مأساة اليونان.. آمال إيجاد ناجين تتلاشى

/ترجمة إشراق الأبرش- الرائد نيوز/
ضمن واحدة من أسوأ كوارث غرق القوارب في البحر المتوسط الذي تحوّل إلى مدافن للمهاجرين، بدأ رجال الإنقاذ اليوم الثالث والأخير من بحثهم عن ناجين. بينما احتجزت السلطات تسعة أشخاص يشتبه في كونهم “مهرّبو بشر” وتصاعدت الانتقادات الشعبية والدولية لاستجابة اليونان الأولية وسط مؤشرات حول إمكانيتها منع حدوث المأساة.
وقال خفر السواحل اليوناني اليوم الجمعة إن طائرة هليكوبتر وبارجة عسكرية مع ثلاث سفن أصغر تبحث في المياه على بعد 80 كيلومترًا من بلدة بيلوس الجنوبية حيث غرق قارب الصيد، وحسب التقارير فالقارب كان يحمل ما بين 400 الى 750 شخصًا يوم الأربعاء.
آخر الاحصائيات
حسب تأكيدات السلطات اليونانية فإن عدد الضحايا إلى الآن بلغ 78 شخصًا وقالت إن 104 أشخاص نجو، معظمهم من سوريا ومصر وباكستان، حيث نُقِلوا إلى الشاطئ، لكن السلطات تعتقد أن ما يصل إلى 500 شخص هم في عداد المفقودين “خُمسهم أطفال”.
وتمّ نقل معظم الناجين إلى ملاجئ قرب أثينا من مستودع في ميناء كالاماتا الجنوبي. فيما لم يتم العثور على مزيد من المفقودين منذ الأربعاء. وقال مسؤولون إن البحث سيتوقف في وقت لاحق الجمعة.
قالت ستيلا نانو من وكالة الأمم المتحدة “إن الآمال في العثور على ناجين تتلاشى وتخبو كل دقيقة بعد هذا الغرق المفجِع، ولكن يجب أن يستمر البحث، إن الصور التي بُثّت وروايات الناجين تشير إلى أن المئات كانوا على متن القارب”.
من جهته وصف المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، يوم الجمعة الكارثة بأنها “مأساة مروّعة”، مضيفًا أن الخسائر في الأرواح تؤكِّد الحاجة الملحة إلى تقديم مهرّبي البشر إلى العدالة، داعيًا الدول إلى فتح قنوات هجرة أكثر انتظامًا.
الرأس المدبّر
من جهة أخرى، تحتجز السلطات تسعة من الناجين، جميعهم من أصل مصري، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و40 عامًا، بناء على مزاعم ارتباطهم بتهريب البشر والمشاركة في مشروع إجرامي. ويشتبه في أنهم العقل المدبر للرحلة غير القانونية إلى إيطاليا من طبرق في ليبيا، بعد أن انطلقوا أولاًّ من مصر مع سفينة الصيد.
وفي تصريحات لصحيفة الغارديان قال نيكوس أليكسيو، المتحدث باسم خفر السواحل اليوناني “إنّ المشتبه بهم محتجَزون وسيمثُلون أمام قاضٍ محلّي”.
ومن المرجّح أن يوجّه المدعي العام عدة تهم ضد هؤلاء بما في ذلك القتل الجماعي. أما بالنسبة لقبطان السفينة كانت هناك تقارير متضاربة حول ما إذا كان من بين المعتقلين، فيما قالت بعض وسائل الإعلام المحلية إنه توفي عندما غرقت السفينة.
هل كان بإمكان اليونان منع الكارثة؟
تعرّضت السلطات اليونانية لانتقادات واسعة لعدم تحرّكها في وقت سابق أو مبكّر، مع العلم أن سفينة خفر السواحل رافقت القارب لساعات.
وقال مسؤولون إن الأشخاص الذين كانوا على متن القارب رفضوا المساعدة مرارًا وأصرّوا على مواصلة رحلتهم إلى إيطاليا، بينما قال خبراء قانونيون “إن ذلك ليس عذرًا”.
بدوره قال خفر السواحل اليوناني إنه قد تمّ إخطاره بوجود القارب في وقت متأخر من صباح الثلاثاء ولوحِظ القارب بطائرة هليكوبتر “يبحر في مسار ثابت” في الساعة 6 مساء.
بعد ذلك بقليل، استطاعوا الوصول إلى شخص ما على متن القارب عن طريق هاتف يعمل بالأقمار الصناعية.
قال الشخص إنّ الركاب بحاجة إلى الطعام والماء ، لكنهم أرادوا مواصلة الإبحار الى إيطاليا.
حسب شهادة أليكسيو لتلفزيون Skai “كان قارب الصيد مكتظًّا بالناس الذين رفضوا مساعدتنا لأنهم أرادوا الذهاب إلى إيطاليا” .
وأضاف “بقينا بجانب القارب في حال احتاجوا إلى مساعدتنا، والتي قد رفضوها سابقا”.
سلّمت السفن التجارية الإمدادات وراقبت السفينة حتى وقت مبكر من صباح الأربعاء، عندما أبلغ مستخدم الهاتف الذي يعمل بالأقمار الصناعية عن مشكلة في المحرّك.
بعد حوالي 40 دقيقة، وفقًا لبيان خفر السواحل، بدأ القارب يهتز بعنف وغرق.
ويعتقد خبراء خفر السواحل أنه ربما نفد الوقود أو واجه مشكلة في المحرك وأن الركاب الذين تحركوا في الداخل تسببوا في انحرافه وانقلابه.
وقال وزير الحماية المدنية اليوناني إيفانغيلوس تورناس إن خفر السواحل لا يمكنه التدخّل في المياه الدولية مع رفض السفينة المساعدة. وقال: “كان من الممكن أن يؤدي تدخّل خفر السواحل إلى تعريض سفينة محمَّلة فوق طاقتها للخطر ، مما قد ينقلب نتيجة لذلك”.
ومع ذلك، قال البروفيسور إريك روسيج من معهد القانون الخاص بجامعة أوسلو “إن القانون البحري كان سيتطلّب من السلطات اليونانية محاولة الإنقاذ إذا كان القارب غير آمن، بغض النظر عما إذا كان الأشخاص على متنه يطلبون ذلك أو لا”.
وقال روسيج لوكالة أسوشيتد برس إن السلطات اليونانية “عليها واجب بدء إجراءات الإنقاذ” بالنظر إلى حالة سفينة الصيد ، مضيفًا أن رفض القبطان للمساعدة يمكن نقضه إذا اعتُبِر غير معقول – وهو ما قال إنه يبدو كذلك.
والجدير بالذكر أن القارب كان على تواصل مباشر وعلى مدار الساعة في اليوم الأول من رحلته وهذا ما أكدته الناشطة المستقلة في مجال اللاجئين، نوال صوفي، في منشور على فيسبوك حيث قالت إنها كانت على اتصال بالقارب طوال يوم الثلاثاء، وفي المكالمة الأخيرة، “قال لي الرجل الذي كنت أتحدث إليه صراحة: أشعر أن هذه ستكون ليلتنا الأخيرة على قيد الحياة”.
وأظهرت صور جوية نشرتها السلطات اليونانية للقارب قبل ساعات من غرقه عشرات الأشخاص على الطابقين العلوي والسفلي للقارب ينظرون إلى الأعلى وبعضهم بأذرع ممدودة.
وفي ظلّ حكومتها المحافِظة الأخيرة، والوضع الحساس الذي تعيشه البلاد اتخذت اليونان موقفًا أكثر تشددًا بشأن الهجرة، من خلال بناء مخيمات محاطَة بأسوار، وتعزيز الرقابة على الحدود. اذ تحكم البلاد حاليًا إدارة انتقالية ريثما تجرى انتخابات في 25 حزيران.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن حملة الاتحاد الأوروبي على التهريب أجبرت الناس على سلوك طرق أطول وأكثر خطورة.
وقالت إفتيشيا جورجيدي من لجنة الإنقاذ الدولية الخيرية إن التكتّل فشل في توفير مسارات أكثر أمانا للهجرة.
وقال جورجيدي إن ذلك “يغلق الباب فعليًّا أمام الأشخاص الذين يلتمسون الحماية”. وأضافت: “لا أحد يشرع في هذه الرحلات الغادرة إلا إذا شعر أنه ليس لديه خيار آخر”.
بمعنى آخر إن هؤلاء الأشخاص لم يعد لديهم ما يخسروه.
ردود الأفعال الشعبية
احتشد آلاف المحتجّين مساء الخميس، في أثينا ومدينة سالونيك الشمالية، مطالبين بتخفيف سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي لمنع وقوع مأساة أخرى. وألقت مجموعة من المحتجين في العاصمة قنابل حارقة على الشرطة.
وقال أليكسيس تسيبراس، الذي كان رئيسًا للوزراء في الفترة من 2015 إلى 2019 في ذروة أزمة الهجرة في أوروبا، يوم الخميس: “سياسة الهجرة التي تتبعها أوروبا منذ سنوات(… ) تحوّل البحر الأبيض المتوسط وبحارنا إلى قبور مائية”.
وقال تسيبراس الذي أصبح الآن زعيمًا للمعارضة “أي نوع من البروتوكول لا يدعو إلى إنقاذ قارب مثقَل على وشك الغرق؟”
Associated Press and Agence France-Presse contributed to this report.
/The Guardian/