أسعد عبدالله حمصي

/عقل العويط – النهار/

لم يكن أسعد (عبدالله حمصي) أبله، وإنْ كان يتباله. لم يكن أحمق، وإنْ كان يتحامق. لم يكن ساذجًا، وإنْ كان يتساذج. لم يكن يفرح، وإنْ كان يتفارح. لم يكن ينسى، وإنْ كان يتناسى.
لم يكن أسعد (عبدالله حمصي) يتصنّع. لم يكن يفتعل. لم يكن يزعم. لم يكن يجهد. لم يكن يدّعي. لم يكن أيًّا من هذه أعلاه، وغيرها كثير. بل كان ظاهرُهُ مرآة باطنه وداخله، وكان داخله “ينضح” في قوامه، في جسمه، في عينيه، في صوته، في قسمات وجهه، في يديه، في حركاته، وإيقاعاته، وحضوره ككلّ.

وكم كان أسعد (عبدالله حمصي)، حين ينضح، بسيطًا وطيّبًا وحنونًا ولذيذًا وأنيسًا ومؤنسًا وكريمًا ورقيقًا وصادقًا وحقيقيًّا وغنيًّا كفقيرٍ يمتلك الدنيا ولا يملك شيئًا منها.
وكان أصيلًا ابن أصل، كعطر البرتقال في مدينته طرابلس.
موهبته كاملة. كينبوع. كضربة نرد. كطلوع الشمس. وكالبحر.
كان أسعد (عبدالله حمصي) يشعّ، يتنفّس، لا “يمثّل”. وحين كان يفعل ذلك، لم يكن يزهّق. ولا يبتذل. ولا يثرثر. ولا يتسافل. ولا يتسلّق لأنّه فوق. على الخشبة. على الشاشة. حيث المكان له، كوميديًّا من طراز رفيع.

ويا له تراجيكوميديًّا متمكّنًا، ضاحكًا خفيفًا كالريشة، متثاقلًا كأنّه يحمل جبال الهموم على ظهره وكتفيه.

وكان يجعلني أبتسم، وأفتح القهقهة على مصاريعها، أنا الذي أحيانًا لا أضحك لـ”الرغيف السخن”، ولا أحيانًا وأيضًا لشارلي شابلن.

وكانت تستهويني “بلاهته” الخارقة التي تخترق السطح، وهو ليس بأبله البتّة، وأنا أحبّه لأنّه كان يسلّي عن الوجع الوجوديّ، وهو في اللبّ من هذا الوجع. ولأنّه كان يشدّ الرائي إليه، وسرعان ما كان يدخل إلى القلب، ويفعل فعله في النفس وفي الوجدان، ويفعل ما لا تستطيعه الجائزة، جائزة اليانصيب للفقير المتعب المهموم، ومعها جوائز الفنّ والأدب، وغيرها، ولا سيّما في الأيّام الكالحة.

وكان قرويًّا في المدينة. وهو دويك. مثل الصبيّ مع خالته. يرتبك بدون أنْ يوحي لك أنّه يرتبك قصدًا أو قسرًا. وكان يضيع ويتيه ويشرد، وهو أمامكَ بدون أنْ يكون ضائعًا. وكان يجيء كأنّه يذهب. ويذهب كأنّه يجيء. ويقول كأنّه لا يقول. ويستيقظّ كأنّه يستيقظ. وينام كأنّه ينام. ويشنخر كأنّه يشخر. وهذا كلّه يتحقّق عفو الخاطر، وبالبداهة، والعفويّة، منكّهًا بالخفّة والطراوة.

وإلّا عمره لا يكون تمثيلٌ وممثّل.

مع الأخوين رحباني من زمان، وعلى شاشة تلفزيون لبنان من زمان، وفي “فرقة أبو سليم الطبل” من زمان. ويا لها فرقة، شماليّة الهوى واللهجة والكاريزما.

ولم يكن ينقصه والفرقة، ومعه حبيبي فهمان أبو الفهم، وحبيبي شكري، وأمين، والآخرون، وفي مقدّمهم أبو سليم، إلّا اهتمام الجهات الرسميّة أو الخاصّة التي تتبنّى الفنّ الأصيل، وترعاه، وتحتضنه، وتصونه، وتأخذ بيده، وتنمّيه.
لكن هيهات. من المستحيلات.

لأنّ الجهات الرسميّة كانت منشغلة بالنهب والأمّيّة والانحطاط، ولا تزال. ولأنّ القادرين و”المسؤولين” من أهل مدينته وعاصمتنا الثانية كانوا هم خصوصًا خارج الفنّ والثقافة وخارج… التاريخ.

أسعد (عبدالله حمصي)، سلامي اليك.

اترك ردإلغاء الرد