ميقاتي يرفض شروط “التيار” لعقد مجالس وزراء

/سركيس نعوم- النهار/

اللبنانيون أو بالأحرى المسيحيون المؤيّدون لـ”التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل مشغولو البال هذه الأيام، ومشغولٌ أيضاً بال اللبنانيين وفي مقدمتهم المسيحيون غير المؤيّدين لهما. فالأوّلون يعرفون وبدقة ماذا قدّم “حزب الله” لمؤسّس تيارهم العماد ميشال عون على صعيد رئاسة الجمهورية ثم الدعم السياسي في الإنتخابات النيابية وفي كل الإستحقاقات الأخرى. ويعرفون وبدقة أيضاً ماذا قدّم لـ”الحزب” مؤسّس “التيار” وأهم ما فيه التنازل عن أو تجاهل المواقف المبدئية السياسية المسيحية والوطنية التي بنى مجده السياسي عليها بين 1988 و2005. ويخشون بعد الكلام الإنتقادي المباشر لـ”الحزب” ولأمينه العام وإنْ من دون أن يسمّيه الذي قاله باسيل أمام كاميرا التلفزيون بعد اجتماع ضمّ قيادات حزبه وتكتله النيابي، والذي كرّره وإن مع نبرة إعتذارية في إطلالة تلفزيونية أخرى بعد أيام، يخشون إما افتراقا فطلاقا لا بد أن تكون إنعكاساته سلبية على “التيار” وحتى على “الحزب” نفسه.

أما اللبنانيون الآخرون ومعظمهم من المسيحيين فانشغال بالهم ناجم عن ترقّب لعواقب مواقف باسيل ولعقاب “حزب الله” له ولحزبه، كما عن خوف من عدم إقدام هذا الحزب على معاقبة حليفه رغم تكرّر أخطائه وتزايد جسامتها الأمر الذي يُبقيه خطراً عليه وعلى توجهاته السياسية المعارضة أو بالأحرى المعادية لـ”الحزب”.

إلى متى سيدوم إنشغال البال المُزدوج المشار إليه أعلاه؟ يبدو أنه سيستمر لكن أحداً لا يعرف الى متى. إذ يتوقّف ذلك عملياً على باسيل وعلى مواقفه غير المدروسة أو المدقّقة وغير المارّة بعقله قبل نطقها بلسانه من “حزب الله” أميناً عاماً وقيادةً وقاعدة، إذ “مش كل مرّة بتسلم الجرّة” يقول المثل اللبناني. فـ”الحزب” معروف بالقدرة والشدة في مواجهة الأعداء وبالحلم في مواجهة الأشقاء والحلفاء، وخصوصاً إذا كانت حاجته إليهم مستمرة. لكن هذه الثنائية لا تدوم الى الأبد إذ لا بد أن يأتي وقت الحساب في حال استمرت المعارضة الباسيلية لمواقف “الحزب” رغم آثارها السلبية عليه كما على اللبنانيين كلهم ولا سيما في مرحلة صعبة جداً من تاريخ لبنان. في هذا المجال تفيد المعلومات المتوافرة أن الأمين العام السيد حسن نصرالله ترأّس اجتماعاً لعدد قليل من قياديي حزبه جرت فيه مناقشة بل تقويم لمواقف باسيل الأخيرة ولأبعادها وأهدافها وآثارها، وفي الوقت نفسه تشاورٌ إذا كان الرد عليه صار واجباً واتخاذ موقف حاسم ونهائي منه، وإذا كانت الظروف الراهنة في لبنان والمنطقة تسمح بذلك أم لا.

طبعاً لم يتسرّب إلا القليل عن الاجتماع المذكور وللإعلام وفقط للإعلام المؤيّد لـ”الحزب”، وأهم ما فيه أن قراره هو المحافظة على “تفاهم مار مخايل” وعدم قطع العلاقة مع النائب باسيل ومحاولة إعادة ترتيب العلاقة بين الحليفين، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن “الجنرال” ميشال عون الحليف الموثوق و”الصادق” لـ”الحزب” لم يعد رئيساً للجمهورية. ومعنى هذا الإستدراك لا يغيب عن اللبنانيين أو يجب ألّا يغيب عنهم. فهل ينتبه له باسيل أم يستمر لسانه في الإفلات من رقابة عقله؟

هل من معلومات أخرى أو معطيات وتحليلات عن هذا الموضوع الشاغل “حزب الله” وحلفائه وأعدائه في الداخل كما في الخارج؟ تفيد المعلومات القليلة لمتابعة حركة “حزب الله” من قرب أن المواقف “المسيئة” لباسيل لا تقلقه، إذ تعاطى معها بعقل بارد وسيستمر في التعاطي معها بالعقل نفسه لأن خيارات الرد عليها إذا قرّره، وهو لم يفعل حتى الآن، كثيرة ومؤذية سياسياً، علماً أن الأذى قد يتسبّب به الوضع داخل “التيار الوطني الحر” ولا سيما داخل كتلته النيابية حيث يتزايد التباين في المواقف وتنمو الخلافات والتكتلات داخلها. طبعاً لن يتطوّر هذا الوضع المرتبك بحيث يصبح خلافاً كبيراً ينتج عنه نوع من التقسيم الواقعي أو الرسمي داخل “التيار”. والأسباب كثيرة أهمها عودة الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون الى رئاسة “التيار” وإن “فخرياً” وعملياً في آن، واحترام فريقه وأخصامهما داخله إياه الى أقصى الدرجات. إلا إذا انحاز عون الى باسيل، وهو أساساً منحاز له من زمان. من شأن ذلك وصول “التكتل النيابي” المذكور الى الإنقسام أو الى حافته، والى مراقبة “حزب الله” له ودرسه طريقة الإفادة منه لمواكبة إعادة ترتيب أوضاعه بعد إزالة مكامن الخلل فيه والضرر على نفسه وعلى الآخرين.

لعل أكثر ما قد يدفع شخصيات عدة في التكتل المذكور الى الإنقسام هو أن خلافاتها مع رئيس “الحزب” باسيل ليست جديدة، إذ بدأت قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة بمدة وتفاقمت في أثناء حصولها من جرّاء إقتناع أخصام باسيل من مرشّحي “التيار” الذي يترأس بأنه بذل كل ما يستطيع من جهد لعدم فوزهم في الإنتخابات. واستمرت الخلافات في أثناء إنتخابات هيئة المكتب في مجلس النواب بعد الإنتخابات النيابية. وتجلّى ذلك في تصويت عدد من نواب “التيار” لصالح تجديد ولاية رئيس المجلس نبيه بري مرة جديدة ولنائبه الجديد الياس بو صعب ولعضو الهيئة النائب آلان عون.

اترك ردإلغاء الرد