دولة تعاني الحصار والعقوبات ولكن
فنزويلا تشبهنا في مسائل الفساد والبيروقراطية
/رائد الخطيب- وكاملة رعد/
الحوار حول الاتفاق النفطي، بين لبنان ودولة الاحتلال، بات بمثابة خبزٍ جديد للبنانيين، منذ الإعلان عن التواصل إلى اتفاق، بات الأمر حديثاً من أعلى الهرم إلى أسفلهِ، يشمل ذلك كل المقاهي التي تشمل المثقفين دون استثناء، وحتى أولئك الذين لا يملكون الثقافة النفطية أو الاقتصادية والمالية، يحللون كل التداعيات التي ستنجم هذا الاتفاق، والذي بمثابة جائزة أرضت الجميع، من يائير إلى عون، وكذلك السيد نصر الله، الذي لم يخفِ فرحته، وحتى آموس هوكشتاين، لم يخفِ فرحته، وقد نشر موقعنا ردود الفعل من عواصم القرار والقيادات.
معظم التحليلات تدور في فلك الآثار التي ستنجم عن الاتفاق، حول أسعار الصرف الدولاري الذي يواصل ارتفاعه نحو ٤٠ ألفاً لكل دولار، نحن نتخبط في أزمة عظيمة منذ تشرين الأول ٢٠١٩، كذلك يتحاور الجميع حول إن كانت منظومة الفساد سيبقى لها اليد الطولى في الإمساك بالملف النفطي، وهل نحن سنذهب إلى حالة فنزويلا؟!.
يروي صديق على الطاولة الذي عاش ما بين فنزويلا وكوراساو، إلى أن الفساد ليس هو العامل الأساس في الحالة الفنزويلية، بل الحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية، ماذا قال صديقي؟!
“من الأخير، خير الكلام ما قل ودل، مات هوغو شافيز ماتت فنزويلا، من بعد شافيز لم يجد الأميركي البشع رئيساً فاشلاً اكثر من الرئيس الحالي مادورو، حيث أصبحت فنزويلا قاعدة خلفية لبعض الدول المارقة، بتشجيع ودعم من المستشارين الفنزويليبن، الذين ينفذون خارطة الطريق الاميركية والنتيجة نفط فنزويلا لن يكون لفنزويلا كما قال الرئيس الراحل هوغو شافيز بل سيكون نفط فنزويلا للاميركي والايراني والاسرائيلي”.
يضيف “دون أدنى شك، الثمن يدفعه الشعب الفنزويلي ولا أحد غيره، لمستشارين يعيشون بنعيم مع قرطة الحرامية، كما يحصل في لبنان، ولطالما تحدثت منذ سنوات ان سعر الصرف للدولار الاميركي في لبنان سيتجاوز ٣٠ الف ليرة وقرأتها منذ زمن ذاهبون باتجاه الانهيار والتجربة الفنزويلية سيدة الموقف، بل سنتجاوز فنزويلا بالانهيار، فنزويلا لديها آلاف الآبار النفطية ومناجم الذهب والألماس والفضة والفوسفات والنحاس والحديد والفحم والاف الينابيع للمياه الحلوة وربع غابات الأمازون بما معناه مدخولها اليومي اكثر من ملايين الدولارات، ورغم ذلك انهارت بسبب الحصار الأميركي والفساد الأميركي الفنزويلي، السؤال الكبير ماذا يملك لبنان من موارد مالية مقارنةً بفنزويلا؟”.
يختم الصديق اللبناني “سبقنا فنزويلا بالفساد، ولم يتم حجز اموال الفنزويليين، من قبل اصحاب المصارف والدولة، كما حصل في لبنان”.
فنزويلا والنفط
تتمتع فنزويلا بأكبر احتياطات من النفط في العالم، لكن رغم ذلك فشلت في الاستفادة من هذه الثروة النفطية، وسط مزيج من المشكلات سواء السياسة أو الاقتصادية، فضلًا عن تعرّض البلاد لعقوبات أميركية قاسية.
وحدة أبحاث الطاقة أجرت استطلاعًا أوضح أنه ليس هناك اتفاق بين الخبراء حول كمية الاحتياطات النفطية الفنزويلية، إذ يشكّك عدد من الخبراء -أغلبهم جيولوجيون- بصحة أرقام الاحتياطات، وآخرون يشككون في إمكان استخراجها، حتى لو كانت الأرقام صحيحة.
وشهدت هذه الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية -والبالغة مساحتها ٩١٦ ألف كيلومتر مربع- تراجعًا كبيرًا في إنتاجها النفطي خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب المشكلات السياسية والاقتصادية التي عانت منها البلاد، ونتيجة التدخل الحكومي في شؤون شركة النفط التابعة للدولة، وتحويل الشركة إلى “بقرة حلوب”، دون إطعامها، فأصابها الهزال والمرض والجوع، لدرجة أنها تستعين بشركات إيرانية للقيام بأعمال الصيانة والإصلاحات، بما في ذلك مصفاة أموي -أكبر مصفاة في البلاد- والتي توقفت منذ أيام (تحديدًا في ٢ تموز ٢٠٢٢)؛ بسبب حريق شبّ فيها.
وشهد إنتاج النفط تراجعًا مستمرًا منذ الانقلاب العسكري الفاشل في ٢٠٠٢ وحتى عام ٢٠٢٠، ثم تحسّن قليلًا بعدها، فبعد أن تجاوز إنتاج فنزويلا ٣ ملايين برميل يوميًا في ٢٠٠٢، انخفض باستمرار ليصل إلى نحو ٢.٣ مليون برميل يوميًا نهاية ٢٠١٥.
ومع تدهور الوضع الاقتصادي ثم العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، على فنزويلا، ثم انتشار فيروس كورونا، انهار الإنتاج ليصل إلى أقلّ من ٤٠٠ ألف برميل يوميًا منتصف ٢٠٢٠، إلّا أنه انتعش بعد ذلك، إذ وصل إلى ٧١٧ ألف برميل يوميًا في حزيران الماضي، وفقًا لتقرير أوبك الشهري.
وبانخفاض الإنتاج، عانت فنزويلا -أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة أوبك- من أزمات اقتصادية طاحنة، لتصبح من أصغر اقتصادات أميركا الجنوبية، رغم ثرواتها النفطية الضخمة.
وتاريخيًا، كانت الولايات المتحدة وجهة صادرات فنزويلا من النفط، لكن تراجعت عن هذه المكانة مع مقاطعة النظام الفنزويلي وفرض عقوبات ضد القطاع النفطي، لتكون أوروبا حاليًا الوجهة الأكبر للخام الفنزويلي، إلى جانب بعض الدول الآسيوية مثل الهند والصين وماليزيا.
وتُشكّل إيرادات النفط نحو ٩٩ في المئة، من عوائد الصادرات التي تحققها فنزويلا، كما تشير البيانات المتاحة على موقع أوبك الرسمي.
وتشير بيانات منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) إلى أن قيمة صادرات فنزويلا في المجمل بلغت ٩.٩٩ مليارات دولار في عام ٢٠٢١، من بينها ٨.٨١ مليارات دولار عوائد صادرات النفط والمنتجات النفطية.
أيها اللبنانيون
اذاً، أيها اللبنانيون لا تفرحوا بلقب “دولة نفطية” ، فقبلكم فنزويلا فرحت كثيراً، حيث كانت فنزويلا أغنى اقتصاد في أميركا اللاتينية، بفضل احتياطاتها النفطية التي يقال إنها الأكبر في العالم.
ولكن، وفي ظل حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز – الذي توفي في عام 2013 – خلفه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، حيث أدى الفساد وسوء الادارة والمديونية الكبيرة الى انهيار اقتصاد البلاد.
بدأت أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية في فنزويلا في عام 2010 تحت رئاسة هوغو تشافيز واستمرت تحت الرئاسة الحالية لنيكولاس مادورو. الوضع الحالي هو أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ فنزويلا وأحد أسوأ الأزمات في الأميركتين، مع تضخم جامح وارتفاع الجوع والمرض والجريمة والوفيات والهجرة الهائلة للبلاد.
يقول المراقبون والاقتصاديون، إن الأزمة ليست نتيجة صراع أو كارثة طبيعية، بل عواقب السياسات الشعوبية التي بدأت في ظل الثورة البوليفارية لإدارة تشافيز، مع ذكر مؤسسة بروكينغز بأن “فنزويلا أصبحت بحق مثالاً رئيسًا على الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية والحكم غير الديمقراطي إلى معاناة واسعة النطاق”.
و اليوم دخلت فنزويلا تاريخ التضخم اللامعقول بمليون في المئة، والتضخم الجامح مصطلح يستخدم للدلالة على ارتفاعات شديدة ومتسارعة في الأسعار تجعل القياس المعتاد لمعدل التضخم بدون معنى.
ويقول المسؤول في صندوق النقد الدولي روبرت رنهاك إن فنزويلا “من أشد حالات التضخم الجامح التي شهدناها منذ مطلع القرن العشرين تقريباً”.
ومن بين الظواهر التي توضح الصورة في فنزويلا أن المواطنين باتوا يلجؤون إلى مقايضة السلع بعدما فقدت النقود قيمتها ووظيفتها، وبثت وكالة رويترز صورا لمواطنين يقايضون كمية من الأسماك الطازجة بأكياس من الدقيق.
وذكر الكاتب نيكولاس غالنت أنه وفقا لمدير الدراسات الاقتصادية في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة الفرنسي إريك دور، فإن الأزمة في فنزويلا تعتبر “استثنائية من حيث الحجم وآثارها الإنسانية والديموغرافية على حد سواء؛ إذ تعاني البلاد من هجرة هائلة، لأن سكانها يعانون من الجوع ومحرومون من الأدوية”.
وعلاوة على النقص الخطير في الضروريات الأساسية، يواجه الفنزويليون أيضا صعوبات متعلقة بمجال النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لموارد البلاد.
قد يُجادل البعض بأن فنزويلا تمتلك أكبر احتياط من النفط في العالم، وبأن العقوبات والمقاطعة الاقتصادية بحقّها لم تبدأ إلا بعد ما عُرِف بـ”اجتماع دول ليما” في آب من العام 2017، بالتالي ليس هناك من ذريعة تبرّر حال الفشل الاقتصادي المُريع التي وصلت إليها، سوى سوء الإدارة الحكومية لثروات البلاد الضخمة، لكن التدقيق في الحال الفنزويلية، يظهر أن العقوبات الاقتصادية الأميركية لم تكن سوى المرحلة الأخيرة من مراحل الحرب الاقتصادية التي شنّتها واشنطن ضد كراكاس، والتي استهدفت صناعة النفط فيها، وأدّت بالنتيجة إلى خفض عائدات البلاد من تصدير النفط اليوم إلى 20 في المئة فقط مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق “هوغو تشافيز”، ما ألحق ضربة قاصمة بالاقتصاد الفنزويلي المُعتَمِد على تصدير النفط بنسبة 96 في المئة.
اقتصاد يفتقر للتنوع
فنزويلا دولة غنية بالنفط، حيث قدرت احتياطاتها المؤكدة بنحو 303 مليارات برميل نهاية سنة 2017، وفقا لما أفاد به الأستاذ في مدرسة غرونوبل للإدارة جورج فانيل.
لكن من ناحية أخرى، دفعت وفرة الذهب الأسود الرئيس السابق هوغو تشافيز إلى المراهنة أكثر على النفط، على حساب قطاعات اقتصادية أخرى. ونتج عن ذلك اقتصاد غير متنوع بما فيه الكفاية، حيث يمثل النفط 90 في المئة من حصيلة صادراته، حسب إيريك دور. وأدت تقلبات أسعار النفط إلى تراجع حاد للناتج المحلي الإجمالي وعائدات البلاد بشكل حاد.
ويشير الخبير إريك دور إلى أن هذه التبعية للنفط تشكل مشكلة بالنسبة للاقتصاد، فضلا عن أن إدارة الاقتصاد سيئة للغاية لدرجة عدم صيانة المنشآت النفطية ومصافي البلاد.
إذاً، فإنّ غنى بلدٍ ما بالحقول النفطية و الغازية ليس كافياً ليكون إقتصاده مزدهراً و شعبه مرفّهاً، ها هي فنزيلا التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم ترزح تحت خط الفقر و تعاني ويلات اقتصادية لم يشهدها التاريخ، إنّ حسن وسوء إدارة إقتصاد البلاد هو المعيار الأساسي لمدى ازدهاره، وعندما ينخر الفساد جميع مفاصل الدولة و يتحول جشع السلطة إلى رغبة لامتناهية لن ينجح أكبر بئر نفط في انتشالها من الحضيض.
الى اليوم يصفقون لاتفاق ترسيم الحدود البحرية ويصدرون التعاميم و التبريكات مهنئين بعضهم بإنجازٍ قد يموت قبل أن يولد بوجود سلطةٍ لا ترى في هذا الاتفاق سوى فرصة جديدة للمحصاصة و الزبائنية.
قبل أي خطوة نحو الحفر و التنقيب لا بدّ من إعادة النظر في هذه السلطة و لا بد من خطة تعافي ترفع لبنان إلى ما فوق الصفر و لو بفترٍ واحد، و بعدها لكل حادث حديث.
