وزراء حزب الله يزورون طرابلس أكثر من ميقاتي ومولوي!
/سامر زريق- الرائد نيوز/
في خطوة مميزة ومعبرة، أقام وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم الاحتفال المركزي بعيد العمال في مدينة طرابلس، وفي الرابطة الثقافية بالذات، تلك القلعة الثقافية الحصينة، الأمينة على تراث المدينة. علاوة على ذلك، فإن الكلام الجميل الذي قاله بيرم بحق طرابلس وعكار، وأنهما قدمتا للدولة أكثر مما قدمت لهما بكثير، وتوقيره وتبجيله لمفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد الإمام احتراماً لمقامه، يستوجبان الثناء عليه.
ما سر اهتمام حزب الله بطرابلس؟
بيد أن ذلك لا يحجب التساؤلات عن سر اهتمام حزب الله بطرابلس في الفترة الأخيرة، والذي يتخذ أشكالاً وأنماطاً عديدة: زيارات حاشدة ومتكررة لممثليه في الحكومة، إذ قبل بيرم فعلها أيضاً وزير النقل علي حمية. العمل الاجتماعي المكثف لجمعية “وتعاونوا”، وهي إحدى أذرع الحزب الاجتماعية.
وكذلك بعض التقديمات من مؤسسة جهاد البناء، ومساهمات مباشرة وغير مباشرة في عمليات جراحية باهظة التكلفة لأناس معدمين، وأدوية، وألواح طاقة وغيرها. من دون إغفال الزيارة المميزة التي أجراها الى طرابلس وزير الثقافة محمد وسام المرتضى منذ مدة قصيرة. فالأخير وإن كان وزيراً من اختيار أمل، إلا أنه عملياً هو هو ممثل الثنائي الشيعي في الحكومة.
كلنا يعلم أن حزب الله ليس جمعية خيرية، بل هو حزب سياسي عقائدي شديد التنظيم لا يخطو خطوة واحدة بلا تخطيط أو بشكل اعتباطي. ترى ما الذي يبتغيه الحزب من خلف كل هذا النشاط؟ لا يبدو مقنعاً أبداً أنه يفعل كل ذلك فقط من باب التخفيف من وقع الأزمات المتتالية على أهل طرابلس، في حين أنه المتهم الأول فيما وصلت اليه البلاد.
العلاقة المباشرة مع الجمهور
ومن باب الإنصاف، لا بد من الإشادة بحسن اختيار حزب الله لوزيريه. فقد تمكن الإثنان بدماثة خلقهما، وحسن معشرهما، وانفتاحهما على الناس من كل المناطق والمشارب من التحول الى نقطة تلاق بين مختلف القوى السياسية، حتى تلك غير الممثلة في الحكومة.
وهذا ما يدفعنا الى طرح لا سؤال لا بد منه: لماذا لم يبادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى رعاية وحضور احتفال عيد العمال في الرابطة الثقافية بكل ما يحمله من من معانٍ ورمزيات؟ ألم يكن هو الأولى بذلك من وزير العمل؟ لماذا لم يتأبط ذراع مفتي طرابلس والشمال محمد إمام ويدخل معه ردهة الاحتفال؟ ألم يكن ذلك ليترك أصداء إيجابية في طرابلس؟ أليس معيباً بحقه وبحق وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أن يكون وزيرا حزب الله أكثر حضوراً منهما في مدينتهما؟
رب قائل بإن دافع ميقاتي للإحجام عن القدوم الى مدينته هو أنه ليس لديه ما يقدمه لها، ولا سيما في ظل هذه الأوضاع الصعبة وخواء الخزينة العامة. والحال نفسه بالنسبة لمولوي. بيد أن ذلك غير صحيح. فميقاتي يعلم قبل غيره وهو الخبير والمتمرس في العمل السياسي أن مجرد حضوره وفتحه أبواب قصره بالميناء لاستقبال الناس كفيل بترك أصداء إيجابية وكسر حالة النفور العامة تجاهه. فمجتمعنا لا يزال مرتبطاً بشدة بالكثير من العادات والثقافات، ومنها ثقافة الزعامة التي تفرض على الزعيم الوقوف الى جانب أهل منطقته وبيئته ولو بالكلمة الطيبة. وميقاتي أكثر من يجيد استخدام معسول الكلام في خطابه ويومياته.
ترى ما هو الشيء الذي فعله الوزيران حمية وبيرم وجعلهما يحظيان باحترام الطرابلسيين؟ هل قدما مالاً أو خدمات؟
الجواب لا. الأول حضر مناسبة في مرفأ طرابلس كانت ستقام بحضوره أم بغيابه. والثاني قدم للعمال في عيدهم بشارة هم في الأساس غير قانعين بها. إن سهولة التواصل مع وزيري حزب الله من دون وسائط وعقد، وقربهما من الناس، هو الذي أكسبهما جمهوراً طرابلسياً ضاق ذرعاً بشبكة المحاسيب والأزلام التي تصنعها المرجعيات الطرابلسية، وتضعها كهامش أمان بينها وبين جمهورها.
الأثر الطيب
لا ريب أن للمال والخدمات والمنافع أهمية عظيمة في تحصيل شعبية سياسية، لكن العلاقة العلاقة المباشرة مع الناس تبقى هي الأساس. المثال الأبرز على ما نقول هو عبد المجيد الرافعي الذي غاب عن مدينته طرابلس لعقود، انقلبت خلالها موازين العمل السياسي بالكامل. لكنه ما كاد يعود اليها حتى فاجأ الجميع برصيده الهائل في قلوب أهلها لأنه كان يؤثر على الدوام العلاقة المباشرة معهم بلا حواجز أو قفازات.
ويستوي في ذلك من هم أبناء المدينة مثل ميقاتي ومولوي، ومن هم من خارجها مثل محافظ الشمال رمزي نهرا الذي فشل خلال سبع سنوات في تحصيل عشر ما حصل عليه بيرم وحمية خلال أشهر قليلة. ولا يزال أهل طرابلس الى اليوم يذكرون بالخير والتقدير المحافظ اسكندر غبرييل. فمع أنه من حاصبيا وليس سنياً، إلا أن غبرييل نجح في أحلك سنوات الحرب في ترك إرث كان يجب أن يسير على هداه كل من أتى بعده، حيث بنى علاقة مباشرة وصادقة مع أهل طرابلس ورجالاتها، وكان الحاضر الدائم في جميع المناسبات الاجتماعية والثقافية والأفراح والأتراح. أما المحافظ نهرا فإنه لا يترك فرصة لكي يظهر فوقيته وعجرفته وتعصبه الطائفي والسياسي، حتى أنه امتنع عن زيارة المفتي إمام لمعايدته بعيد الفطر.
وبالعودة الى إقبال حزب الله على طرابلس، فيبدو أنه يروم استخدام هذا الإرث الطيب الذي نتحدث عنه لتثبيت حضوره على الساحة الطرابلسية كمرجعية شعبية وناظم للحياة السياسية، مستغلاً في ذلك قبضه على مفاتيح السلطة من جهة، ولامبالاة المرجعيات الطرابلسية من جهة أخرى. وعليه، فإن الأولى بوزير الداخلية إيلاء أبناء منطقته مساحة من وقته الذي يسخره كله لتلميع صورته أمام الخارج من أجل الفوز برئاسة الحكومة. فالقوي هو من لديه شعبية راسخة تجعل من إمكانية تجاوزه في أي صفقة سياسية صعب للغاية. وكذلك الحال بالنسبة الى الرئيس ميقاتي.
وبمناسبة الحديث عن الرابطة الثقافية فإنها ستفتتح بعد أيام قليلة معرض الكتاب النسخة الـ49 من معرض الكتاب، والذي يشكل فرصة للرئيس ميقاتي للظهور أمام الجمهور الطرابلسي من خلال رعاية المعرض وحضوره في المكان الذي يحظى بقيمة معنوية كبيرة لديهم. وللتذكير فقط فإن الرئيس الشهيد رشيد كرامي زار المكان عينه في نيسان 1987 لحضور معرض فوتوغرافي “طرابلس بين الأمس واليوم” للمهندس جلال عبس، وكان حينها رئيساً للحكوم لم تمنعه لا مشاغله، ولا الأزمة السياسية القائمة آنذاك، ولا القذائف والاشتباكات من حضور مناسبة اجتماعية قيمة.
