ضمير الإنسانية ورمز النضال ضد الظلم
ما أحوجنا إلى “مانديلا” الأخلاق والقيم
/إعداد: زائدة الدندشي-الرائد نيوز/
/مانديلا مخاطبًا الجمعية العامة للأمم المتحدة 1993/
“لقد مشينا معاً في طريق طويل جداً. وسافرنا معا للوصول إلى مقصد مشترك. والمقصد المشترك الذي كنا نتقدم نحوه يحدد السبب الجوهري لوجود هذه المنظمة العالمية. والهدف الذي سعينا إلى بلوغه هو تحقيق ما يتوق إليه الجنس البشري بأسره من كرامة إنسانية وإنجاز بشري”.
روليهلالا نلسون ماندلا، الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب إفريقيا وأبرز المناضلين والمقاومين لسياسة التمييز العنصري التي كانت متبعة في جنوب أفريقيا. لقبه افراد قبيلته بـ (ماديبا Madiba) وتعني العظيم المبجل
كان مانديلا في البداية يدعو للمقاومة الغير مسلحة ضد سياسات التمييز العنصري، لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في عام 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة.
شغل مانديلا منصب رئاسة المجلس الإفريقي (من حزيران 1991- إلى كانون الأول 1997)، وأصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا (من أيار 1994- إلى حزيران 1999). وخلال فترة حكمه شهدت جنوب إفريقيا انتقالًا كبيرًا من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية. ولكن ذلك لم يمنع البعض من انتقاد فترة حكمه لعدم اتخاذ سياسات صارمة لمكافحة الإيدز من جانب، ولعلاقاته المتينة من جانب آخر بزعماء معارضين للسياسات الأميركية كالرئيس الليبي معمر القذافي والكوبي فيدل كاسترو.
/الإرادة لا يكسرها عمرٌ ولا سنين/
قضى مانديلا 27 سنة في السجن في جنوب أفريقيا لإدانته والحكم عليه مع سبعة أشخاص آخرين بالسجن مدى الحياة. وقد رفض عروض الإفراج المبكر عنه لأنها كانت دائماً مصحوبة بشروط. وفي عام 1990، عندما خرج في النهاية من أبواب سجن بولسمور وأصبح رجلاً حراً، تناولت البي بي سي بالوصف الرقص في الشوارع في جميع أنحاء البلد وأفادت بأن 50 ألف شخص تجمعوا أمام مبنى البلدية في “كيب تاون” للاستماع إليه وهو يتكلم.
كان مانديلا مثل “المرآة” تعكس ذاتنا الإنسانية الكارهة الظلم ولو انخرطت فيه، استعلى على مشاعر والحقد والانتقام، وبدل أن يوظف شعبيته العارمة بإطلاق طاقات الحقد الحقد والانتقام، ممن ذبحوهم ونكلوا بهم لقرون مديدة، خاطب الجميع بإنسانية ووطنية مشتركة، كأنه يعانق زعيم دولة التمييز العنصري السابقة دوكلارك، واتخذه نائبًا له في رئاسة الدولة الجديدة.
/الأبارتايد: أسود.. تراجع إلى الوراء/
في ذلك الحين كانت الانقسامات ذات الصبغة العرقية التي اتسمت بها جنوب أفريقيا خلال عهد التمييز العنصري صارخة إلى حد كبير والشبهات العنصرية كانت متغلغلة، فضلًا عن التعنيف الاعتباطي ضد السود من هنا نشأ مفهوم “الأبارتايد” 1948، وتعني كلمة أبارتايد في لغة الأفريكانو (وَضَعه جانبا، أو نبذهُ) مع ما يحمله ذلك من معاني التهميش والإلغاء وحتى الاحتقار. وهو شكل من أشكال العنصرية يتميز بطبيعته المؤسساتية والرسمية، فهو مُضمّنٌ في القوانين والنظم المعمول بها وتجعله الدولة أساسًا للسياسات العمومية في مختلف مناحي الحياة جهرًا دون حياء أو مداراة، فلا حرج من الحديث عن شعبين مختلفين ومساريْ تنمية متباينين. وقد طبق في جنوب أفريقيا لعقود إلى أن جاءت نهايته عام 1991.
فقد ساد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بين 1948 و1991، وحكمت من خلاله الأقلية البيضاء التي لم تتجاوز نسبتها ال 20 في المئة الأغلبية السوداء وفق منهج إقصائي يُحافظ على المصالح والبنيات التجارية والاقتصادية التي أقامها البيض في ثلاثة قرون من الاستعمار. فلا ميزات السود بل كل الأصل والفصل والإبداع لأصحاب البشرة البيضاء فهم عرق سامٍ بينما لا أصل ولا اهتمام لذوي البشرة السوداء.
قام حينها الحزب الوطني المتطرف الذي فاز بتشريعات 1948، بإصدار قانون أطلق عليه اسم “سجل السكان”، فقسّم سكان البلاد رسميًا إلى مجموعات عرقية حدد وجودها في أماكن معينة من البلاد. مما مهد لتفرقة شاملة أنتجت مجتمعين متباينين في كل شيء وبمسار تنمية مختلف تمامًا.
/ما أحوجنا إلى شخص مثل مانديلا/
ما أحوج الإنسانية اليوم تضربها موجات متصاعدة من الكراهية والعنصرية والحروب والأنانية والشح وتيبس الضمائر المتبطر مع الفقر المدقع، وغربة الإنسان في مدن تزدحم بالملايين، فلا يظفر بأنيس يفك قبضة الوحشة عن صدره، بل ما أحوج أمة الإسلام وهي تصطرع وتتمزق وتتفتت وتتناحر جماعات وأفرادا، بين إسلاميين وعلمانيين، وإسلاميين مع بعضهم وعلمانيين كذلك، وكل يزعم وصلا بليلى، امتلاكا للحقيقة المطلقة، ما أحوج الجميع إلى تجديد ثقافة وأدبيات وسير السماحة والتغافر والتعاون والبحث عن الإنساني والوطني المشترك، للبناء عليه والترفق في معالجة المختلف، بدل تضخيمه وتأجيج نوازع الشر المستكنة في كل نفس بشرية، نوازع الكراهية والثأر والبغضاء التي تفكك ولا تجمع وتهدم ولا تبني… ما أحوجنا إلى مانديلا يلهم الإنسان استخدام أخلاقه لا لسانه في التعامل مع الناس.
