ماذا عن خلفيات الانقلاب الألماني الفاشل؟
/ترجمة علاء مهدي الشهاب- الرائد نيوز/
بعد سلسلة من المداهمات التي شنت فجر اليوم في مختلف أنحاء البلاد تم إحباط مخطط مزعوم لليمين المتطرف يقوده أرستقراطي ألماني للإطاحة بالحكم في ألمانيا، والذي سعى إلى الحصول على دعم الحكومة الروسية.
ووفقا للمدعين العامين كان 25 شخصاً من بينهم أمير يبلغ من العمر 71 عاماً، وقائد عسكري متقاعد، وقاض بالإنابة، ونائب سابق عن حزب البديل اليميني المتطرف، يخططون للإطاحة بالدولة عن طريق العنف، بما في ذلك هجوم مسلح على البرلمان، مستوحى من إقتحام مبنى الكونغرس الأميركي.
ويبدو أن التنظيم كان مدفوعاً في فكره بنظريات المؤامرة التابعة للدولة العميقة، والتي تبناها كونون “QAnon” وحركة “مواطنو الإمبراطورية” (Reichsbürger)، التي تنكر حق ألمانيا الحديثة في الوجود. وكانت تخطط لإعادة التفاوض بشأن تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية في البلاد، وتصر على أن الرايخ الألماني”Deutsche Reich” لا يزال يتمتع بالشرعية على الرغم من أنه انتهى بهزيمة النازيين في عام 1945.
ووصفت نانسي فاسر وزيرة الداخلية الألمانية الجماعة بأنهم “أعداء للديمقراطية” قائلة إنها لم تتضح بعد مدى تقدم الجامعة في خططها، أو مدى احتمال نجاحها.
وقالت إن الحكومة سوف ترد على هذه المؤامرات بقوة القانون الكاملة، مضيفة: “إن التحقيقات تقدم لمحة عن عمق “هاوية التهديد الإرهابي” في بيئة مواطن الرايخ “Reichsbürger milieu”.
وقال أقارب زعيم الجماعة المزعوم هينريك الثالث عشر، الأمير راوس فون جريز “Reuß von Greiz” الذي يزعم أنه ينحدر من سلالة ملكية حكمت لمدة 800 عام في تورينخا “Thuringia” حتى تفكك النظام الملكي الألماني، لصحيفة أوستثورينجر تسايتونج “Ostthüringer Zeitung” في آب إنه كان “رجلاً عجوزاً يشعر بالمرارة” ويتبنى “وجهة نظر نظرية المؤامرة المجنونة” والذي كان قد أدار ظهره للأسرة قبل سنوات، وقالت الأسرة إنها تنأى بنفسها “بشكل واضح جداً عن آرائه السياسية والتاريخية”.
وقال بيتر فرانك النائب العام الألماني إنه قد تم احتجاز زعماء العصابة لدى الشرطة، وأكد أن جناحاً مسلحا من هذه العصابة التى كان من المفترض أن تشكل أساسا لجيش ألماني جديد وتضم أعضاء سابقين نشطين في الجيش خططوا لاقتحام البوندستاج “German Bundestag” أو البرلمان الألمانى بالقوة.
وقال للصحافيين في كارلسروه “Karlsruhe”: “إن الذين ألقي القبض عليهم هم من أنصار خرافات المؤامرة، التي تنبع من مجموعة من الروايات المرتبطة بإيديولوجيات الرايخسبورجر وإيديولوجيات الكانون”.
وقال الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير “Frank-Walter Steinmeier” للإذاعة العامة إنه يشعر بقلق عميق إزاء المؤامرة، واصفاً إياها بأنها “مستوى جديد”.
وفي ما يعتقد أنه كان أكبر تحقيق للشرطة في ألمانيا ضد المتطرفين، بدأ فريق مراقبة برعاية مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية (BKA) والمدعي العام الاتحادي، في رصد 52 مشابهاً فيهم في بداية أيلول تحت الإسم الرمزي شادوز “Shadows” بما في ذلك رصد الهواتف ومجموعات الدردشة والتحقق من الحسابات المصرفية، وجاءت العملية بعد بلاغ من شخص ما في برلين.
ويقول المحققون إنهم أسسوا بسرعة روابط إيديولوجية قوية بين الأعضاء، الذين كان من بينهم رايخسبورجر، وكذلك أعضاء في حركة كويردنكر “Querdenker” التي تنفي الإصابة بفيروس كورونا وأنصار نظرية المؤامرة.
وكانت المجموعة، بقيادة هينريك الثالث عشر وقائد سابق لكتيبة المظليين، تستعد لما يسمى ب”اليوم العاشر”، الذي كان يخطط على أثره نحو عشرين شخصاً لاقتحام مبنى الرايخستاغ، مقر البرلمان الألماني، وتكبيل أيدي النواب والموظفين البرلمانيين واعتقالهم في عملية مستوحاة من الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي في عام 2021.
وبعد استيلائهم على السلطة، تصورت المجموعة أنها ستقوم بإعادة التفاوض على المعاهدات التي وقعتها ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقال المدعون العامون: “في الوقت الراهن، كان الاتحاد الروسي على وجه الحصر هو جهة الاتصال المركزية لهذه المفاوضات”.
وفي حين بذل هينريك الثالث عشر جهوداً للتواصل مع موسكو، قال ممثلو الادعاء: “ليس هناك ما يشير إلى أن الاتصالات كانت إيجابية إزاء نهجه”. يشتبه في أن سيدة روسية تدعى فيتاليا بي “Vitalia B” من بين الذين تم اعتقالهم يوم الاربعاء قد سهلت هذه الاتصالات.
ونفت السفارة الروسية في برلين أي تورط للدولة الروسية مع العصابة. وفي بيان صادر عنها قالت الخارجية الروسية إن “المكاتب الدبلوماسية والقنصلية الروسية في ألمانيا ليس لها أي اتصال بممثلي الجماعات الإرهابية أو غيرها من الوحدات غير القانونية”.
مع ظهور تفاصيل أعضاء المجموعة ، كشفوا عما أشار إليه أحد المحققين على أنه “طاقم متنوع” من أسقف منكر لفيروس كورونا إلى طباخ ذواقة، وصهره لاعب كرة قدم محترف، وطيار يعمل في شركة طيران ألمانية كان من المقرر أن يتم تنصيبه وزيراً للثقافة بعد استيلاء العصابة على السلطة.
وأعرب الساسة الألمان عن إرتياحهم لإحباط المؤامرة، بالرغم من أن سارة ناني من حزب الخضر قالت “إن المؤشرات الأولية تشير إلى أن الجماعة ربما كان تفتقر إلى الوسائل اللازمة أو المال الكافي لتنفيذ خطتها.”
وقالت في تدوينة على شبكة التواصل الاجتماعي ماستادون “Mastadon” : “المزيد من التفاصيل تبرز إلى لسطح بمرور الوقت، وتثير الشكوك حول ما إذا كان هؤلاء الأشخاص أذكياء بما يكفي للتخطيط لانقلاب من هذا القبيل وتنفيذه”. غير أنها اعترفت بأنه “بغض النظر عن مدى وضوح أفكار الجماعة ومدى يأس د خططها إلا أن مجرد المحاولة تمثل تهديداً خطيراً.”
وقال المدعون العامون الفيدراليون إن 3000 ضابط أجروا عمليات تفتيش في 137 موقعاً في 11 من ولايات ألمانيا ال 16، بما في ذلك قصر في ولاية تورينغن، وإن 22 مواطناً ألمانياً احتجزوا للاشتباه في “انتمائهم إلى منظمة إرهابية”. كما تم الاشتباه في ثلاثة معتقلين آخرين يدعمون العصابة، من بينهم مواطنة روسية، وهي الشريك الرومانسي لهينريك.
وأفادت دير شبيغل بأن المواقع التي جرى تفتيشها تشمل ثكنات وحدة القوات الخاصة الألمانية، KSK، في بلدة كالو الجنوبية الغربية. وكانت هذه الوحدة قد خضعت في الماضى لفحص دقيق بشأن تورط بعض الجنود من اليمين المتطرف. ورفض الادعاء الفيدرالى تأكيد أو نفى تفتيش الثكنات.
ولكن من بين المعتقلين ضابط ميداني كبير سابق في كتيبة المظليين التابعة للجيش الألماني، يدعى روديغر فون بيسكاتوري البالغ من العمر 69 عاماً ويعتقد أنه كان قائداً في كالو. كما وصف بأنه زعيم العصابة.
وقال المدعون إنه هو وهينريك الثالث عشر أسسا “منظمة إرهابية في العام الماضي بهدف قلب نظام الدولة القائم في ألمانيا”. وقد خطط الرجال لاستبداله بشكل دولتهم الذي كان “في طور التأسيس”. فقد كان فون بيسكاتوري مسؤولاً عن التخطيط للانقلاب العسكري، وهينريك الثالث عشر يتولى رسم معالم النظام السياسي في ألمانيا في المستقبل.
حتى أنهم بدأوا في ترشيح وزراء لحكومة انتقالية فيما بعد الانقلاب، وفقاً لما ذكرته صحيفة دى تسايت التى جاء فيها أن أحد المشتبه فيهم ، وهو عضوة البرلمان السابقة عن حزب البديل الديمقراطى بيرجيت مالساك – وينكيمان، 58 عاماً، وهى قاضية بالمهنة ، تم القبض عليها في منزلها في منطقة وانسى غربى برلين صباح الأربعاء ، كانت ستصبح وزيرة فدرالية للعدل.
وإلى جانب الاعتقالات في ألمانيا، قال الادعاء أن شخصاً واحداً اعتقل في منتجع كيتسبوهيل الذي يقع في النمسا، وشخص آخر في إيطاليا. كما أكدت الشرطة الإيطالية اعتقال ضابط سابق بالجيش الألمانى يبلغ من العمر 64 عاماً على صلة بالجماعة في وقت الغداء تقريباً اليوم الاربعاء، واحتجز في فندق عثر فيه على “مواد تتعلق بنشاط العصابة التخريبي”، وفقاً لوسائل الإعلام الإيطالية، ومن المتوقع أن يتم تسليم الرجل إلى ألمانيا قريباً.
وقيل إن هذه الجماعة كانت مقتنعة بأن ألمانيا الحديثة تدار بواسطة مؤامرة “دولة عميقة” كان على وشك الكشف عنها بواسطة تحالف من وكالات الاستخبارات الألمانية وجيوش دول أجنبية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة.
وقال أحد المشتبه بهم في رسالة نشرت على موقع تلغرام قبل دقائق من بدء مداهمات يوم الأربعاء، “كل شيء سينقلب رأساً على عقب: فالمدعون العامون والقضاة الحاليون، وكذلك رؤساء الإدارات الصحية ورؤسائهم سيجدون أنفسهم في قفص الاتهام في “نورمبرغ 2.0”.
وقال الادعاء إنه بينما يعتقد المشتبه فيهم أن أهدافهم يمكن تحقيقها فقط بالوسائل العسكرية وبالقوة ، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت المجموعة قد تمكنت من تجميع أي نوع خطير من الترسانة.
كما أن العديد من المتهمين هم من أفراد الجيش السابقين ويشتبه في أنهم استولوا بصورة غير قانونية على أسلحة من مخزونات الجيش خلال سنوات خدمتهم، في حين أن آخرين يحملون رخص سلاح.

/كيت كونولي من برلين وفيليب أولترمان- ذا غارديان/