مقتحمو المصارف: ليس لدينا ما نخسره سنحرق المكان إن قمتم بشيء!

ترجمة علاء مهدي الشهاب/الرائد نيوز/

داخل منزل متواضع في بيروت، ثلاثة أشخاص يخططون لعملية سرقة جريئة. تروي امرأة نتائج مهمة العودة وهي محاطة بملاحظات على جدار غرفة المعيشة ذات الإضاءة العالية بينما السماء مظلمة في الخارج، وتحافظ المجموعة على رباطة جأشها، رغم مناقشة أسوأ سيناريوهات.

يقول قائد المجموعة “نحن نعلم جميعاً أن هذه العملية قد تؤدي يمكن إلى موتنا، لكننا مستعدون لذلك.”

وفي اليوم التالي، حوالي الساعة 11 صباحاً، يشق محام لبناني وثلاثة مدنيين طريقهم إلى بنك الاعتماد اللبناني في الحازمية، مسلحين بقنابل المولوتوف ومسدس.

فماذا أرادوا؟ سحب أموالهم الخاصة.

وفي أي دولة أخرى، كان من شأن هذه الحادثة أن تستنهض الناس ضد المهاجمين، ولكن هذا هو لبنان حيث اتخذ عدد من المودعين إجراءات مماثلة بعد شعورهم بالإحباط إزاء عجزهم عن سحب أموالهم الخاصة من البنوك منذ عام 2019.

يقابل فقدان الأمل بالتخطيط الدقيق

كانت عملية الثاني من تشرين الثاني مختلفة عن العمليات المنفردة التي وقعت منذ بداية العام الجاري حتى الآن. وهي العملية الأولى التي ينسق فيها ثلاثة مودعين مختلفين مع بعضهم البعض، ويتم الإعلان عنها مسبقاً قبل أيام من العملية، وفي اجتماع عام.

وكان الأربعة قد أمضوا أسابيع في الإعداد للعملية، وراقبوا فروع المصرف المختلفة، وتقاسموا المعلومات الاستخبارية، والتخطيط للأدوار التي سيلعبونها في اليوم الموعود.

المحرض هو المحامي رامي علّيق، الذي نصب نفسه حارساً للعدالة، وقال إنه مستعد لمكافحة الظلم في لبنان.

فرئيس مجموعة “التحالف المتحد ضد الفساد” التي تناضل من أجل حقوق المودعين، نسق عملية التهدئة أثناء التفاوض مع البنك والشرطة اللبنانية.

وبوجود سلاح في يده اليمنى وقنبلة حارقة في اليسرى، تولى علي سهلي، أحد المقتحمين، السيطرة على الحشود. ظل يصرخ قائلاً: “أنا لست لصاً؛ إنني أفعل هذا من أجل تعليم إبني”.

فطالب المودعون بأموالهم وأوضحوا أنهم مستعدون لاستخدام القوة.

صرخ علي “ليس لدي ما أخسره!، سأحرق هذا المكان إذا قمتم بشيء.”

كانت كاثرين العلي تحمل مسدسا للصعق وزجاجة مولوتوف. وكانت مسؤولة عن جمع الأموال وضمان تسجيل المدفوعات على النحو السليم لدى مدير المصرف. كانت هذه النقطة مهمة لأنهم لم يسرقوا المال، لكنهم سحبوه من حساباتهم المصرفية المجمدة. ووافقت على مساعدة علي سهلي وإبراهيم بيضون، وهو المقتحم الرابع، شريطة أن يساعدوها عندما تكون مستعدة لاقتحام المصرف الذي تودع فيه أموالها.

كان بيضون على كرسي متحرك، ويحمل زجاجة مولوتوف وولاعة أثناء جمعه المال الذي أحصته كاثرين العلي، وقام بجولات حول المصرف بين الحين والآخر للتأكد من أن كل شيء تحت السيطرة.

اقتحام البنك أو الموت من الفقر

يعاني لبنان منذ العام 2019 من أزمة اقتصادية متواصلة حالت دون وصول العديد من المودعين إلى أموالهم المحجوزة في المصارف. ولم تتمكن الحكومة من سداد أي من ديونها، الأمر الذي اضطر البنوك إلى إقفال الحسابات. وأصدر المصرف المركزي قانوناً يلزم المصارف بدفع 800 دولار شهرياً للمودعين لديها، تدفع منها 400 دولار أميركي “fresh” و 200 على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد، و 200 دولار من خلال البطاقات وعلى نفس السعر لاستخدامها في السوبرماركت.

ومع انخفاض سعر الليرة اللبنانية، انخفض مستوى معيشة معظم الأسر، ولم يتمكن الناس من الوصول إلى حساباتهم المصرفية، ولم يتمكنوا من تأمين أجور مناسبة للعيش إلا إذا تم الدفع بالدولار الأميركي.

وقد دفع ذلك كثيرًا من العائلات مثل عائلة بيضون إلى البحث عن طرق بديلة لدفع الفواتير.

أخبر بيضون صحيفة ذا ناشيونال: “كان الهدف من هذه المدخرات أن نستمتع أنا وزوجتي بفترة تقاعدنا، وأن لا نكون عبئًا على أطفالنا، الذين يعانون أيضاً بسبب الأزمة الاقتصادية”.

ومثل معظم العائلات في قريتهم، باع أبناء بيضون الكثير من ممتلكاتهم، مثل الذهب والعقارات، من أجل البقاء. ولكن كما يقول خليل، ابن بيضون: “من الصعب أن تطلب من والدتك أن تبيع مقتنياتها الذهبية لأنها هدية زواج من والدك، وهي تعني الكثير للنساء العربيات”.

عمل بيضون طوال حياته كفنان خط في المملكة العربية السعودية، حيث كان يرسل من هناك جزءًا كبيراً من مكاسبه إلى البنك في لبنان ليحافظ على أمواله. وهذا ما حدث مع العديد من الأسر اللبنانية، حيث كانت المصارف تقدم أسعار فائدة عالية لمودعيها، تصل إلى 9 في المائة في بعض الحالات.

ويقول إن حسابه المجمد يحمل حوالي 130،000 دولار.

وقضى عليق شهوراً في أستكشاف السبل القانونية لسحب أمواله النقدية التي حصل عليها بشق الأنفس، بما في ذلك رفع دعاوى قضائية ضد المصارف وأصحاب المصارف. ولكن عندما وصل إلى طريق مسدود بدأ يقتنع أنهم لن يحصلوا على العدالة أبداً.

وقال: “عندما تدرك الحكومة والبنوك أن الشعب لن يقف موقف المتفرج بينما يخسر شقاء عمره ويستعد لسفك الدماء، فسوف تكتشف وسيلة لإعادة الأموال التي جناها الشعب بشق الأنفس”.

لم تكن هذه عمليته الأولى، أيضاً، حيث دعم سالي حافظ، التي اقتحمت بنك بلوم في الرابع عشر من أيلول وسحبت بالقوة 13 ألف دولار من مدخراتها التي بلغت 20 ألف دولار.

وقد نجح المقتحمون حتى الآن في تجنب أى إتهامات بفضل تشريع يسمح باستخدام القوة والقيام بهجوم في حال الدفاع عن النفس والدفاع عن الأموال.

وقد حظي معظم المقتحمين الذين يزيد عددهم عن 20 شخصاً بتأييد شعبي واسع هذا العام.

وقد شهدت العديد من هذه العمليات إحتشاد مؤيديها أمام البنك. كانوا يجلبون مكبر الصوت ويشجعون المقتحمين على البقاء في الداخل إلى أن يحصلوا على كامل المال الذي يحتاجون إليه، ويضغطوا على قوات الأمن لحل الواقعة دون استعمال القوة.

ويرى بعض المحامين إن أشخاصاً مثل علي عليق يسيئون إستخدام قانون العقوبات ويعرضون حياة الناس للخطر، وقد أدى نجاح اقتحام إبراهيم حافظ، بدوره، إلى رفع مكانة عليق، ويقول إن المزيد من المودعين كانوا يتواصلون معه لمساعدتهم في التخطيط لعملية الاقتحام.

في الثالثة من صباح 3 تشرين الثاني، بعد 16 ساعة طويلة من بدء القوات الخاصة للجيش اللبناني في محاصرة المصرف، أبرم عليق والعقيد بلال محفوظ صفقة وأطلق سراح الرهائن، وكان الحل الوسط هو أن يسلم علّيق والمودعون أنفسهم، شريطة أن يتمكنوا من الاحتفاظ بالأموال التي أخذوها من المصرف، وكان الشرط الآخر هو عدم الاعتداء على المودعين وعلّيق أمام الناس والمنظمات الإخبارية في الخارج.

وقبل أن يفتح عليق وسهلي الأبواب، قال المحامي للرهائن: “أعلم أن الصفقة التي ابرموها معنا ربما تكون كذبة، لكنني موافق بغض النظر عن ذلك، لأننا قد احتجزناكم لفترة طويلة ولا نريدكم أن تعانوا أكثر من ذلك”.

ووعد سهلي مدير المصرف بالشوكولاتة والزهور قائلا إنه “لم يكن لديه خيار آخر”.

وقد اقتيد المودعون برفقة قوى الأمن إلى خارج البنك، وهم موقوفون منذ ذلك الحين في قصر العدل في بعبدا.

واحتجز عليق وبيضون لمدة ستة أيام، وسهلي وكاثرين العلي لمدة ثمانية أيام. وغادر سهلي المصرف بمبلغ 641 18 دولاراً.

يقول بيضون أنه ليس نادماً على شيء، وقد سدد معظم ديونه بمبلغ 37،283 دولاراً من الأموال التي تمكن من سحبها ومع بقاء 5،000 دولار في حوزته، ويرغب بشراء الأدوية ودفع الفواتير الطبية.

/حسان الأمير- ذا ناشيونال نيوز/

اترك ردإلغاء الرد