حكومة لبنان على “طريق الشام”.. متى يسلكها ميقاتي؟

من شاهد صور طريق ضهر البيدر أمس، ومواكب السيارات وقوافل المساعدات، لبنانية وغير لبنانية، تتوجّه إلى سوريا، سيعرف أنّ شيئاً ما يتغيّر، ليس في لبنان وحسب، بل في المنطقة.

الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، مخلّفاً نحو 30 ألف قتيل حتى الآن، وأكثر من 100 ألف جريح، فتح شريان ضهر البيدر، أوّلاً أمام وفد حكومي من لبنان، وثانياً أمام تدفّق المساعدات الإنسانية والمساعدات الشعبية، إلى سوريا وشعبها.

على الرغم من ذلك، سلك موكب الوزراء اللبنانيين طريقه إلى سوريا بصعوبة بالغة. إذ كان القرار بالانفتاح على الدولة “الشقيقة” قبل قانون قيصر وبعده صعباً ومتعرّجاً وشبيهاً بطريق ضهر البيدر.

بعد الزيارة قصد أحدهم وزيراً شارك في الوفد ليقف منه على التفاصيل، فعاد خالي الوفاض إلا من عناوين عريضة وكلام مجاملات، لكنّ ذلك لا ينفي حقيقة أنّ الزيارة خرقت قطيعة في العلاقة اللبنانية السورية استمرّت منذ بدء الأحداث السورية عام 2011 حتى الأمس القريب.

قبل هذا الوفد، خُرقت هذه القطيعة مرّة واحدة بزيارة وفد وزاري برئاسة وزيرة الخارجية في حكومة حسان دياب زينة عكر، واقتصر البحث على ملف الكهرباء والغاز من دون أيّ طابع سياسي. لكنّ هذه الزيارة انتهت مفاعيلها قبل أن تبدأ. إذ لم تفلح حكومة دياب، ولا التي تلتها، في إعادة وصل ما انقطع، خاصة أنّ رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي دونه محاذير تتّصل بكونه رئيس حكومة لبنان ورجل أعمال له امتداداته الخارجية وأعماله في بلاد الله الواسعة، التي يخاف عليها من العقوبات الأميركية، وهو ما يعني أنّ انقطاع العلاقات اللبنانية السورية سبق قانون قيصر “بأزمنة”، أو فلنقل إنّ لبنان كان من السبّاقين إلى القطيعة مع سوريا خشية العقوبات الأميركية.

الزلزال والتغييرات

بعد وقوع الهزّة الأرضية ونتيجة الكارثة التي أصابت أهل سوريا وناسها، سارع عدد من الوزراء في الحكومة إلى كسر “تابو” الحديث عن العلاقة مع سوريا. وكان وزير الأشغال علي حميّة (حزب الله)، بما يمثّل ومن يمثّل، بادر إلى الاتصال بنظيره السوري، ومثله فعل وزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وقد طلب حميّة من صديق مشترك أرقام هواتف رئيس الحكومة السوري وعدد من المسؤولين السوريين. وسرعان ما تمّ التواصل والاتّفاق على الزيارة بالاتّفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان سارع بدوره إلى الاتّصال بنظيره السوري. وقد ساد نوع من الودّ بينهما واتّفقا على متابعة التواصل.

شُكّل الوفد الوزاري من لون سياسيّ واحد، إذ امتنع الوزراء السُنّة، ولا سيما وزير الصحة فراس الأبيض والبيئة ناصر ياسين، والوزيران الدرزيان عن الانضمام إلى عداده، فاضطرّ ميقاتي إلى تعويض الغياب السياسي السُنّيّ بالحضور الوظيفي، فضمّ إلى الوفد رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير والأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلّي. كبدل عن سنيّ ضائع.

في الأساس لم يكن عبد الله بوحبيب بعيداً عن العلاقة مع السوريين، ولا سيّما أنّه عرّاب التواصل مع زميله السوري، سفير سوريا السابق في لبنان، علي عبد الكريم علي الذي يشغل حالياً منصب مستشار وزير الخارجية السوري. أمّا هيكتور حجار فكان يصبو إلى الانفتاح على سوريا. وقد خاض معركة مع زميله الوزير عصام شرف الدين في ما يتّصل بملف النازحين. وأمّا وزراء الثنائي الشيعي فقد اعتادوا زيارة سوريا. ولكن يُسجَّل لوزير الأشغال ترتيب العودة بدفع سياسي إنساني حين بادر إلى فتح المجال الجوّي والبحري أمام وحدات الإغاثة باتّجاه سوريا.

وزير الزراعة

رأى وزير الزراعة عباس الحاج حسن أنّ زيارة الوفد الوزاري الرسمي لسوريا “فتحت صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية تأخّر فتحها لا شكّ”. وقال في حديث إلى “أساس”: “قد يكون الزلزال قرباناً في سبيل تعزيز العلاقات العربية العربية، واللبنانية السورية على وجه التحديد. يحفظ لبنان الجميل للسوري الذي ساعده ووقف إلى جانبه في محطّات كثيرة، شئنا أو أبينا. وعرفاناً بهذا الجميل يقف لبنان وحكومته إلى جانب الشعب السوري من خلال الوفد الوزاري الذي مثّل لبنان قاطبة. فقد خطا خطوة كان يجب أن تحصل قبل الهزّة”.

أشار الوزير الحاج حسن إلى أنّ استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للوفد اللبناني لمدّة 45 دقيقة يحمل دلالات تقدير وترحيب: “قلنا له بالفم الملآن إنّه لا إمكانية لدينا للمؤازرة إلّا ضمن إمكاناتنا المتواضعة، وفتحنا الأجواء البحرية والبرّية في سبيل تدفّق المساعدات عبر المرافق اللبنانية من دون أيّ رسوم تذكَر”.

تفاصيل الاستقبال

على غير عادته استقبل الرئيس السوري الوفد الوزاري اللبناني عند باب المصعد ولم ينتظر لاستقباله في صالون الزوّار. وخلال اللقاء أظهر انفتاحه على الاندفاعة العربية تجاه سوريا، وبدا متفائلاً بها، مؤكّداً أنّه لن يغلق باباً يُفتح باتجاه سوريا. وهو ما فُهم أنّه استعداد لفتح صفحة جديدة مع الآخرين. وفي ما يتعلّق بالوضع في لبنان، قال الأسد: “نحن نعرف كلّ تفاصيل الواقع اللبناني، وأنّ البعض في لبنان قد يكون محرجاً بعلاقات معيّنة، ونحن لا نطلب شيئاً، ونترك للناس حرّية اختيار الوقت المناسب للانفتاح علينا، وسنكون جاهزين”.

يحمل القرار السوري الجديد استعداداً لاستقبال “كلّ من يرغب”، ويعزّز التساؤل عن إمكان استغلال لبنان، كما فعلت بعض الدول العربية، تعليق قانون قيصر لتثبيت الانفتاح باتجاه سوريا، والقيام بترجمة قريبة للحوار الهاتفي الودّي بين رئيسَيْ الحكومتين السورية واللبنانية بزيارة ميقاتي سوريا، لا سيّما في ضوء ملفّ النازحين الضاغط على لبنان وتفهّم المجتمع الدولي لضرورات حلّه.

إذا كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعث ببرقية تعزية عن الضحايا، وأرسل موفده علي حسن خليل، فهل تستتبع هذه الخطوة بزيارة برّي سوريا لتقديم التعازي مباشرة للرئيس السوري تكون مناسبة لكسر الجليد؟

لن تقدّم ولن تؤخّر؟

في تقدير مطّلعين أنّ زيارة الوفد اللبناني لن تقدّم أو تؤخّر، ولن تخرج عن الإطار الإنساني للاعتبارات القديمة ذاتها. فلبنان في حالة ذعر دائم، ولن تهزّ عواقب الزلزال على قوّته وفداحة عواقبه الكارثية واقع حال العلاقة اللبنانية السورية.

وللمفارقة يتوقّف مراقبون عند موقف الكنيسة المارونية في لبنان ودار الفتوى وغيابهما مع هول المصاب ومسارعة كنائس العالم إلى المساعدة.

خلاصة القول أنّ البرودة في العلاقات اللبنانية السورية لم تكن متعلّقة بقانون قيصر، فقبله سادت القطيعة بين البلدين، إذ لم يزُر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون سوريا على الرغم من تحالفهما المتين، وانقطع منذ زمن أيّ تواصل بين رؤساء الحكومات ونظرائهم في سوريا. لن يتغيّر هذا الواقع في تقدير مصادر سياسية قالت إنّ لبنان يخشى عواقب انفتاحه على سوريا، ولن تذهب خطواته بعيداً على هذا المستوى، فيما يعوّل مقرّبون من سوريا على الخطوة اللبنانية، ويرون فيها بدايةً لفتح صفحة جديدة متى أراد المسؤولون ذلك. إنّ الذهاب بعيداً في التماهي مع رغبة لبنانية عارمة بالانفتاح على سوريا ضرب من الأحلام، ذلك أنّ الاعتبارات ما تزال هي نفسها، وأيّ علاقة جديدة ترتبط بالموقف العربي.

/أساس ميديا/

اترك ردإلغاء الرد