إطلاق “بيان الأخوة الإنسانية في طرابلس والشمال”
حفل اطلاق “بيان الأخوّة الانسانية في طرابلس والشمال” وأوبريت “القدّيس فرنسيس والسلطان الملك الكامل الأيوبيّ”
التي تحكي قصة لقاء القديس والسلطان في دمياط المصرية منذ ٨٠٠ عام (سنة ١٢١٩) والتي سمح السلطان بعدها للمسيحيين الأوروبيين بزيارة الأراضي المقدّسة في فلسطين بعد انقضاء الاحتلال الصليبيّ لها، واعتُبر هذا اللقاء بمثابة نموذج رائد للحوار بين الديانات.
وأتى إحياء المناسبة في طرابلس في ذكرى مرور ٤ سنوات على توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وأُعلن بموجبها في مركز الصفدي بيان “الأخوّة الانسانية في طرابلس والشمال” الذي تلاه على الحضور ثلّة من رجال الدين المسلمين والمسيحيّين وممثلين عن هيئات المجتمع المدني، وذاك بحضور سماحة المفتي محمّد الإمام وممثل بابا الفاتيكان وممثلي المرجعيات الدينية والروحية في الشمال والسفيرة الإيطالية في لبنان، وهذا نصّ البيان:
احتضنت مدينة طرابلس حضارات عريقة مّرت على ترابها واختمرت قيمها في إنسانها على اختلاف مشاربه الثقافيّة والدينيّة، فكان عابًدا لله،
ينشد حبه بقلب منسحٍق، مدركا أن العابد إن ارتقى في حبه للخالق أدرك موقعه فخشع وأطاعه وأحب عابديه.
عمّق اختبار التنّوع قناعة أهلها بصوابيّة ذلك الخيار، فتم ّسكوا بعرّو الجيرة حيث تساكن المختلفون في نفس الحي، في ظ ّل مسجد جاور كنيسة، وبذلك تح ّصن أهلها من نكبات وأزمات، فلم تقرع حوادث عام 1860 أبوابها، ولم يجتهد أبناؤها للارتواء والاستزادة من شجرة الحوار أو من ينبوع التعارف، طالماكانت هذه حالهم ولو لم يُشتهر أمرهم. وقد احتضنت زوايا المدينة وشوارعها أمثلةكثيرة تختزن جوهر التضامن الروحي والإنساني حتى في صلب الأزمات والحروب القديمة والحديثة. وتبقى العائلة الطرابلسيّة اليوم إمتداد وحاضنة لتلك الهويّة الممت ّدة عبر التاريخ، والتي تسلّمها الأبناء لينقلوها للأحفاد. فحيث أضاعت الغالبية مع الأيام مضامين تلك الرسالة، لتغرير زمان أو ُضعف ساسة أو قلّة أمان،كان التعليم الديني الأصيل، بمرجعيّاته العلميّة الوازنة، وعيش الإيمان الحقيقي مرمّا لتلك الهوية، داعيا أبناء المدينة للتكاتف في مواجهة الجهل الديني والأخلاقي والمعرفي عندكافة شرائح المجتمع.
وطرابلس اليوم، هي طرابلس المنكسرة في جسم الإنسانيّة، حيث أُهملت وأُفقرت واستعملتكصندوق بريد لإرساء شرارة الكراهيّة بين أبنائها من قِبل العابثين الذين استخدموا حماسة الشباب حينًا، وشعارات دينيّة أحيانً، لإرواء ما فيهم من روح شّرير. فكان نصيب أهلها بتقاليدهم وثقافتهم التهجير الصامت، فتشتّت العائلة، ومعها تفتّت أجزاء من هوية المدينة، وبقي التدين في قلوب حامليه المؤتمنين على القيم والهويّة، ليس مراعاًة لتاريخ وعادات قديمة، وإنما قناعًة نًبعة من تصديق لمعتقداته التي تشّربوها من أمّهات الكتب وتسلّموها من السابقين الصادقين. وهذا دين أهل هذه المدينة التي أسست على مدى عصور مدارس العلم والعلماء. فرغت طرابلس من المثقفين وهم كثر وينتمون الى مختلف الطوائف وكثُر فيها الجهل وتحكم فيها المنتفعون، منعت من تطوير إقتصادها ومرافئها (من معرض، ومرفأ، ومنطقة إقتصادية حرة، ومصفاة للنفط) فبعد انكان يتقاطر إليها اللبنانيون من جميع المدن والقرى للعيش فيها شهدت هجرة
معاكسة نتيجة تراجع النشاط الإقتصادي والثقافي وكل ذلك أدى الى ما وصلت إليه حال المدينة، إلا أنها ما زالت تختزن الكثير الكثير من الطاقات غير المفعلّة نتيجة الإهمال والإنماء الغير متوازن والصحيح.
لقد نجح البعض بشيطنة مدينة طرابلس وتصويرها وكأنها منبع للإرهاب على عكس حقيقتهاكنتيجة طبيعية للفراغ الذي أّمنه غياب المثقفين وأهل الإعتدال عن لعب دورهم في المدينة وهنا الدعوة لهؤلاء بالعودة والعمل بجد يداً بيد وبجهد اكبر لتظهير الصورة الحقيقية لطرابلس. هذه المدينة التاريخية على حوض البحر الابيض المتوسط والتي تذخر بكل المقومات التي هي بحاجة الى تفعيل واطلاق يد مجالسها وهيئاتها الإقتصادية كي تحقق دورها في نهضة المدينة. علينا توحيد جهود الجميعكي تعود مدينة طرابلس الى سابق عهدها والعمل على إستقطاب المنظمات الدولية
التي تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في هذا الإطار. ِلذلك ندعو اليوم في هذا النداء نقلا عن “وثيقة الأخوة الإنسانية”: ” الى “الكف عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتِل والتشريد والإرهاب والبطْش؛ لإيماننا المُشتَك بأن الله لم يخْلُق الناس ليُقتَّلوا أو ليتقاتلُوا أو يُعذبُوا أو يُضيَّق عليهم في حياتهم ومعاشهم، وأنَّه – عَّز وجلّ- في غنً عن من يُدافُِع عنه أو يُْرِهُب الآخِرين باِسمه” لأن:”التعاليم الصحيحة للأدياِن تدعُوا إلى التمسك بِقيِم السلام وإعلاِء قِيِم التعارِف المُتبادل والأُُخَّوة الإنسانيَِّة والعِْش المشترك”.
نعلن نحن الموقعين أدناه كل من موقعه ومسؤوليته (الدينية والسياسية والفكرية والإجتماعية والإنسانية) أننا سنعمل معاً جاهدين بكل ما أوتينا من قوة وعزمكي نحمي العيش المشتَك في طرابلس بينكل مكونًتها ونحارب التطرف بجميع أشكاله ونحافظ على قيم الحياة العامة المشتَكة ونعيد لمدينتنا الحبيبة صورتها التاريخية، مدينة العلم والعلماء، مدينة الإنفتاح والعيش المشترك، مدينًة للتلاقي وللأخوة الإنسانية.

البروفيسور خالد تدمري