الذكرى الثالثة لثورة ١٧تشرين

في مثل هذا اليوم لم ندفع ٦دولار

/نوال حبشي نجا _مسؤولة الرأي الحر في الرائد نيوز /

قبل ثلاثة أعوام من تاريخ اليوم قررت وزارة الاتصالات بوزيرها “محمد شقير” زيادة تعرفت الاتصالات عبر الهواتف المحمولة لتطبيق واتس آب ٦دولار بالشهر الواحد. وكأنّها كانت شرارة لاندلاع الثورة حينها، هبّ الشعب اللبناني بكلّ فئاته إلى الشوارع والمساحات العامة اعتراضًا على القرار المأسوف عن تنفيذه اليوم.

بدايةً توّهمت الشعوب على كافة الأراضي اللبنانيّة بمصداقية وحقيقة الثورة في السابع عشر من تشرين الأول، ١٧ت١ ٢٠١٩. وسرعان ما تبينت خلفية الأمور وأبعادها السياسية، الاقتصادية والاجتماعيّة بعد أخذٍ ورد.

أسباب الثورة:
_ أولًا: كانت ال٦ دولار رفع تعرفة الواتس اب شهريًا، حصان طروادة الذي أُدخل من البوابات العريضة و شُرعت لاستقباله في كبرى الساحات العامة.

_ ثانيًا: رغبة المواطنين اللبنانين بالتخلّص من الطبقة الحاكمة برمتها.

_ ثالثًا: الأوضاع المعيشية والاجتماعيّة الحاليّة، باتت تفرض تغييرًا وتعديلًا للأوضاع السياسية القديمة المفروضة علينا أبًا عن جد بشكل متوارث للحكم عبر الأحزاب والتيارات السياسية.

ولأنّ هذا الشعب اللبناني الطامح بمستقبل أفضل له ولأولاده، الحالم بغدِ واضح المعالم، مستبشر بالخير، تفاعل مع الثورة بحماس وحيوية وصدق. هذا الشعب الذي لطالما كان مراده التغيير وقلب الطاولة على رؤوس الحكام، لكشف المستور بتقاسم الحصص من تحت الطاولات. هذا اللبناني الذي اندفع نزولًا للشوارع رغبةً بالتغيير وأملًا بخلاص البلاد من سياسّيها.

نتائج الثورة في سنة ٢٠١٩.
_ أولًا: التفاف كلّ الدول الأوروبية والعربية، حول الطبقة الحاكمة اللبنانيّة ودعمها خوفًا عليها من الانهيار والزوال أمام غضب الشعب.

_ ثانيًا: كشفت وسائل الإعلام وجع الشعب اللبناني، من خلال مواكبتها لأحداث الثورة على امتداد لبنان، ومعانتهم من مرارة العيش في ظل هذه الطبقة الفاسدة الحاكمة المتحكمة، والرغبة بخلاص لبنان من حكامه وأملهم جميعاً بغد أفضل.

ماذا تبيّن بعد إخماد الثورة؟
توضح للعلن وليعلم القاصي والداني أن لبنان بلد لا وطن، وأنّه بلد ريعي لا اقتصاد له، لا قرار لحكامه، لا سلطة لنوابه، لا حكم لقضاته، لا مرسوم لوزاراته ولا حرية لشعبه، لبنان بلد إقليمي فيه تجمع الأقاليم، وكل إقليم محكوم من دولة خارجيّة مجموعين في لبنان باسم اللامركزية واللافدرالية!

بعد ثلاث سنوات من ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩.

مطالب الشعب كلها مرفوضة، وأصواتهم مقموعة، وتطلعاتهم معميّة، طموحهم بعودة الماضي لا قدوم المستقبل الواعد، عقولهم تسترجع الماضي وألسنتهم تردد: “ألا ليتنا دفعنا ال٦دولار ويا دار ما دخلك شر”.

حيث بات جلّ مطلبهم توفر الدواء في الصيدليات، الحصول على ربطة خبز من الفرن بعد الوقوف في الطابور لساعات، ملئ خزان السيارة بالوقود بعد الإذلال أمام محطات البنزين، قبض الراتب المعيشي بعد الانتظار طويلًا لإيجاد فتات المال في الحساب المنتظر كل آخر شهر.

إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بدّ ل الليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر.

شعبنا أراد الحياة ولكنهم يريدونهم شعب ميت فكرياً بلا وعي، جثث متحركة، دواجن تأكل وتشرب وتتمم أمورها الروتينية دون أي فعل أو حتى ردة فعل!

للأمانة نقول وللشعوب الأخرى نقول ولأولادنا نقول: “لقد ثرنا، ولكنهم اخمدونا عنوةً، وهناك شباب وشابات اعتقلت، وأفواه أُخرست، وأقلام كُسرت وبالقوة كي لا يكون هناك أي مطلب للتغيير”. ولم يكتفوا بل أرغمونا على السكوت بالترهيب وباندلاع المشاكل في الساحات التي تشهد ثورات الشعب، تزامن ذلك مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية شيئاً فشيئًا إلى أن فقدت العملة الوطنية قيمتها الشرائية، حُرمنا الأمان والاستقرار، بات حلمنا التعليم في المدارس والثانويات والجامعات الرسمية الوطنية اللبنانية، أصبحت عيوننا متنقلة تراقب فرق أسعار المواد الغذائية من سوبر ماركت إلى آخر، باتت الكهرباء حلم المواطن اللبناني وإن حصل وأكرمتنا الدولة بساعة تغذية كل شهر مرة يُخيل للبناني أنّه في كابوس مزعج!

صار أعظم أحلامنا الحصول على جواز سفر نجتاز به المطار والحدود ونهاجر بلا عودة خارج لبنان، بعيدًا عن ظلم حكامه، وظلام أيامه ولياليه للشعوب التي يأست حتى من حيازة باسبور فرمت بنفسها في البحر أملًا بالوصول لبر الأمان لتنقذ ما تبقى لها من حياة كريمة في عالم الإنسانية، فكان مصيرها أن تطفو جثثًا مقهورة من ظلم البرّ والبحر لها…

لنستنتج بعد ثلاث سنوات أنّهم أرادوها ثورة سلمية بدأت بالشعوب في الساحات العامة، بخلفيات سياسية لم نكن ندركها ومكائد تُحاك للشعوب، ليكون انهيار العملة، ليكون التهجير ومن ثم الترسيم وصولًا لإلغاء اتفاق الطائف!
وكأنّهم اغتالوا “رفيق الحريري” ليغتالوا لبنان تدريجيًا من بعده…

اترك ردإلغاء الرد