الهوس الجماعي الذي عاشه الشباب الطرابلسي خلال المونديال “حاله مرضيّة”

/أحمد علمي- الرائد نيوز/

ما شاهدناه في الأسابيع الفائتة بالتزامن مع مباريات كأس العالم، في كرة القدم يستدعي الوقوف مطولاً عنده كظاهرة ملفتة حقًا للعجب والدهشة. كما يستلزم دراسة معمقة وخاصة حين نرى ما أصاب شبابنا اللبناني عامةً والطرابلسي على وجه الخصوص، من حالات هستيريه أصابت الصغار وطالت قسمًا كبيرًا من الكبار.

ولأن لكل ظاهرة غربية تفسيراتها النفسية فقد ارتأت جريدة “البيان” اللجوء إلى أهل الاختصاص فطرقت باب الدكتور أحمد علمي (أستاذ محاضر في كلية الآداب قسم علم النفس)، وتناولت معه الأسباب التي دفعت بالشباب إلى هذه الحاله من الهيجان التي لامست حد الهوس الجماعي.

بدايه يقول الدكتور أحمد علمي: “في الخارج يهتم المواطنون الأجانب بمنتخبهم الوطني المشارك في مباريات كاس العالم فيأتي تشجيعهم هادئًا ونابعًا من حس الانتماء الوطني لديهم، لكن في لبنان هناك حالة تحدٍّ نشأت بين المواطنين يمارسها الجار على جاره خاصة إن كان هذا الجار من غير طائفة، أو مذهب، أو حزب، أو تيار سياسي، أو كان ذا رأيٍ معاكس. فنكايةً بجاره الذي يشجع ألمانيا مثلاً يصبح هو من مشجعي المنتخب البرازيلي حتى الموت.

يتابع: هناك حالة هوس جماعية أصيب بها المجتمع الطرابلسي، وهذا ما يعرف بعلم النفس ب”سيكولوجية الحشد”، وسيكولوجيا الحشد تأتي من جراء الضغوطات اليومية التي تتراكم عند الإنسان دون التنفيس والتعبير عنها، فحين تأتي الفرصة المناسبة يستغلها الإنسان المكبوت ويعبر عن مكنوناته فيخرج من داخله هذا الغيظ، وهذا الضغط وهذه العدوانية الكامنة في الأعماق. إن لعبة كرة القدم وجدت عالميًا لتنظيم عدوانية الإنسان ولهذه اللعبه إيجابيات عدة فلقد سمحت بإظهار مواهب كافة شعوب العالم بغض النظر عن العرق، واللون، والانتماء السياسي والديني وقد وضعت البلدان من عالم الجنوب والعالم الفقير بمواجهة مع العالم المتقدم والمتطور، وأسهمت اللعبة في مساعدة تلك البلدان على التقارب ونظمت عملية العدوانية الناشئة بينها.

ويضيف: لهذه المباريات في لبنان نكهة مختلفة، مما جعلها ظاهرة فريدة تستدعي الدراسة كما قلت سابقًا، نظرًا لما شاهدناه من جنون الشباب لتشجيع فريق على فريق والمظاهر التي كانت تلي كل المباريات إلى جانب المفرقعات والزمامير والتجمهرات والاحتفالات التي كانت صاخبة ومزعجة إلى حد كبير، وكل تلك الظواهر هي نتيجة للاحباط الذي يعيشه الشباب اللبناني داخليًا واقليميًا وعدم الوصول إلى قرارات بشأن الصراع العربي- الإسرائيلي والتوتر الأمني الدائم، أضف إلى ذلك رداءة الحالة اللبنانية الداخلية التي أفقدت المواطن الإحساس بالانتماء إلى دولته وعدم الرضا بما يعيشه من أحوال اقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها. من ناحيه أخرى عبّر المواطن عن النزاع المذهبي، والطائفي، والمناطقي أيضًا من خلال تلك الهمروجات التي عشناها طوال شهر كامل.

لكن يبقى السؤال مطروحًا: لماذا تفاقمت حالة الشباب اللبناني وتفجرت للعلن خلال هذا المونديال بالذات؟ يجيب الدكتور أحمد علمي فيقول: “هناك حالة من التراخي في أعصاب المواطنين بعد الصدمات النفسية التي تلقوها على مر السنوات لهذا جاءت ردود فعلها هؤلاء الشباب هذا العام عنيفة وعدوانية ومتشنجة ففي حالات الصدمة النفسية فإن ردود الفعل تأتي بعد فترة من الزمن حين تتراخى الأعصاب فتظهر الأمراض النفسية الناتجة عن تلك الصدمات أو الحوادث”.

يتابع: “أتفهم أن نقوم بتشييع فريق بلدنا أي الفريق الوطني والقومي في حال كان مشاركًا في هذا الحدث الكبير، لكن ما هو حاصل على الساحة اللبنانية الداخلية له علاقه بالانقسامات الحاصلة بين المواطنين ويضعف الانتماء الوطني ويعود إلى افتقارنا لمفهوم المواطنية لهذا يقوم الشباب بالتفتيش عن نجم يتباهى به يعبر من خلاله عن حضوره وعن شخصيته.
ومارافق المباريات من مواكب لسيارات مشجعة وحاملة للأعلام، ومن مفرقعات، كل تلك المظاهر تصب في باب “انظروا إليَّ أنا موجود”. ما حصل في هذا المونديال في كافه المناطق اللبنانيه لم يحصل في أي بقعة من الكرة الأرضية حتى عند مشجعي المنتخبات المشاركة في كأس العالم”.

في هذا السياق، ومن خلال ما أصاب المجتمع الشبابي في لبنان، يقترح الدكتور أحمد علمي عده نقاط يفترض أخذها بعين الاعتبار من قبل الدولة اللبنانية، ومن جانب المسؤولين لمعالجة هذا المرض النفسي الجماعي، فيقول:”في البدء ينبغي أن يكون لدينا مفهوم للدولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، دولة قوية وحاضرة، تبسط سلطتها وتشعر الناس بأنها راعيتهم وحاميتهم ومهتمة بالتخطيط لمستقبل شبابها. فشباب لبنان خاصة الطلاب منهم لديهم شعور ب”الخواء” وهم خائفون من المستقبل هذا إلى جانب طغيان المفهوم المذهبي الضيق على كل المرافق الحيوية من وظائف، وأحزاب وأندية رياضية واجتماعيات وغيرها.

ويختم الدكتور علمي: “يجب أن تضع الدولة برنامج عمل لشبابها الجامعي، وأن يكون هذا البرنامج مرتبطًا بسوق العمل، وتقوم بتوفير وتأمين الوظائف ضمن الاختصاصات وأن يكون هناك وزارة تخطيط تقوم بطرح المشاريع والحلول. هذا بالإضافة إلى ضروره نزول الدولة إلى أرض الواقع ومعالجة وحل كل المشاكل المعقدة التي تشكل حساسية مباشرة أو غير مباشره في بعض المناطق اللبنانية.

اترك رد إلغاء الرد