كيف ستستفيد طهران من مشروع “شل” للغاز العراقي؟
/ترجمة إشراق الأبرش- الرائد نيوز/
شركة إيرانية هي المستفيد الأكبر من محطة طاقة تستعدّ لتزويد مشروع غاز مدعوم من ” shell” في العراق، مما يُظهِر الوجود الواسع النطاق لمصالح طهران التجارية لدى جارتها ويضع المجموعة البريطانية على خلاف مع المصالح الجيوسياسية المتغيرة للغرب في الشرق الأوسط.
وستصبح شركة غاز البصرة، المملوكة بنسبة 44 في المئة لشركة الطاقة الكبرى المدرَجة في لندن، مستهلِكاً رئيسياً للطاقة من محطة الرميلة المستقلّة للطاقة في جنوب العراق وذلك عندما تبدأ المنشأة الجديدة لشركة الغاز عملياتها في حزيران.
ومحطة الرميلة هذه مملوكة لشركة شمارة القابضة ومقرّها الأردن، لكن بناءها تم من قِبَل مجموعة “Mapna” ومقرها طهران، والتي يحقّ لها الحصول على 78 في المئة من إيرادات مبيعات الكهرباء، وفقاً لوثائق اطّلعت عليها صحيفة “فاينانشال تايمز” وثلاثة أشخاص مشاركين في العقود.
وحظي مشروع “شل” المشترك الذي حصل على تمويل من البنك الدولي بإشادة واسعة لدوره في السيطرة على الغاز الذي كان يُحرَق في السابق في حقول النفط العراقية ومعالجته لاستخدامه في توليد الكهرباء المحليّة أو الطهي أو التصدير. وتملك شركة “غاز الجنوب” العراقية المملوكة للدولة ما نسبته51 في المئة من المشروع، بينما تمتلك شركة ميتسوبيشي التجارية اليابانية 5 في المئة.
وقالت شركتا شل وغاز البصرة أنه لا يوجد أي علاقة تربطهما مع “مبنا”، ولا يوجد ما يشير إلى أن المدفوعات من غاز البصرة مقابل الطاقة من محطة الرميلة، التي تتمّ عبر وزارة الكهرباء العراقية، ستنتهك العقوبات الأمريكية أو الأوروبية المنصوصة على التعامل مع إيران.
ومع ذلك، فإن دور “مبنا” في محطة توليد الكهرباء يعكس إلى أي مدى أصبحت الشركات المقرَّبة من النظام الإيراني جزءاً لا يتجزأ من نسيج الاقتصاد العراقي.
وفي حديث ل “ريناد منصور” مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس، قال فيه: “إن مصالح إيران ونفوذها يتوغّلان عميقاً في الدولة العراقية ووزاراتها”.
وأضاف “كذلك استثماراتها وشبكاتها طويلة الأجل تضمن أنها لا تزال القوّة الأجنبية الأكثر نفوذا”.
أدّى نقص الاستثمار المزمن والفساد الذي أحدثه الغزو الأمريكي لمدة 20 عاما إلى جعل العراق متّكل بشكل كبير على واردات الغاز والكهرباء الإيرانية، التي توفّر أكثر من ثلث احتياجاته من الطاقة، وهذا بدوره يشير الى أن نفوذ إيران راسخ بشكل خاص في هذا المجال.
هذه ليست مشكلة لشركة شل فقط. إذ تدير عدة شركات نفط دولية، من بينها بريتيش بتروليوم وإكسون موبيل، حقولاً نفطية في العراق تسحب الطاقة من الشبكة الوطنية العراقية.
ولعلّ بناء “مبنا” لمحطة الرميلة هو أفضل مثال على تغلغل إيران في هذا القطاع. كما أنه يعكس تذبذب الغرب في مبادئ عمله مع طهران على مدى العقد الماضي، مما يجعل عمليات المستثمرين الأجانب في العراق أكثر تعقيدًا.
عندما تم اختيار “مپنا” للمساعدة في بناء محطة الرميلة في عام 2015، كانت إيران على وشك توقيع اتفاق نووي مع القوى الغربية، وكانت العلاقات تتحسّن. لكن بعد ثلاث سنوات انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الصفقة وأعاد فرض العقوبات.
تم منح عقد تطوير محطة الرميلة بقدرة 3000 ميغاوات إلى شمارة في عام 2014 ، مدعومًا باتفاقية شراء الطاقة مع وزارة الكهرباء العراقية. اذ كانت الشركة تأمل في البداية العمل مع شريك أميركي أو أوروبي، لكنها كافحت لتوليد الاهتمام حيث اجتاح مقاتلو داعش أجزاء من العراق وسوريا في ذلك الصيف، مما أدى إلى فتور اهتمام المستثمرين الغربيين، وفقاً لمصدر مطّلع على المراحل الأولى من المشروع.
وفي الوقت نفسه أضاف المصدر، إن إمكانية تجديد التواصل مع الشركات الإيرانية فُتحت بعد عامين من المفاوضات بين القوى الغربية وإيران بشأن اتفاق نووي.
وفي نهاية المطاف، حصلت مبنا على عقد بقيمة 2.05 مليار دولار لبناء وتسليم التكنولوجيا الرئيسية لمحطة الرميلة، مدعومة بضمان دفع حكومي عراقي تم توقيعه في 9 تموز 2015 أي قبل أيام من الاتفاق النووي الغربي مع إيران.
مپنا – Mapna، هي مجموعة للطاقة والبنى التحتية تأسست في عام 1993، وهي واحدة من أنجح الشركات الايرانية، واستثماراتها في الرميلة كانت مدعومة من قبل النظام الايراني.
حيث أنَّ المحطة تلقّت دعماً من صندوق ضمان الصادرات الإيراني في شكل بوليصة تأمين ضد المخاطر السياسية بقيمة 300 مليون دولار ووصِفَت على موقع مپنا على الإنترنت بأنها “أكبر مشروع طاقة دولي للشركة”.
وافق مشروع “شل” المشترك على أخذ الطاقة من محطة الرميلة في عام 2019، ووقّع عقداً بقيمة 35 مليون دولار لبناء خط كهرباء بطول 18 كيلومترا إلى منشأة سوائل الغاز الطبيعي (NGL) التي كانت تبنيها في مكان قريب، وفقاً للوثائق التي شاركتها صحيفة “فايننشال تايمز” من قبل “Unearthed” ، وهي مجموعة صحافة استقصائية تدعمها منظمة السلام الأخضر.
ومن المقرر أن تبدأ محطة سوائل الغاز الطبيعي في البصرة عملياتها في حزيران، وستسحب ما يصل إلى 70 ميجاوات من الطاقة من الرميلة، والتي يمكن أن تزيد إلى 200 ميجاوات مع توسيع منشأة سوائل الغاز الطبيعي.
تنتج محطة الرميلة ما يصل إلى 1500 ميجاوات من الطاقة منذ عام 2020. وزارة الكهرباء هي المزوّد الوحيد للطاقة في العراق، مما يعني أنها تعمل في الواقع كوسيط في محطة الرميلة، حيث تدفع شمارة ومپنا مقابل الطاقة المنتجة وتبيعها لعملاء مثل “غاز البصرة”.
وفقا للوثائق والأشخاص الثلاثة المشاركين في العقود، تجمع شمارة 22 في المائة من الإيرادات، بينما يتدفّق الباقي إلى مبنا كسداد لعملها في المشروع. فيما رفض شمارة التعليق
وشددت شل على أنها “لا تتعامل مع مبنا أو أي كيان إيراني”، مضيفة أنها لا تستطيع التعليق على وزارة الكهرباء “البنية التحتية أو تدفق الأموال أو ترتيباتها التجارية مع موردي أو متعهّدي الطاقة من طرف ثالث”.
كما دافعت عن مشاركتها في المشروع المشترك لغاز البصرة، قائلة إنه “تأسّس كجزء من الحل لتعزيز الاكتفاء الذاتي من الطاقة في العراق وتقليل الاعتماد على واردات الغاز”.
وعندما لم تعلّق مبنا وشركة غاز الجنوب ووزارة الكهرباء العراقية على تساؤلات ميتسوبيشي، قامت الأخيرة بإحالة الأسئلة إلى شركة غاز البصرة.
بدورها قالت شركة غاز البصرة إنها دفعت فقط لوزارة الكهرباء مقابل الطاقة وليس لديها أي تعاملات مع مپنا ولا عقد مع شمارة بخلاف الاتفاق في عام 2019 لبناء خط الكهرباء. وقالت إنّ ” integrity due diligence ” من قبل “BGC” بشأن شمارة القابضة لم تسلّط الضوء على أي مخاوف تتعلق بالعقوبات أو قوانين الامتثال التجاري.”
لكن دور مپنا في المشروع مثير للجدل. وقال مستشار سابق لرئيس الوزراء وشخص آخر مطّلع على الأمر: إن العراق وبضغط أمريكي، جمّد الحساب العراقي حيث تتلقى مبنا الأموال منذ عام 2021. ونتيجة لذلك، أخّرت مپنا الانتهاء من المحطة، التي تمّ تصميمها ل توليد 3000 ميجاوات بمجرد اكتمالها.
وقالت المصادر إن الولايات المتحدة قلقة، من بين قضايا أخرى، من الدور الذي لعبه “حسن دنايفر”، السفير الإيراني السابق في بغداد والعضو السابق في الحرس الثوري الإيراني، في الضغط على بغداد نيابة عن مبنا. فيما لم يتسنّ الوصول إلى دانيفار للتعليق.
وفي ردّها على تساؤلات متعلقة ب مبنا، قالت وزارة الخارجية الأميركية: “تعمل الولايات المتحدة والعراق جنباً إلى جنب لتحديث النظام المالي العراقي، ومكافحة الفساد، ومنع التلاعب بالنظام المالي”. وأضافت أن الولايات المتحدة تركّز على “تعزيز أمن الطاقة في العراق” من خلال دعم البلاد للمضيّ قُدماً في مشاريع احتجاز الغاز للحدّ من الانبعاثات وتوليد الطاقة وبناء روابط إقليمية وتحديث البنية التحتية للكهرباء.
إن التحويلات إلى حساب مپنا ليست المدفوعات الوحيدة المتعلّقة بالطاقة بين العراق وإيران التي واجهت مشاكل. وتسمح الإعفاءات من العقوبات الأميركية للعراق باستيراد الغاز والطاقة مباشرة من إيران لكن مدفوعات بغداد لا يمكن أن تستخدمها طهران إلا لتمويل مشتريات الغذاء أو الدواء أو للتحويلات الدولية الأخرى المصرّح بها. ويساعد هذا الترتيب الغامض العراق على تلبية الطلب المحلي على الطاقة، لكنه يعني أن مدفوعاته لإيران غالباً ما تتأخر، وذلك يدفع طهران إلى قطع الإمدادات من حين لآخر.
قال يسار المالكي ، محلل الخليج في Middle East Economic Survey.
“لقد خلقت العقوبات (Catch-2) للعراق”
وأضاف، “تدرك واشنطن أن (واردات الغاز والطاقة الإيرانية) ضرورية للاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد وتواصِل السماح بالإعفاءات من الواردات. لكنّ القيود المفروضة على تحويل المدفوعات إلى إيران تعني أنها تتراكم في العراق”.
