حضارة قديمة أكثر تقدّماً مما نتخيّل

حضارة المايا إحدى الحضارات القديمة التي ظهرت في منطقة أميركا الوسطى والجنوبية في الفترة ما قبل كولومبوس، وتحديدا في مناطق غواتيمالا وهندوراس والسلفادور وبليز وجنوب المكسيك.

وتركت حضارة المايا وراءها إرثا ثقافيا غنيا من العمارة والفنون والعلوم والتكنولوجيا، ويجتهد علماء الآثار للكشف عنه بالكامل.

وكشفت دراسات حديثة عن مظاهر تؤكد وجود تقدم مادي أحرزته هذه الحضارة قبل اندثارها.

من بين تلك الدراسات دراسة نشرت مؤخرا في دورية “إنشانت ميزوأميركا” (Ancient Mesoamerica)، استخدمت تقنية حديثة تسمى “ليدار”، وكشفت عن موقع أثري جديد لحضارة المايا القديمة يضم الكثير من المنشآت ذات الطراز المعماري المميز.

وتقنية “ليدار” تقنية استشعار عن بعد تستخدم الليزر لقياس المسافات وإنشاء تمثيلات ثلاثية الأبعاد للأجسام أو البيئات.

وفي الدراسة المذكورة، استخدمت الطائرات هذه التقنية لإطلاق نبضات ضوئية في غابات غواتيمالا الكثيفة، مما سمح للباحثين بإزالة الغطاء النباتي ورسم خرائط للهياكل القديمة أدناها. وساعدت هذه التقنية على اكتشاف شبكة طرق عمومية مخبأة في محيط مدينة الميرادور أسفل الأدغال الكثيفة في شمال غواتيمالا وجنوب المكسيك.

وحسب تقرير نُشر على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org)، فإن الموقع الأثري المكتشف يضم ما يقرب من 1000 مستوطنة قديمة لشعب المايا، بما في ذلك 417 مدينة لم تكن معروفة من قبل مرتبطة بما قد تكون أول شبكة طرق عمومية سريعة في العالم.

في إطار تلك الدراسة، تمكن الباحثون من رصد معالم أثرية جديدة لحضارة المايا القديمة في ذلك الموقع الممتد لنحو 1046 كيلومترا مربعا، وكان معظمها مرتبطا بجسور متدرجة.

وتمكن الباحثون أيضا من استنتاج أن الكثافة السكانية في تلك المستوطنات كانت عالية، وهو اكتشاف يتعارض مع النظريات التي تشير إلى أن المستوطنات المبكرة في أميركا الوسطى كانت قليلة السكان.

وتعد الدراسة من أكبر الدراسات التي استخدمت تقنية “ليدار” والتي نُشرت حتى الآن، وكشفت عن أكثر من 775 مستوطنة مايا قديمة داخل حوض ميرادور، و189 أخرى في سلسلة التلال المحيطة التي تضم الحدود الجيومورفولوجية للمنطقة الجغرافية.

وتُعرَّف “المستوطنة” بأنها حشد أو تجمع مستقل من المباني، ولكن يمكن وصف هذا التجمع بأنه “نظام سياسي” عندما يظهر اتصال مجموعة المستوطنات بمعابر أو جسور أو تتضح علاقتها بطراز معماري معين.

ويمكن وصف مستوطنة واحدة أيضا بأنها نظام سياسي قائم بذاته، اعتمادا على كمية المباني العامة أو السكنية، على النحو الذي تحدده المقاييس الحجمية لتكوّن المنشآت المعاصرة المؤهلة للسكن.

ووجد الباحثون أيضا أدلة على وجود معابد وأهرامات كبيرة في بعض المستوطنات، ولاحظوا أنها تشير إلى أن بعضها كان بمثابة محاور مركزية للعمل والترفيه والسياسة. وأشاروا أيضا إلى أن بعض المستوطنات كانت بها ملاعب أظهر بحث سابق أنها كانت تستخدم للعب مجموعة متنوعة من الرياضات المحلية في المنطقة.

كما وجد الباحثون أن أبناء شعب المايا كانوا بنوا قنوات لنقل المياه، وخزانات لحفظها للسماح باستخدامها خلال فترات الجفاف.

وحسب الاختبارات الأثرية والقياسات الحجمية؛ فإن تاريخ العديد من المواقع متعددة الطبقات يعود إلى العصور الوسطى والمتأخرة من الحقبة ما قبل الكلاسيكية بين 1000 ق.م و150م.

ووفقا للدراسة، فقد أنشئت جميع الهياكل المكتشفة حديثا قبل قرون من ظهور أكبر مدن المايا، مما يدل على تحقيق إنجازات بشرية كبيرة في الرياضيات والكتابة والعمارة أكثر تقدما مما قد نتخيل.

من بين الدراسات الأخرى التي تناولت حضارة المايا أيضا وتدل على تقدمهم، تشير دراسة حديثة تناولت عينات كتابية لشعب المايا التي استخدمتها هذه الحضارة في أميركا الوسطى والجنوبية.

ووفقا للبحث، فإن النظام الكتابي يتكون من مجموعة من المحددات الصوتية وقواميس المفردات والرسوم التي يمكن استخدامها في التعبير عن الكلمات والأفكار. هذه الرموز الصغيرة المكتوبة بشكل رأسي وأفقي تشكل مجموعات تشبه الجمل والفقرات في اللغات الحديثة.

ويتميز نظام كتابة المايا أيضا بقدرته على التعبير عن الأرقام والتواريخ والأحداث المهمة والشخصيات التاريخية. إلا أن من الواضح صعوبته ومدى تعقيده، إذ يتطلب تعلم العديد من الرموز والرسوم لفهمه بشكل كامل.

ولوحظ استخدام هذا النظام في العديد من الآثار والمعابد التي ترجع إلى حضارة المايا والتي تم العثور عليها في مواقع أثرية في حوض الميرادور وأميركا الوسطى والجنوبية.

وفي دراسة أخرى نشرت في الثالث من مارس/آذار الجاري، درس فريق بحثي الأيقونات وأسلوب الزخارف لمعلقات إهليلجية الشكل تعود إلى نهاية الحقبة الكلاسيكية، عثر عليها في السهول المنخفضة لمدن المايا ووسط المكسيك. وفحص الفريق أساليب الكتابة والزخرفة لربطها بالتفاعلات الاقتصادية والسياسية بعيدة المدى بين منطقة المايا ووسط المكسيك.

وتمثل هذه الأيقونات المؤتمرات والاجتماعات السياسية في نهاية الحقبة الكلاسيكية لحضارة المايا؛ مما يشير إلى نظام سياسي متقدم واجتماعي. وقد توضح الاكتشافات المقبلة لمثل هذه المعلقات في السياق الأثري أصولها واستخداماتها الاجتماعية.  

وكالات

اترك ردإلغاء الرد