إغلاق أكثر من “30 معمل مخدرات” في بعلبك

بتول يزبك – المدن

ما يقارب العام مرّ على أولى العمليات التّي نفذتها مخابرات الجيش اللبناني في حيّ الشراونة، في الطرف الشمالي لمدينة بعلبك، للإطباق على أبرز وأخطر تجار المخدرات في لبنان، المدعو “علي منذر زعيتر” المُلقب بـ”أبو سلّة”، والتّي جرّت في أعقابها سلسلة دوريّة ومكثفة من العمليّات الأمنيّة في مختلف أنحاء قرى وبلدات البقاع الأوسط والشمالي، معطوفةً على خطة أمنية يقودها الجيش بمؤازرة سائر الأجهزة، في محاولة مستميتة لإرساء واقعٍ أمنيّ أكثر استتبابًا، وإعادة أكبر محافظات لبنان إلى حضن الدولة، بعد عقودٍ من اغترابها عنه. وإن كان التّحدي الأكبر الذي لا يزال متربصًا بهذه السّلطات العازمة على فرض سلطتها الشرعيّة، وتدارك التأزم الأمنيّ التاريخيّ، الذي أفرز تسيبًا استثنائيًا على كافة الصُعد، بتسيير دوريات شبه يوميّة ومداهمات مستمرة، بغيّة اعتقال وتوقيف المطلوبين والمتورطين، كان ولا يزال في مدى مقدرتها على إحكام سيطرتها بموازاة تغلغل سطوة قوى الأمر الواقع، من ثنائي حزب الله وحركة أمل، واستحكامهما بمفاصل المنطقة، وتغطيتهما العلنية للمتسيبين والخارجين عن القانون.

عمليات أمنيّة
وفي واحدة من العمليات المستمرة منذ نحو العام ونصف العام، دهمت قوّات الجيش منازل لمطلوبين في حيّ الشراونة نهار الثلاثاء الفائت 16 أيّار الجاري، بغيّة اعتقالهم، لتقوم بضبط معمل لتصنيع المخدرات بكميات كبيرة منها. وتؤكد مصادر “المدن” الأمنيّة في مديرية مخابرات الجيش، أن العمليّة التّي نُفذت منذ نحو اليومين ليست الأولى من نوعها، إذ تمكنت وحدات الجيش في الشهرين المنصرمين ومن خلال مداهماتها في كل من حورتعلا وبريتال ودار الواسعة وحيّ الشراونة وغيرها من البلدات في قضاء بعلبك، من إقفال معامل تصنيع المخدرات ومن جملتها حشيشة الكيف و”الكبتاغون” يفوق عددها الثلاثين معملاً موزعًا بين هذه البلدات، إلى جانبها تم ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة والأسلحة والمال.

ويلفت المصدر أن هذه المعامل بغالبيتها تهدف لصناعة كميّات ضخمة من المواد المخدرة، وتحديدًا من حبوب “الكبتاغون”، بغية التصدير نحو سوريا ودول الخليج وتصريف ما تيسر في الداخل اللبناني. مشيرًا لكون الجيش يُكثف عملياته هذه الفترة خصوصاً بعد الفضائح المتداولة مؤخرًا عن الكميات المصدرة للخليج والمضبوطة غالبًا على الحدود اللبنانيّة-السّوريّة. وبُعيد إعلان الجيش عن عملية ربطه لطرق الجرود في السلسلة الشرقية، كجرود بريتال عند أطراف مدينة بعلبك، لتسهيل عمليات الرصد والمراقبة والتحرك، بات فوج الحدود البري أكثر قدرة على ضبط ومصادرة شحنات كبيرة من حبوب الكبتاغون في جرود السلسلة الشرقية (بريتال ونحلة) كانت في طريقها إلى الدول العربية.

وهذه المداهمات الدوريّة غالبًا تُقابل بمقاومة تلك العصابات للعناصر والوحدات المُداهمة، فيما يتمكن المطلوبون والمتورطون في بعض الأحيان من الفرار إلى المناطق المُحاذية، ومن ضمنها الداخل السّوري، تهريبًا. ويقول المصدر -وعلى منوال ما تؤكده قيادة الجيش مرارًا- إن هذه الإجراءات ليست استثنائية وحصريّة، بل تقوم بها مخابرات الجيش على امتداد الأراضي اللبنانية.

وقع العمليات
وإن كان كشف الجيش لهذه السلسلة الكاملة من التصنيع والاتجار والتصدير والتعاطي قد أماط اللثام عن تورّط المزيد من أبناء المنطقة وعدد من اللاجئين السّوريين، في هذه السّلسلة الممتدة من مناطق نفوذ النظام في سوريا رأسًا إلى البقاع الشمالي، والتّي تنقلت تباعًا بين سوريا ولبنان تحت غطاء حزبيّ متمكّن.. فهذا يعكس فعليًا غياب الدولة طيلة السنوات الماضية وتخاذلها عن اجتثاث جذور الجريمة بكافة أنواعها في المنطقة، خصوصاً خلال فترة الحرب السورية. فمع تدخل حزب الله في المقتلة السورية وهيمنته على مقلبيْ الحدود اللبنانية -السّورية واستحكامه بالمعابر الشرعية وغير الشرعية، وفتحه الحدود على مصرعيها للتهريب كمصدر للتمويل، وكنتيجة طبيعية لهيمنته على هذه المنطقة وسطوته عليها، ولكونه المشتبه الأساسي في تأمين الغطاء للزراعة والتهريب والتصنيع، توسّعت هذه الأعمال وازدادت خطورة خصوصاً لما تمثله من ضربة موجعة للبنان بسمعته الفاسدة أساسًا، فضلاً عن وضعه الأمنيّ والاقتصادي والسياسي المتدهور طرديًا.

بين 3 حزيران 2022 و16 أيّار 2023، ومع استمرار الجيش ممثلاً بوحدات وأفواج مختلفة منه، كالمغاوير وفوج التدخل والمجوقل، وبمساعدة فرع المخابرات، العمليات الأمنية اليومية، بغرض إلقاء القبض على مجموعة من المطلوبين والفارين من العدالة ومداهمته لمعاقل تصنيع المواد المخدرة على امتداد البقاع الأوسط والشمالي والإطباق على العشرات من المطلوبين الذين تواروا سنوات عن الأنظار.. يعيش البقاع الشمالي حالاً من الاستقرار الأمنيّ التدريجي المُعزّز بالوجود الأمنيّ. هذا ولا تنفي مصادر “المدن” أن شوطًا كبيرًا يفصل الجيش عن إعادة كاملة لسلطته على البقاع، لكن واقع الحدود المفتوحة لا يزال يشكل بابًا أمام المتورطين والفارين من العدالة للتحرك من وإلى لبنان. فيما يعمد عدد من المطلوبين والعصابات الجنائية إلى الفرار باتجاه الأراضي السّورية، الحدودية منها على وجه التحديد، كبلدة القصير التّي يسكنها لبنانيون، وذلك استباقًا للمداهمات الأمنية المفاجئة التّي يقوم بها الجيش.

اترك رد إلغاء الرد