عمليات التجميل… وقفة ضرورية
نعمه العبادي
سنة الخلق الاولى جارية على ان تكون كل المخلوقات في ابدع واجمل صورة لها، لانها صنع الخالق العظيم، ولكن لموجبات سنن ألهية اخرى، ولاسباب ربانية تظهر بعض العيوب والنقائص الخلقية سواء من لحظة المولد او بفعل عوامل اخرى خلال حياة الموجودات.
يعد الجمال سمة مميزة للمرأة، ورغم ان الجمال المعنوي هو الاهم في شخصيتها إلا ان حسن المظهر وجمال الشكل الظاهري، ظل مهما في كل الحضارات والثقافات والعصور والازمنة، ومع الافراط في مركزية الجسد والمغالاة فيه، اصبح موضوع الشكل حاسما لمصير المرأة في عيون المعظم.
مثلت الجراحة التجميلية قفزة مهمة في تطور الطب، ولعبت دورا عظيما في المساعدة على تجاوز تحديات جسدية لم يكن تجاوزها في الازمنة القديمة مثل آثار الحروق والجروح والكسور والاختلالات المؤثرة في الشكل كما هو الحال في الاسنان وغيرها من الضرورات.
انحرف دور الجراحة التجميلية من كونها ضرورة طبية الى هوس ومرض وسلوك يدعو للتوقف بشجاعة امامه، فعمليات النفخ والفلر والبوتكس والشد والنحت وووو واشكال مختلفة من التغيرات الجسدية غير الضرورية، بل المضرة والمدمرة لجمال المرأة وشكلها وصحتها، يجري التسابق إليها، ومن خلال مراكز غير رسمية او تجارية وبمواد مسممة ومسرطنة وتحت ايادي مهارات جاهلة لا علاقة لها بالطب.
مليارات الدولارات تنفق في هذا المجال وباسعار مبالغ بها، في ظل صراخ استهلاكي دعائي ماكر، يغرر بالنساء والرجال في كل يوم بدفعهم تجاه صور وهمية من جمال لا حقيقة له، فضلا عن تداعياته المرضية المدمرة.
قبل سنة وبالمصادفة، التقيت طبيبة لبنانية، تحدثت لي انها تاتي الى العراق كل كم شهر خصيصا لاصلاح اضرار عمليات التجميل الفاشلة، وقالت لو تطلع على الغش والضرر لهذه العمليات لاصبت بالذهول والعجب.
سوق الاستهلاك يبتدع إنموذج خادع في كل يوم، فمرة شفاه كبيرة، واخرى صدر كبير، وخلفية كبيرة، ونحت الجسم، وهكذا، والجيوب السخية تدفع الاف الدولار لمراكز معظمها غير مرخص ولا تحوي كوادر متخصصة، والنتيجة اشكال مشوهة.
القضية اصبحت اكبر من خلل طبي، بل هي تحدي ثقافي واجتماعي وظاهرة تتحول تدريجيا الى واقع حاكم في كل الطبقات الاجتماعية، فالقصة تتجاوز الهدر المالي والاضرار الصحية الى تنميط الذوق والحياة ومقومات الجمال بشكل مبتدع ومخترع لا حقيقة له، وهو كذبة خادعة انطلت على معظم المجتمع.
اعود للتاكيد، ان بعض عمليات التجميل ضرورية وصحية، بل ومهمة، لكن لمن يحتاجها حقيقة، ومن يعاني خلل حقيقي يضر بصورته وشكله، وان تكون على ايدي مختصين في الجراحة، وبمشورة طبيب صادق ومهني وإلا فإن الباقي كله ضياع للمال وتعريض الصحة للخطر والناتج اشكال مشوهة.