البقاء للأغنى (الجزء الأول)

/رائد الخطيب/



خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد لبنان الكثير من حالات الانتحار في عدد من المناطق، ولفئات عمرية مختلفة، على الأقل شاهدت واحدة لسيدة تخطت ال٧٥ من عمرها، كل المؤشرات التي دعت إلى هذه المفارقات المحزنة للحياة، هي مؤشرات مالية واقتصادية، بعد فقدان الأمل الذي حصل في أعقاب ثورة تشرين الاول ٢٠١٩، والتي لم تفضِ إلى تصحيح الاختلالات المالية، ولم تبدد القلق الاقتصادي لا سيما لدى الفئة العمرية الشبابية، ولم تمنع استسلام المتقاعدين أمام سرقة جنى أعمارهم، فقد قضي الأمر، بات من المستحيلات تبديد أي قلق، لذلك اختار اليائسون أسوأ الطرق للتخلص من أسوأ حياة اقتصادية وصل إليها الجميع، باستثناء الطبقة الحاكمة.


بداية العام الجاري صدرت ورقة إحاطة إعلامية من منظمة أوكسفام، دعت إلى ضرورة فرض ضوابط على أصحاب الثراء الفاحش الآن لمحاربة اللامساواة .
تقول الورقة، إننا نعيش لحظة غير مسبوقة من الأزمات المتعددة. ويقاسي عشرات الملايين من الناس من الجوع، فيما يواجه مئات الملايين ارتفاعًا غير منطقي في تكلفة السلع الأساسية أو تدفئة منازلهم. وقد ازداد الفقر لأول مرة منذ 25 عامًا. وفي الوقت نفسه، فثمّة من يكسب الكثير من جميع هذه الأزمات المتعددة. فقد أصبح الأثرياء أكثر ثراءً بشكل مبالغ فيه وبلغت أرباح الشركات مستويات قياسية، ما أدى إلى انفجار اللامساواة.


ويركز هذا التقرير على مدى أهمية فرض الضرائب على الأثرياء لمعالجة هذه الأزمة المتعددة غير المسبوقة واللامساواة المتزايدة. ويستعرض التقرير كيف كانت الضرائب المفروضة على أثرى الأثرياء في التاريخ الحديث أعلى بكثير. ويكشف كذلك أنّ الحديث عن فرض ضرائب على الأغنياء وإرغام أصحاب المليارات على دفع حصتهم العادلة يحظى بشعبية كبيرة. ويوضح كيف يمكن لفرض الضرائب على الأغنياء أن يستردّ السلطة من النخبة وأن يقلل ليس فقط من اللامساواة الاقتصادية، ولكن أيضًا من اللامساواة القائمة على العرق والاستعمار والنوع الاجتماعي. ويحدد التقرير مقدار الضريبة التي يجب أن يدفعها الأشخاص الأكثر ثراءً، والطرق العملية والمجربة والمختبرة التي يمكن للحكومات من خلالها زيادة هذه الضرائب. كما يبيّن بوضوح كيف يمكن أن يضعنا فرض الضرائب على الأغنياء على الطريق الصحيح نحو عالم خال من الفقر وأكثر مساواةً واستدامة.

إنّ توقيت صدور هذا التقرير في غاية الأهمية. فاللامساواة هي إحدى أهم القضايا اليوم، وإذا تُركت بلا اتخاذ إجراءات فقد تؤدي إلى تفاقم عدد من الانقسامات الاجتماعية الموجودة أصلًا في مجتمعنا. ولذلك، ينبغي أن تكون معالجة اللامساواة في طليعة جداول أعمالنا السياسية، ويقدم هذا التقرير طريقة مهمة ولكنها غير مستكشفة بشكل كاف للقيام بذلك: ألا وهي فرض الضرائب على الأغنياء.
تسمح الضرائب التي تستهدف الأغنياء للضريبة بالاضطلاع بدورها في إعادة التوزيع من خلال تقييد نمو اللامساواة في الدخل والثروة. ويقدّم التقرير حلًا ملموسًا لمشكلة اللامساواة التي أبرزتها المنظمات غير الحكومية في العديد من المحادثات. ومع ذلك، تواجه البلدان تحديات كبيرة في فرض الضرائب على الثروة، وثمة حاجة إلى مقترحات ملموسة بشأن كيفية القيام بذلك، ولا سيما بالنسبة للبلدان النامية .
كما توجد قيود حقيقية كثيرة تواجهها سلطات الإيرادات في استيعاب الوضع. لذا، من المهم أن نناقش أهمية تنفيذ سياسات لفرض ضرائب على الأغنياء جنبًا إلى جنب مع المحادثات بشأن القدرة المطلوبة للقيام بذلك بشكل فاعل. ولهذا السبب فإن توصيات التقرير بشأن تعزيز قدرة السلطات الضريبية وزيادة الشفافية للسماح لها بتعقب الثروة المخبأة في الملاذات الضريبية أمر بالغ الأهمية، ولا سيما بالنسبة للبلدان النامية.
وكما هو الحال مع جميع المحادثات المتعلقة بالسياسات، فإن مفتاح إيجاد هذه الحلول والاستفادة منها هو الإرادة السياسية.
لم يعد فرض الضرائب على الأشخاص الأكثر ثراءً مجرد خيار – بل بات أمرًا أمر لا بدّ منه. لقد انفجرت اللامساواة العالمية، ولا توجد لمعالجتها طريقة أفضل من إعادة توزيع الثروة. وكما يُظهر تقرير منظمة أوكسفام، فإن ال١ في المئة من أغنى أغنياء البشر قد استحوذوا على ما يقرب من ضعف حصة باقي سكان العالم من الثروة التي تراكمت على مدى العامين الماضيين.

اترك رد إلغاء الرد