أم راحمون …بائعة السحلب
/خالد المنجد /
والدتي … أم راحمون
التقية الصالحة رفيقة القرآن .. الملازمة لذكر ربها وطاعته …
بائعة السحلب … التي كافحت رفقة والدي متنقلين في المناطق الشعبية … حيث كانت تساعده في عمله وتنزل الى الدكان بذاتها وجهدها حتى توفر على والدي أجرة عامل بسبب ضيق الحال الذي كان يمر بنا…
كانت تحضر السحلب وتبيعه … في الدكان الذي كان يشغله والدي وتارة ببيع المنقوش حيث كانت تباشر مد العجين وتجهزيه بنفسها وكنت اشاهدها عندما كان يزدحم الدكان بالزبائن تنفض الطحين من يدها لتذهب الى البسطة وتبيع الزبائن بكامل حشمتها وهيبتها التي شهدها اهل الحارة التي كانوا يعتبرونها أمهم …
وانتقلت مع والدي الى بيع الحمص والفول ثم لما ضاق الوضع ساهمت مع والدي بتأسيس بسطة متواضعة للسكاكر للأطفال .. ولله الحمد ..
كان من عادتها التي شهدناها منذ الصغر… ان تستيقظ قبل الفجر بساعة او ساعتين لتدخل ميدان حضرة العز والجود ساجدة لربها تالية لذكره حتى يطلع الفجر .. ثم يستيقظ والدي على صوت النار التي كانت تطبخ السحلب او الفول او تحضر العجين .. ثم توقظنا لصلاة الفجر وتحضرنا للمدرسة … وترافقنا الى مفرق المدرسة ثم تعود ادراجها الى دكان والدي لتقضي نهارها تعاونه…
كانت تكافح في السعي هي ووالدي في سبيل اللقمة الحلال .. وتقدم في سبيل ذلك راحتها وعافيتها … ربتنا على اللقمة الحلال الممزوجة بالعزة والرجولة … كانت توصينا بصفاء القلب تجاه جميع الناس والمسامحة… وكانت تردد كثيرا.. عبارة : اتركوا الأمور لله…
كانت توصينا بمد يد العون ومساندة الناس ومساعدتهم المحتاج وغيره ..
ولما سمعت هي ووالدي عن بناء مسجد في الحارة.. سارعت في ارسالي اليه وقالت اجلس فيه ساعدهم وابق هناك وكن بخدمتهم ولا ترجع حتى يغلقوا الورشة وكان عمري ٧ سنوات ..
وبقيت على هذه الهمة حتى خارت قواها تماما وكأن جسدها صرخ بها متوقفا عن الحركة كأنه يقول ..كفى..لم أعد أطيق مجاراة هذه الهمة لم اعتد استطيع متابعة الجري..
فجلست في فراشها وقد تعطلت قواها تماما ..الى ان لاقت ربها في مثل هذه الليلة من نفس اليوم والتاريخ…
أطلق عليها احبابها الذي تربوا على يدها في الحارة لقب أم راحمون تكريما لها..عند وفاتها..
ولكنهم ذهلوا عندما اخبرتهم بأن والدتي رحمه الله هي التي كانت سببا برفقة والدي .. بولادة راحمون .. وكانت السبب المباشر لجمعي بسيد هذا الطريق وبركته ومموله رجل الظل في راحمون اخي وقدوتي وتاج رأسي (أبا حسين) جزاه الله خيرا
يا أم الوليد … يا ريحانة القلب.. ليملأ ربي الجليل قبرك بالأنوار والسرور..
لك منا اطيب السلام في ذكراك ..
لك منا السلام يا بائعة السحلب..
لك منا ومن كل الصالحين واحبابك في لبنان.. اطيب سلام يا أمنا يا أم راحمون..
