هل تنجح غونكور الفرنسية في اختراق القراء الأميركيين؟

شاركت فيها أبرز الجامعات وفازت رواية من هايتي بطلتها من عالم الأموات

كاتيا الطويل_ أندبندنت عربية

تعد جائزة غونكور أبرز الجوائز الأدبية الفرنسية وأكثرها شهرة ومجداً وأعلاها تحقيقاً لأرقام المبيعات في المكتبات وفي سوق الكتاب وبين القراء. فبالمقارنة مع جائزة فيمينا أو جائزة رينودو، لا يزال ينظر إلى الغونكور على أنها الأهم والأكثر تأثيراً وسطوة على القراء، على رغم أنها لا تقدم للفائز سوى 10 يورو، رقم رمزي ينفي عن الجائزة صفة المادية. فهذه الجائزة ذات قيمة أدبية وفكرية ومعنوية أكثر من كونها تملك قيمة مادية بحد ذاتها. لكن اللافت أن هذه الـ 10 يورو يتم التعويض عنها مادياً بألوف النسخ التي تباع صباح إعلان النتيجة التي تحقق للكاتب والناشر أرباحاً هائلة يحلم بها أي كاتب أو روائي.

وهذه الجائزة المعنية بالنصوص المكتوبة بالفرنسية التي أسست عام 1903 تمنح سنوياً لعمل واحد عن كل فئة ويعتبر الأفضل في العام. وعلى رغم أن فئة الرواية هي الفئة الأكثر انتشاراً وشهرة بين فئات الجائزة، فهي تضم ر أربع فئات أخرى هي: جائزة للرواية الأولى وجائزة للقصة القصيرة وجائزة للشعر وجائزة لأدب السيرة الذاتية. ثم أضيفت سنة 1987 جائزة لطلبة المدارس الثانوية.

ومنذ تأسيسها حتى يومنا هذا والغونكور تمنح لروائيين وقاصين وشعراء فرنسيين وفرانكوفونيين من الطراز الرفيع كالرائعين مارسيل بروست (سنة 1919) وأندريه مالرو (1933) والمتمردة سيمون دو بوفوار (1954) والمميزة مارغريت دوراس (1984) وغيرهم. ومن اللافت أن غونكور لم تحصر أعمالها وخياراتها في فرنسا بل راحت تنشئ فروعاً لها في دول لديها قراء وكتاب فرانكوفونيون. فتم إنشاء غونكور للمرة الأولى خارج فرنسا في بولونيا سنة 1998 ومنذ ذلك الحين ترسخ تقليد أن يكون هناك “غونكورات” متعددة خاصة بكل دولة. فتعلن كل غونكور عن اسم الفائز الخاص بها ضمن حفلة محلية وبحضور لجنة التحكيم التي تختار الفائز من القائمة الطويلة لجائزة غونكور الفرنسية الأم، أو من القائمة القصيرة، أو حتى أحياناً من قائمة الأربعة أعمال النهائية فقط. ويتم إعلان الفائز خلال الأشهر القليلة التالية لمنح الجائزة في فرنسا. ومن أحدث فروع الغونكور المنشأة خارج فرنسا غونكور الولايات المتحدة الأميركية التي منحت للمرة الأولى العام الماضي.

شروط الخارج

ومن شروط جائزة الغونكور خارج فرنسا أن لا بد للجنة تحكيم الجائزة أن تقرأ الأعمال المرشحة بالفرنسية وأن تناقشها بالفرنسية، وأن يتم التصويت بالفرنسية أيضاً. ويظهر لمتابعي الجائزة أن جائزة غونكور الممنوحة خارج فرنسا، نادراً ما تعطى للعمل نفسه الذي نال الجائزة داخل فرنسا.

بعد بولونيا ورومانيا وبلجيكا وبلغاريا وسويسرا وبريطانيا والمغرب واليونان وعدد آخر من الدول الفرنكوفونية، تمنح جائزة الغونكور في الولايات المتحدة للسنة الثانية على التوالي باسم “غونكور الخيار الأميركي” (choix Goncourt US). وفي نسختها الثانية أعلنت غونكور الأميركية اسم الفائز قبل أيام خلال احتفال أقيم في مانهاتن في فيلا ألبرتين التابعة للسفارة الفرنسية برئاسة آن بيريست التي فازت بالجائزة السنة الماضية، أي في الدورة الأولى للجائزة (2022). فما تحديات هذه الجائزة؟ وهل ستنجح في الولايات المتحدة كما نجحت في أوروبا ودول شمال أفريقيا؟

من الجدير ذكره أن غونكور الولايات المتحدة التزمت شروط غونكور الأم بحذافيرها، فالطلاب الذين صوتوا للعمل الفائز مزدوجو اللغة، يتقنون الفرنسية وقرأوا على مدى أشهر متعددة كتب قائمة الغونكور الفرنسية باللغة الفرنسية. إذاً لا تختلف غونكور الأميركية عن أي غونكور أخرى بشروطها وتطبيقها، وتم اختيار الفائز هذا العام بتصويت طلاب فرانكوفونيين من أبرز ثماني جامعات أميركية تنتمي إلى الـ Ivy League أو رابطة أهم الجامعات الأميركية والأكثر نخبوية وهي: جامعة كولومبيا وجامعة ديوك وجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة نيويورك وجامعة برينستون وجامعة فيرجينيا وجامعة ييل.

رواية بلا نقاط ولا فواصل

تم منح الجائزة هذا العالم إلى الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل عن روايته “مجموع إنساني” (Makenzy Orcel, Une somme humaine, éditions Payot et Rivages). وتشكل هذه الرواية الجزء الثاني من ثلاثية أورسيل التي يعمل فيها على مثلث جغرافي. فالجزء الأول تناول قصة تدور أحداثها في هايتي وهي بعنوان “الظل الحيواني” والقسم الثاني هو الذي صدر ونال الجائزة ويدور في فرنسا، أما الجزء الثالث فيصدر قريباً وتقع أحداثه في الولايات المتحدة. وهذه الثلاثية هي مشروع روائي ضخم يقوم فيه الكاتب بسرد الأحداث من منظار راوية امرأة ميتة تختلف في كل جزء، ويحاول بذلك أن يدخل القصة القصيرة الفردية في إطار القصة الإنسانية الكبرى.

في مقابلة أجرتها معه “فرانس 24″، يقول الكاتب ماكنزي أورسيل عن عمله: “أنا أجد في القصص الفردية الإنسانية أشياء لا بد من أن يراها القارئ ويقرأها. برأيي، يرينا الأدب أموراً لا نراها عادة ويرينا أيضاً الطريق. العالم مكان فيه كثير من البقع المختبئة في الفيء وفي الظلال. سافرت كثيراً وعاينت البؤس واليأس ووجدت أنهما موجودان في الأمكنة كلها. كتبت هذا النص لأقول إن البؤس ليس خاصية بلدي وحده. البؤس موجود في كل مكان وها أنا أحاول أن أسرد في ثلاثثيتي، الهجرة والحرب والظلم والوحشية والعنصرية والبؤس في مثلث جغرافي مترامي الأطراف”.

ويضيف أورسيل مفسراً سبب سرده لأحداثه على لسان راوية ميتة قائلاً: “هي طريقة لإلغاء الموت، هذا الموت الموجود أينما نظرنا، وهو يتسلل إلى لغتنا وكلماتنا وحياتنا وروتيننا. حاولت أن أنطلق في روايتي من المجهول، من هذه المرأة التي ماتت أو بالأحرى انتحرت لأنها لم تلد في المكان المناسب ولا الزمان المناسب ولا المجتمع المناسب. فتاة نشأت بين أكثر وحوش الأرض شراسة وعنفاً”. ويقول أورسيل قائلاً في مقابلة أخرى: “هناك مقولة في هاييتي معناها أن الموتى يقبعون في الحقيقة، والأحياء إنما هم الذين يعيشون في الكذبة. ترافقني هذه الجملة وتسكنني، وهي محور مشروع ثلاثيتي وفي صلبه. ماذا يمكن أن يسرد من الدنيا الأخرى، من ما وراء الموت؟ ماذا يمكن للموت أن يخبرنا عن الحياة وماذا يمكن للموتى أن يقولوا عن الأحياء، عنا نحن؟ الموت هو المجهول الضبابي اللامتناهي اللاملموس الأكبر، وأنا أحاول أن أكتشف عالمنا من الناحية الأخرى، من منظار أولئك الذين باتوا يروننا ويرون كل شيء من هناك، من ذاك العالم الآخر الحقيقي”.

أسلوب الكتابة في هذه الرواية هو الآخر مميز ومختلف ومفاجئ، فيخلو النص من أية نقطة وأي حرف كبير (capital letter). وكأن الكاتب يمنح القارئ حرية اختيار وتيرة السرد ومقاطعه وتوزيع الجمل فيه.

تقدم غونكور الأميركية فرصة لرواية جميلة وجيدة ومكتوبة بالفرنسية كي تنال قطعة من مجد الغونكور الفرنسية الأم وهو أمر جيد ومفيد وداعم للأدب الفرنسي كتابة ونشراً. فهذه الجائزة التي بدأت تعطى خارج فرنسا كان الهدف الأساسي منها هو نشر الأدب الفرنسي والرواية الفرنسية ودعمهما ودعم كتابهما وناشريهما في كل أنحاء العالم. إنما يبقى السؤال الأبرز هو إلى مدى ستنجح الغونكور في الولايات المتحدة؟ إلى أي مدى ستطاول القارئ الأميركي؟ إلى أي مدى ستتمكن من إثبات نفسها وسط الجوائز الأدبية الأميركية الكثيرة؟

اترك ردإلغاء الرد