سجان نيلسون مانديلا حريص على استمرارية إرثه

صداقة تشكلت منذ 4 عقود تسلط الضوء على محاسن معاملة النزلاء باحترام

/ليام جيمس- اندبندنت عربية/

نيلسون مانديلا برفقة كريستو براند، حارسه في السجن وصديقه (اندبندنت)

نيلسون مانديلا- لم أكن قد سمعت بالاسم في حياتي قبلاً”، كما قال السجان السابق للأيقونة الجنوب أفريقية”.

يعود كريستو براند بذاكرته إلى عام 1978، وإلى أول ليلة قضاها في حراسة أحد أشد الأشخاص تأثيراً في القرن الماضي. لم يكن قد تخطى عامه الـ19 بعد.

أخبره رقيب أن الرجل المسن الذي ينام بشكل غير مريح على أرض الزنزانة في سجن جزيرة روبن “إرهابي يحاول الانقلاب على بلدك”.

ويقول براند إنه أسف لحالة السجين. لم يعر الكثير من الأهمية لكلام الرقيب وسرعان ما جمعته بمانديلا صداقة، أولاً عندما كان حارسه وبعدها عندما عمل تحت إمرته في الحكومة، وفي النهاية عندما حضر جنازته بصفته صديقاً للعائلة.

نشأ الشاب وسط الثقافة الأفريقانية التي هيمنت على المشهد السياسي في جنوب أفريقيا حتى انتخاب مانديلا أول رئيس أسود للبلاد في عام 1994. كان الزعيم المستقبلي قد قضى كل فترة حياة براند تقريباً حتى يوم لقائهما في السجن بسبب تصديه للنظام السائد.

زنزانة مانديلا القديمة في السجن على جزيرة روبن، في جنوب أفريقيا (غيتي)

خلال طفولته، وعمله في مزرعة تبعد ساعتين عن كايب تاون، لم يرَ براند الكثير من مجتمع الفصل العنصري، أو الأبرتهايد، الذي دفع مانديلا باتجاه التطرف. وانتقل خلال سنوات مراهقته مع عائلته إلى ضاحية من المدينة تعتمد الفصل العنصري.  

كان من المفروض عليه، مثل حال كل الشباب الجنوب أفريقيين البيض، أن يقضي سنتين في الخدمة العسكرية إلى أن قُتل صديق قديم أثناء خدمته على يد الناشطين السود بحسب ما قالت المزاعم.

عندما كان براند يستمع إلى تأبين القس لصديقه الذي سماه “بطلاً” ضحى بحياته في سبيل النضال ضد “الخطر الأسود”، تغير فكره. لم يعتقد المراهق أن صديقه بطلاً ولا أن الجنوب أفريقيين السود هم العدو. 

انضم براند إلى الخدمة في السجن ليفلت من التجنيد الإجباري. كان السجن في جزيرة روبن المقابلة لساحل كايب تاون حيث عُين للخدمة، يضم بشكل عام رجالاً سوداً معتقلين لأسباب سياسية.

براند عندما أنهى تدريبه ليصبح حارساً في السجن في 1978 (اندبندنت)

بدأ بقضاء أيام وليال برفقة مانديلا الذي يقول عنه إنه ظل ساحراً حتى بعد قضائه نحو 16 عاماً بصفته السجين 466/64. ومع الوقت، رأى حكمة في الجرائم التي ارتكبها الرجل الكبير في السن.

ويتفكر براند في سنوات قضاها إلى جانب مانديلا، رأى فيها صديقه وهو يُسقط النظام القديم ببطء لكن بحسم، فيقول “كان مانديلا يحارب في سبيل تحرر البلد، وكان مستعداً للذهاب إلى حبل المشنقة في سبيل تحرر شعبه”.

“حتى عندما أخطأ بارتكاب بعض الأمور، كان يقوم بأعمال صائبة للناس في ذلك الوقت”.

رأى السجان كيف غيرت سنوات العزلة مانديلا. في الأيام السابقة لصدور حكم الإدانة بحقه، كان الرئيس المستقبلي يؤمن بأن المقاومة العنيفة هي السبيل الوحيد للتغيير في مجتمع شرع قمع السود بالقانون.

وتلقى تدريباً عسكرياً خلال جولة في دول أفريقية أخرى في عام 1962 لكنه اعتُقل بعد فترة قصيرة من عودته إلى جنوب أفريقيا لمغادرته البلاد من دون الحصول على إذن.

ويقول براند “أثناء وجود مانديلا في السجن، درس تعاليم مارتن لوثر كينغ وغاندي وحاول السير على خطاهما لإحقاق التغيير”.

مانديلا (على اليسار) يتحدث مع أستاذ في كيب تاون، في 1950 تقريباً (غيتي)

ويضيف براند أنه على الرغم من انشغال السيد مانديلا بالصالح العام، لم يتوانَ عن الاهتمام بمساعدة الأشخاص القريبين منه. فيما شارفت سنوات التعليم المدرسي لريان، ابن السيد براند البكر، على الانتهاء، اشتكى الرجل لمانديلا من تملص ابنه من متابعة دراسته الجامعية من أجل التدرب على الغطس التجاري.  

طلب “العم نيلسون”، الذي وجه رسالة إلى ريان ليتمنى له عيداً سعيداً، التحدث مع الصبي على انفراد. وقال له ألا يسمح لأبيه بأن يملي عليه المجال الذي يمكنه أن يجتهد فيه. في النهاية، كان براند شاكراً لهذا.

براند (على اليمين) وابنه (ريان) برفقة الرئيس مانديلا (اندبندنت)

في كتاب مذكراته، مسيرة طويلة نحو الحرية، يلمح مانديلا إلى السبب الذي جعله يُبقي سجانه بقربه حتى بعد تحريره من السجن. ويكتب أن براند “عزز إيماني في الإنسانية المتأصلة حتى في الذين وضعوني وراء القضبان”.

خرج مانديلا من السجن في عام 1990، وبدأ قبلها بالتفاوض مع القيادة الجنوب أفريقية على التغييرات التي أسفرت عن إقامة أول انتخابات ديمقراطية في البلاد بعدها بسنوات قليلة.

ظل شخصية عالمية عظيمة لما تبقى من عمره، وكان لقاؤه فخراً لباقي زعماء العالم.

رسالة من “العم نيلسون” يتمنى فيها عيد ميلاد سعيد لريان لمناسبة عيده الـ16 (اندبندنت)

تصادف هذه السنة ذكرى مرور 10 أعوام على وفاة مانديلا لكن، كما يقول براند، لا تزال روحه حية في الدروس التي قدمها لمن بعده. ويضيف “لا يزال الناس ينشرون الإرث الذي تركه. وأنا أيضاً أحاول أن أروي قصته”.

يدعو براند المتقاعد حالياً حراس السجون إلى إقامة روابط مع من يحرسونهم. وهو يعمل مع منظمة Unlocked Graduates الخيرية المعنية بالسجون، التي تسعى إلى الحيلولة دون عودة السجناء إلى ارتكاب أي مخالفات ثانية عبر بناء علاقات إيجابية داخل السجن.

مانديلا أثناء الحملة الانتخابية في عام 1994 عندنا كان يسعى لأن يصبح أو زعيم أسود لجنوب أفريقيا (أ ف ب/غيتي)

ويشارك براند العبرة التي سمحت له بملازمة إحدى أهم شخصيات التاريخ الحديث للسجانين الشباب اليوم “عليكم معاملة سجنائكم كأشخاص”.

اترك ردإلغاء الرد