صدّق أو لا تصدق إيجار منزل ٢٥٠ ألف ليرة!


المحامي عيسى: “دولتنا هي المستأجر الأكبر بعقود قديمة”

/نوال حبشي نجا-الرائد نيوز /

٢٥٠ ألف ليرة لبنانية هي بدل إيجار ليس عن شهر بل عن عام كامل، لعقار مشغول منذ أكثر من ٥٣ سنة، ما يعادل ٢ دولار سنويًا.

“ما في كلمة تعبر عن الواقع للمالكين، إيجارات شهرية ٦٠ أو ٩٠ سنت بالشهر لشقة سكنية مساحتها ٣٠٠ م، صار الوضع لا يُطاق، الإيجارات الحالية كلها بالدولار”. بهذه الكلمات ابتدأ العم (ع. ع) حديثه لِ “الرائد نيوز” عند سؤاله عن الأبنية التي يملكها بعد أن ورثها هو وأشقائه عن أهله في طرابلس منطقة القبة، فهم يملكون عدد لا يستهان به من الأبنية القديمة التي يلزمها الكثير من الترميم والتأهيل وإلاّ فالنتيجة لا تحمد عقباها.
ويضيف(ع. ع) قائلاً : “هو نفسه المستأجر الذي يبيع على الدولار بسعر ١٠٠ ألف، ويدفع للمالك على دولار ربع ليرة، كيف يعيش المالك؟ كل الأسعار إلى ارتفاع وتعديل حسب سعر صرف الدولار إلا الإيجارات القديمة. ”

في ما يقول المستأجر (خ. ك): ” الدولة هي الوجهة الأولى لتحصل الحقوق. المستأجر هو الطرف الأضعف لأنه لا يملك ضمانات والمالكون مستفيدون من صندوق التعويضات، يريدون إخراجنا من البيوت لتأجير الأجانب بالدولار، أنا ما بقدر اطلع من البيت بعد هالعمر وين بدي روح؟”

جدليّة المالك والمستأجر من يحسمها؟
المشكلة ليست بين المالك والمستأجر، إنما المشكلة بتقاعس الدولة عن أخذ موقف حازم وحل الصراعات، والكم الهائل من الدعاوى في أروقة المحاكم القضائية من قبل المالك الذي يضطر للجوء إلى القضاء والتكلّف المادي والانتظار لسنوات على أمل، أن يسترجع حقه في الحصول على العقار الخاص به أو المتوارث من الجد إلى الأب فالحفيد الذي رأى نفسه مجبرًا أن يحارب ليحصل حقوق متآكلة.

معضلة ليست وليدة اليوم، وحتى الساعة ما من حلول عملية لإنصاف المتضررين من الطرفين.

كم مبنى آيلاً للسقوط؟ من المسؤول؟ أين اللجان النقابية والنيابية؟

١٦.٢٦٠ الف مبنى مهدد بالانهيار، منها ١٠.٤٦٠ في بيروت، و٤٠٠٠ في طرابلس.

بعد انفجار ٤ آب تضاعف الرقم، إذ لا دقة في الأرقام، لأن المسح الذي نفذ كان جزئيًا، فنتجت عنه الأرقام التالية:
في بيروت ٨٥.٧٤٤ وحدة متضررة، منها ٦٠.٨١٨ أبنية سكنية، و١. ١٧٣ أبنية تراثية، و٢٠.١٧١ مؤسسات تربوية ومطاعم ومستشفيات.
حيث أن غالبية الأبنية المهددة إيجاراتها قديمة والمالك غير قادر على تحمل كلفة الترميم، وحادثة طرابلس الأخيرة (وقوع سقف المدرسة على رأس الطالبة ماغي محمود) خير دليل. فالمالك لا يستطيع أن يرمم ويتحمل نفقات باهظة لتأهيل الأبنية مقابل بدل للإيجار ٥٠ ألف أو ١٠٠ ألف في السنة.

ثغرات القانون
المشرّع أو الدولة اللبنانية تضع قانون الإيجارات وفيه الكثير من الثغرات التي تمنع القضاء من تطبيقه، نحن أمام نهاية قانون التمديد الذي أقر في ٢٠١٤ لمدة تسع سنوات وعلى لجنة الإدارة والعدل أن تحيل القانون فورًا للتصويت عليه والإقرار بالهيئة العامة.

عند وقوع أي كارثة بسقوط مبنى، نرى النواب والوزراء يهرولون إلى مكان الحادثة ويطلقون كلمات المواساة والأسف على الضحايا وكذلك عبارات اللوم على الأبنية التي تفتقد لشروط السلامة العامة. فأعمال الصيانة غائبة عن غالبية الأبنية والسلامة مفقودة وستبقى في تراجع، في ظل تقلب سعر صرف الدولار، ما يجعل الأبنية قنابل موقوتة..!

تحرير الإيجارات مطلب أساس لحل أزمة الإيجارات القديمة وضمان حقوق المالك والمستأجر معًا.

الرأي القانوني للأستاذ المحامي “أسامة عيسى” في حديث خاص لِ “الرائد نيوز”.

“دوامة قانون الإيجارات في لبنان ليس بالحديث، بل هو مليء بالثغرات منذ زمن، فقد أوجد المشرّع أي مجلس النواب قانون الإيجار الاستثنائي الذي يضمن حق المستأجر في إشغال المأجور خلافاً لإرادة المالك مقابل دفع مبلغ مالي محدد أيضاً خلافاً لإرادة المالك بموجب القانون، ليُصار إلى تمديده منذ الخمسينات نتيجة الثورة السياسية والديموغرافية الحاصلة في البلاد فلم يكن باستطاعة الدولة تنفيذ أي قانون غير التمديد بسبب الأزمات الحاصلة، وكذلك بسبب أحداث السبعينات والحرب الأهلية تم التمديد التلقائي لعقود الإيجار مقابل رفع القيمة المالية بمبلغ بسيط مُضاف على المبلغ الأساسي.

لتكون صرخة الملاك بتشكيل نقابة خاصة بهم والمطالبة بتحرير عقاراتهم. بناءً لهذا الضغط استحدث المشرّع في ٢٢ تموز ١٩٩٢ قانون الإيجار الحديث ١٥٩/٩٢ الذي حرر عقود الايجارات المعقودة بعده مع ابقاء تمديد العقود المعقودة قبل صدوره بموجب القانون ١٦٠/٩٢،مع تعديل ومضاعفات على البدلات لم ترضِ الملاك في حينه، ونتيجة تحرير العقود كان عقد الإيجار الحالي الذي يفرض قيمة أجار العقار بالدولار ويحدد السقف الزمني لمدة إشغال المأجور سواءً كان سكني أو تجاري (بيت، محل). لمدة ثلاث سنوات وهي مدة قصيرة نسبياً أيضاً ويجب العمل على ترك الأمر لحرية المتعاقدين لجهة المدة أو زيادة المدة الدنيا لمدة العقد بحيث لا تقل عن خمس سنوات “.

الدولة اللبنانية هي المستأجر الأكبر
يقول عيسى: “تعمل الدولة اللبنانية على تمديد مفاعيل القانون الاستثنائي بسبب ضغط نقابة الملّاك الذين يريدون استرجاع أملاكهم، والضغط المقابل من المستأجرين القدامى الذين استملكوا عنوةً وبمساندة القانون، وعدم وجود الحل الجذري الملائم فكان الاستحداث لقانون الإيجار سنة ٢٠١٤ ليُطبق ويُنفذ بعد نشره في الجريدة الرسمية بستة أشهر، والذي يحرر العقود بعد تسع سنوات مع دفع الدولة للمالك من صندوق التعويضات بدل المثل الذي يمثل ٥ بالمئة من القيمة البيعية للمأجور، في حال كان مدخول المستأجر الشهري أقل من خمس أضعاف الحد الأدنى للأجور، وهذا البدل يُدفع ضمن شروط من صندوق الدعم المرصود له مبلغ ٢ مليار ليرة لبنانيّة والتي لا تكفي لتغطية عقارات نصف مدينة أو مدينة على الأكثر أصلاً.

ولم يُعمل بقانون ٢٠١٤، وقد تم تعديله سنة ٢٠١٧، بحيث ينص على إعطاء المستأجر مهلة ٩ سنوات أو ١٢ سنة بحسب الأحوال المنصوص عنها لتسليم العقار للمالك مع تخفيض بدل المثل للعقارات إلى ٤ بالمئة من القيمة البيعية، وعليه وجدت نزاعات في المحاكم حول احتساب المدد هل تعتبر من تاريخ قانون ٢٠١٤ أو من تاريخ القانون التعديلي ٢٠١٧ ليتوصلوا إلى تطبيقها من سنة ٢٠١٧ وبالتالي يكون تاريخ ٢٠٢٦ هو تاريخ تحرير العقود من المستأجرين القدامى فيما خص مهلة التسع سنوات اما المستفيدين من تقديمات الصندوق المنصوص عليه في القانون فتكون المدة 2029، إن لم يُصدر المشرّع أية قوانين أو تعديلات جديدة قد تطرأ بنتيجة التطورات على الساحة السياسية والاجتماعية، لأن الحديث عن تحرير العقود يُحدث ثورة اجتماعية بسبب أن ٥٠ بالمئة من الشعب اللبناني إن لم نقل أكثر يقطنون عقارات بسند إيجار قديم، مع العلم أن الدولة اللبنانية هي من ضمن المستأجرين على قانون الإيجار القديم حيث أن الكثير من الوزارات والمدارس الرسمية، مراكز الضمان، ووو… مستأجرة ببدلات زهيدة “.

في توجيه سؤال للمحامي عيسى عن حلّ لهذه الدوامة… !
الجواب: “برأيي يجب أن تكون هناك سياسة إسكانية معدة من قبل الدولة تقوم على إنشاء مجمعات سكنية لمحدودي الدخل خارج المدن في المشاعات التي تملكها الدولة بحيث يترافق ذلك مع تحرير العقود بشكل نهائي والاستفادة من تجارب الدول المجاورة مثل سوريا ومصر التي كان لديها قوانين إيجارات استثنائية ففي مصر مثلاً منذ سنة ١٩٩٦ وضعت الدولة حدًا وحررت العقود بإصدار قانون يقضي بزيادة ١٠ بالمئة على القيمة المالية للإيجار كل سنة بشكل تلقائي، مما أدى بالمستأجر إلى طلب عقد إيجار جديد أو إخلاء العقار، ونحن في لبنان يمكن الأخذ بهذا الحل وإقرار قانون مماثل دون الدخول في دوامة القانون الحالي أي قانون ٢٠١٧..!

اترك ردإلغاء الرد