التنقيب في العام الـ2023: الصبر للبنان والغاز لإسرائيل
/خضر حسان- المدن/
سُجِّلَ العام 2022 كمحطة مفصلية في تاريخ لبنان، من بوّابة الغاز الكامن حتّى اللحظة تحت البحر. مراحل كثيرة شهدها ملفّ الغاز، بدأت خطواتها الملموسة رسمياً في كانون الأول 2017 مع إقرار الحكومة رخصتيّ التنقيب في البلوكّين 4 و9، لصالح تحالف شركات توتال الفرنسية، إيني الإيطالية ونافاتك الروسية، الذي حصل في العام التالي على عقود التنقيب.
على أنّ العام 2020 سرق الأضواء، مع بدء المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدوّ الإسرائيلي، حول ترسيم الحدود البحرية، التي سيعرف من خلالها لبنان حدود البلوك رقم 9، ويبدأ بعدها التنقيب.
اختُتِمَت المفاوضات بعد نحو سنتين، بترسيم مجحف للبنان وباتفاقية ثنائية بين توتال وإسرائيل تُحكِم الخناق على ما قد يُكتَشف في الحقل اللبناني. ليُقفَلَ العام 2022 على وعدٍ بالتنقيب في العام التالي.
حدود خاطئة وغاز مُعَلَّق
انتهت المفاوضات التي جرت برعاية أميركية تحت خيمة قوات حفظ السلام في الناقورة، باعتراف لبنان أن حدوده البحرية عند الخط 23، فيما الخرائط الرسمية التي قسّمت المنطقة وفق اتفاقية سايكس بيكو، تعطي لبنان حدوده عند الخط 29 الذي طالب به الجيش اللبناني. وبرَّرَت قوى السلطة التنازل، بحاجة لبنان إلى الغاز للخروج من أزمته الاقتصادية. مصوِّرة الاتفاق بأنه انتصار.
لا خرائط أو أبحاث رسمية تؤكّد وجود كميات تجارية في حقل قانا الممتد على 80 بالمئة من مساحة البلوك 9. ومع ذلك، أنهى لبنان التفاوض بشعار قانا مقابل كاريش. علماً أن الحقل الثاني مُكتَشَف وجاهز للاستخراج، على عكس قانا. ولضمان أكبر استفادة من الترسيم، نصَّ الاتفاق على حصول إسرائيل على حصّة من حقل قانا، تؤخذ على شكل تعويض مالي من شركة توتال التي تقود التحالف لاستخراج النفط والغاز.
وتدرك إسرائيل أن الوثائق المبنية على التجربة العملية، وحدها ذات قيمة. وعليه، تركت حجم التعويض إلى ما بعد الاستكشاف، إذ لا معطيات علمية عن حجم الغاز في حقل قانا.
تنازلَ لبنان رسمياً عن حدوده الصحيحة متمسّكاً بحدود خاطئة، وحصل في المقابل على غازٍ مُعلَّق ينتظر حفراً استكشافياً لتحديد أماكن الآبار المحتملة وحجم مخزونها.
بين عون وعاموس
أقفَلَ رئيس الجمهورية السابق ميشال عون باب قصر بعبدا مع خروجه منه، على وعدٍ بـ”التَنَفُّس” بعد استخراج الغاز بغضون 3 إلى 4 سنوات. وتماهى عون مع مستشار أمن الطاقة الأميركي ومنسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، عاموس هوكشتاين، الذي أعلن أنه خلال 3 أو 4 سنوات يمكننا أن نرى إنتاج الغاز في لبنان.
من ناحيتها، ودّعَت شركة توتال إينيرجي، العام 2022، بتأكيد على استقدامها منصّة الحفر في العام 2023. وأوضح رئيس مجلس إدارة الشركة، باتريك بوياني، أنه “يجري تعبئة الفِرَق المسؤولة عن عمليات الحفر في بلوك 9 بالمياه الإقليمية اللبنانية على الحدود مع إسرائيل”.
لكن، ما أُقفِلَ على نوايا إيجابية، خَرَقه هوكشتاين بإشارته إلى أن ترسيم الحدود البحرية ليس هو الحل لكل المشاكل اللبنانية، إذ “هناك ما على الحكومة أن تقوم به لحل الأزمة الاقتصادية ومشكلة الطاقة في لبنان”. وتَركُ الزمام بيد الحكومة المستقيلة أو المنتظَرة، لا يُحَقِّقُ بالضرورة ما تقولهُ الحِكمة حول أن الصبر مفتاح الفَرَج. فمَن يُعَوَّل عليهم بالفَرَج، تنازلوا عن الحدود وتمسّكوا بغازٍ غير مضمون.
ربط الكهرباء بالترسيم
خلال سنوات رسم طريق التنقيب، وصولاً إلى الترسيم وانتهاءً بوعود الحفر في العام المقبل، كان ملفّ الكهرباء مُبَرِّراً لأيّ تنازُل قدّمته السلطة. فالعتمة شبه الشاملة قد تغضُّ البصر عن التنازل. إلاّ أن الكهرباء المنتظرة من الأردن والمنتجة بغازٍ آتٍ عبر مصر، ما زالت عالقة هي الأخرى، ولم يُفرَج عنها بعد الترسيم كما كان متوَقَّعاً. فالولايات المتحدة تربط الملف بقانون قيصر، والاستثناءات التي ستحصل عليها سوريا لتمرير الكهرباء والغاز عبر أراضيها وما سيحمل ذلك من منافع مالية وسياسية لها.
ومن جهة أخرى، يريد البنك الدولي ضمانات حول قدرة لبنان على سداد قيمة القرض المموِّل للمشروع. ولا يملك لبنان مثل تلك الضمانات. وبهذه الطريقة، يكون اللبنانيون قد عادوا إلى نقطة الصفر في ملف التنقيب وتوقّعات نتائجه، وليس بيدهم سوى الصبر الذي تمتهن السلطة حقنه للجمهور.
إذاً، رُحِّلَ كل شيء لما بعد 31 كانون الأول. لكن إسرائيل ستستقبل العام الجديد باستعداد ملموس عن طريق وجود سفينة الحفر إينيرجين باور Energean Power، وبتكريس “حق رسمي”، بتعويضات مالية وبضمان رقابتها على المستندات العلمية المتعلّقة بحقل قانا، وبخضوع أي عملية تجريها توتال جنوب الخط 23 “للقوانين والأنظمة الإسرائيلية”. فيما لبنان سيستقبل العام الجديد بمزيد من الأزمات والانتظار.
