مظفر النواب.. التجربة الشعرية

كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني، يصوغ في شعره أن عاهرة في حانة هي أفضل ممن يبيع قضيته ووطنه وشعبه من رؤساء وحكام وملوك وسياسيين ورجال دين.

قال:

(مهلك سيدتي

لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني

فالبعض يبيع اليابس والأخضر

ويدافع عن كل قضايا الكون

ويهرب من وجه قضيته!)

مظفر النواب شاعر ذو عينين لا أعور، ليس كمثل من ينظرون بعين مصلحتهم وهواهم، عندما يتمنى البعض أموالاً وثروة ومنصباً، كان مظفر النواب يتمنى أن يسقط القمع والظلم، وأن يعود المنفيون بسبب مزاجيات الحاكمين وفسادهم لأوطانهم.

قال:

(أي إلهي

إن لي أمنية

أن يسقط القمع بداء القلب

والمنفى يعودون إلى أوطانهم ثم رجوعي)

مظفر النواب شاعر أحب العراق وأحبه، وشاعر ملأ قلبه حباً للعراق ودافع عن حريته شاباً صغيراً وشيخاً كبيراً، هو الحالم ببلد يُقدس الإنسان كما تُقدس الأديان فالإنسان والأديان قدسية واحدة، ولأن الإنسان أصل التشريع وأساسه ولأجله جاءت الأديان كتطبيق وتنظيم عملي لسعادته ونجاته، ولا إنسان بلا وطن، كيف يعيش بلا وطن؟ّ لئلا يكون الوطن جحيماً لا يطاق بسبب حاكميه وسياسييه يسومونه سوء العذاب.

قال:

(يا وطني المعروض كنجمة صبحٍ في السوق

في العلب الليلية يبكون عليك

ويستكمل بعض الثوار رجولتهم

ويهزون على الطبلة والبوق

أولئك أعداؤك يا وطني)

فلسطين عند مظفر

فلسطين عنده جرح عميق يذر أعداؤه الملح عليه ليزيد الوجع، خيانات وخذلان، ولكن رغم ذلك تبقى فلسطين في القلب والروح والفكر.

قال:

(من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني،

من باع فلسطين وأثرى بالله

سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام ومائدة الدول الكبرى

فإذا أذن الليل تطق الأكواب بأن القدس عروس عروبتنا

أهلاً

أهلاً

القدس عروس عروبتكم

فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها

وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً

وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض

فما أشرفكم

أولاد الـ…!

هل تسكت مغتصبة؟)

يبرر مظفر النواب “الجرأة” بالألفاظ في جملة قالها في إحدى المناسبات،

قال:

(هذه القصائد لم تكتب لمناسبة

كُتِبَت لدهرٍ من الحزن والتحدي

لا خوف أن يطول ما دمنا ننبض

والأفضلون يحملون السلاح

بعضكم سيقول بذيئةً

لا بأس

أروني موقفاً أكثر بذاءةً مما نحن فيه!).

أعداء الوطن سياسيون (فاسدون) ورجال دين (فاسدون) وأحزاب (فاسدة) وجماهير جاهلة مغفلة (فاسدة) ليصنعوا بمجموعهم نظام حكم (فاسداً).

يعرف مظفر النواب أساس المشاكل ولبها، ويصرح بها علانية ولا يخاف وذلك لسبب وحيد وكبير وهو أنه شجاع وواعٍ، شاعر كان سلماً لمن سالم العراق، وحرباً لمن حاربه.

قال:

(كل شيءٍ طعمه طعم الفراق

حين لم يبقَ وجه الحزب وجه الناس قد تم الطلاق

حينما ترتفع القامات لحناً أممياً ثم لا يأتي العراق

كان قلبي يضطرب

كنت أبكي

كنت أستفهم عن لون عريف الحفل

عمن وجه الدعوة

عمن وضع اللحن

ومن قاد

ومن أنشد

أستفهم حتى عن مذاق الحاضرين

يا إلهي

يا إلهي

يا إلهي

إن لي أمنية ثالثة

أن يرجع اللحن عراقياً وإن كان حزيناً

ولقد شط المذاق

لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحدٌ

في الحفل غير الاحتراق

كان حفلاً أممياً

إنما قد دُعي النص ولم يُدعَ العراق).

مظفر النواب الشاعر الذي تنبأ بضرورة المطالبة بالحقوق من غاصبيها لكيلا يصبح حالنا فقراء منسيين بين حكومات الكَسَبَة،

قال:

(أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة

لن يبقى عربيٌ واحدُ إن بقيت حالتنا هذي الحالة

بين حكومات الكَسَبَة).

مظفر النواب الشاعر الحالم بالعدالة والكرامة، وأن يكون الحاكم قدوة للرعية لا لعنة تتعوذ منه الناس آناء الليل وأطراف النهار.

ترى الثورة الشعرية بأوج عظمتها، وبأحر لهيب نارها، تحرق هياكل من عروش بنيت على جرفٍ هارٍ من هياكل وجماجم الأبرياء والأحرار المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة.

يرى مظفر النواب جماجم المظلومين المغيبين جذوراً تحفر الأرض لتثبت الأصل ليشهق الجذع وتنمو ثماره شجرة الحرية التي سقت جذورها دماء الشهداء لتخضر الحرية حية.

الشاعر الثائر في بلدان عشش فيها الظلم، فأتخمت البطون الحاكمة والمتسلطة وجاعت بقدر شبعها شعوب خلق الله الذين لم يكن لهم ذنب إلا أن أنهم وُلِودوا ليحكمهم جاهل وظالم وجائر، لتدرك الناس، حتى لو في وقتٍ لاحق أن الحق يؤخذ أخذاً، لا يسمى حقاً من يشحذه بالذل شحذاً.

قال:

(لماذا أدخل القمع إلى القلب

وتستولي الرقابة على صمتي

وأوراقي

وخطواتي

ومتاهاتي

ألّا أملك أن أسكت

أن أنطق

أن أمشي بغير الشارع الرسمي

أن أبكي

ألّا أملك حقاً من حقوق النشر والتوزيع للنيران مجاناً

لماذا يضع السيد هذا وطني في جيبه الخلفي؟

من إرثه النفط وتسويقي

ومن ذا راودته نفسه أن يشتريني).

يصرخ بوجههم أنه ليس خائفاً من ظلمهم ومن تهديدهم ووعيدهم وسجونهم.

قال:

(أيها الناس

هذي سفينة حزني

وقد غرق النصف منها قتالاً بما غرقت عائمة

وشراعي البهي شموخي

تطرفت وعياً

وأدرج في كل يوم كأني في قتلهم قائمة

لا أخاف

وكيف يخاف الجهور بطلقته طلقة كاتمة).

/عربي بوست/

اترك ردإلغاء الرد