنه مسجل لدى المفوضية قبل عام 2015، وإفادة سكن من المفوضية. وتتطلب إقامة الكفالة الشخصية إبراز الوثائق الثبوتية الشخصية للمتقدم وللكفيل اللبناني، وتعهّداً وإفادة سكن من المختار، وتعهد مسؤولية لدى كاتب العدل يتعهد فيه الكفيل اللبناني بكامل المسؤولية عن قريبه السوري بما يضمن عدم عمله، وإخراج قيد عائلي للكفيل اللبناني وآخر للمقيم السوري للتثبت من مدى القرابة بينهما، وفي بعض الأحيان يتطلب إبراز حوالات مالية متعاقبة تصل إلى المقيم السوري من أحد أقاربه من خارج لبنان لإثبات دخله.

أما الإقامة الدراسية للطلاب السوريين في لبنان، فتشترط أيضاً إفادة تسجيل من الجامعة، وتعهّداً بعدم العمل صادراً عن الكاتب العدل، وإفادة سكن من المختار، وحوالات مالية متعاقبة تصل إلى المقيم السوري من أحد أقاربه من خارج لبنان لإثبات دخله.

تختلف الفئات وتعقيداتها التي لا يمكن ذكرها كلها هنا، إلا أن هذه التعقيدات بمعظمها تجعل الإقامة حلماً للسوري اللاجئ أو الراغب بالإقامة أو العمل (إقامة بموجب عقد الإيجار، فئة تعهد المسؤولية- كفالة العمل الشخصية مع التعهد بالاستحصال على إجازة عمل من وزارة العمل…).

تشير سامية (اسم مستعار) ضمن هذا الطرح إلى أن والدها الذي أراد منذ أشهر أن يستحصل على إقامة على اسم شقيقتها المتزوجة من لبناني، بالتالي تملك الجنسية اللبنانية وبإمكانها إصدار إقامة لأقاربها من الفئة الأولى أي الأم والأب، لكن إقامته لم تصدر حتى الآن بالرغم من قيامه بالإجراءات المطلوبة منذ ما يقارب الثلاثة أشهر.

تعقيدات أخرى..
يقول عامر (اسم مستعار) وهو من سكان مدينة طرابلس باب التبانة، إحدى المناطق الفقيرة والنائية في شمال لبنان، إنه حاول الاستحصال على إقامة على أساس عقد إيجار، ولكن هذا الأمر يتطلب أن يكون للعقار سند ملكية خاصاً به، وهو ما لم يستطع عامر تأمينه بسبب مخالفات عقارية لا دخل له بها، ما يعني تعذر التسجيل، وبالتالي استحالة حصوله على إقامة على أساس عقد الإيجار.

أما لؤي (إسم مستعار) فهو لاجئ آخر إستطاع الحصول على إقامة عبر كفيل، لكن أولاده بقوا بلا إقامات قانونية لأن الكفيل لا يستطيع تسجيل جميع أفراد العائلة على اسمه، وبالتالي فهؤلاء معرضون لخطر الترحيل القسري بسبب وجودهم غير القانوني على الأراضي اللبنانية.

الترحيل بسبب الإقامة
مزنة أصلان، ناشطة سورية تتابع قضايا الترحيل والإقامات، توضح لـ”روزنة” أنه “في ما يخص رفض التجديد للاجئين الذين استحصلوا على إقامتهم بموجب كفالة بالرغم من قانونية إجراءاتهم، فأحياناً تكون المشكلة بالكفيل نفسه، ما ينعكس سلباً على الشخص المكفول فيتم رفض تجديد إقامته وتطلب منه مغادرة الأراضي اللبنانية في معظم الأحيان”…

كما تشير مزنة إلى أنه في السنوات الماضية كان يتم رفض تجديد الإقامة على أساس الكفالة بسبب اتخاذ بعض الكفلاء هذا الأمر على سبيل الامتهان والتجارة، وغالباً ما كان يصدر قرار بالرفض أو الترحيل من دون إعطاء فرصة للاجئ للبحث عن كفيل آخر.

تشدد مزنة على خطر يهدد العاجزين عن مغادرة الأراضي اللبنانية بسبب ظروفهم الأمنية، حين يعجزون عن إيجاد كفيل أو تغيير الكفيل، “في هذه الفترة تحديداً هناك خوف من الذهاب إلى الأمن العام للتجديد لأن الكثير من الطلبات جاء الجواب عليها بالتسفير، من دون أي مبرر واضح وفي حالات أخرى تم الامتناع عن استلام الطلبات حتى”. وهنا تؤكد مزنة أن الناس يريدون أن تكون إقاماتهم قانونية ولكن القرارات والقوانين المفروضة مقارنة بالواقع هي ما يحول دون ذلك.

وفي ما يخص الأوراق المطلوبة لإجراء معاملات الإقامة، تقول مزنة إنه في حال كان الشخص فوق الـ17 سنة يجب أن تكون بحوزته بطاقة شخصية أو جواز سفر، وهو ما لا يملكه كثيرون، لأن السفارة السورية تقتصر على الباسبورات دون البطاقات الشخصية والباسبور نفسه يكون صالحاً لمدة سنتين ونصف السنة تقريباً وتبلغ تكلفته نحو 350 دولاراً للجواز العادي، أما المستعجل فتبلغ تكلفته نحو 850 دولاراً، وهو المتوفر في السفارة حالياً. فإضافة إلى الخطر الأمني الذي تشكله السفارة لكثيرين للحصول على جواز، فإن ذلك يتجاوز قدرتهم المادية.

أما عن التأخر في تسليم الإقامات، فتقول مزنة أن إحدى صديقاتها وهي فلسطينية- سورية تقدمت للحصول على الإقامة في شهر تشرين الثاني وقد تسلمتها في الأسبوع الأخير من شهر نيسان، وكون الإقامة صالحة لمدة ستة أشهر فقط، فعليها الذهاب لتجديدها مرة أخرى.

فروقات قانونية
قانونياً، تشير المحامية ميسا شندر بدايةً أن هناك فرقاً بين الذين دخلوا إلى لبنان قبل الـ2015 وبين الوافدين بعدها، إذ تتولى المفوضية تجديد الاقامات مجاناً للفئة الأولى، أما بالنسبة إلى الذين دخلوا خلسة إلى لبنان قبل 24/4/2019 فلدى هؤلاء مدة لتسوية أوضاعهم لتصبح قانونية وهذه المدة ممتدة الى تاريخ 30/6/2023، ولكن من دخل خلسة بعد تاريخ 24/4/2019 لا إمكانية لتسوية أوضاعه إذ يتم ترحيله فوراً في حال توقيفه.

وفي ما يتعلق بقرارات تسفير اللاجئين السوريين الذين يريدون تجديد إقامتهم على الكفيل نفسه، تقول شندر إنه في معظم الأحيان يتم التقديم على كفيل وهمي، بسبب رفض صاحب العمل الحقيقي تسجيل العامل السوري على اسمه وهذا يؤدي إلى مشكلة في حال انكشافه.وتوضح أنه في حال تم رفض تجديد الإقامة وطلب من الشخص المغادرة فليس من مسؤولية الأمن العام تنفيذ الترحيل، المديرية مخولة فقط إعطاء مهلة شهر للاجئ لمغادرة الأراضي اللبنانية وبالتالي يقع على عاتق اللاجئ القيام بالأمر.

وبالنسبة إلى الإقامات المعقودة على سند إيجار، في حال عدم وجود سند ملكية للعقار وهو مستند مطلوب من بين جملة المستندات الضرورية، فتقول شندر إنه لا غنى عن وجود هذا المستند، لكن أحياناً نلاحظ اختلافاً في التعاطي مع الموضوع بين رئيس مركز أمن عام وآخر، بالتالي يمكن أن يتم التغاضي عن ذلك أحياناً.وفي ما يخص عدد الأشخاص الممكن كفالتهم من قبل شخص واحد ضمن العائلة الواحدة تشير شندر إلى أن هناك فرقاً بين شخص يعمل عند رب عمل يملك مؤسسة صغيرة فمن الطبيعي في هذه الحالة أن لا يقوم هذا الأخير إلا بكفالة شخص واحد فقط، لكن في حال امتلاك الكفيل مؤسسة كبيرة، فعليه حينها القيام بما يسمى مسؤولية عائلة ويجب أن يذكر المكفول ضمنها أن لديه أولاداً بينهم قاصرون وعازبات (لا يعملون) وحينها بإمكانه أن يقوم بكفالتهم.

74 في المئة نسبة اللاجئين لا يملكون أوراق
بحسب “هيومن رايتس ووتش”، تقدَّر نسبة اللاجئين الذين لم يستطيعوا استيفاء متطلبات قوانين الإقامة القاسية التي فرضها لبنان في كانون الثاني 2015 بحوالي 74 في المئة من إجمالي أعداد اللاجئين.

كما جاء في دراسة أعدتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن 16 في المئة فقط من اللاجئين المقيمين على الأراضي اللبنانية هم حاصلون على إقامات قانونية.

في قراءة سريعة للأرقام في ظل الواقع الراهن نجد أن اللاجئين لا يملكون رفاهية الخيار بين إنجاز معاملات الإقامة من عدمه وخصوصاً في ظل التهديد الأمني وإمكانية الترحيل وخطابات التعبئة والتحريض المنتشرة في الآونة الأخيرة.

اترك ردإلغاء الرد