الغموض يكتنف مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان
خطط مثيرة للجدل لترحيل آلاف اللاجئين كل شهر

/ترجمة علاء مهدي الشهاب – الرائد نيوز/

في عالم غير متعاطف على نحو استثنائي تجاه اللاجئين السوريين، تعمل مبادرة الحكومة اللبنانية الأخيرة مع دمشق على دفع الجهود الرامية إلى ترحيل النازحين إلى سوريا بسرعة.

والواقع أن المساعي الرامية إلى إعادة عشرات الآلاف من الناس إلى منطقة حرب مستمرة، تنشط فيها الغارات الجوية، وقمع أجهزة الاستخبارات والأمن، والانهيار الاقتصاد، تسلط الضوء على الحالة الأليمة التي بلغتها العلاقات بين لبنان وسكانه من النازحين.

وسيكون لهذا التدهور وما يسمى بخطة إعادة السوريين أثر كارثي على النازحين في لبنان، على افتراض أن الخطة ستنفذ في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها، مما يثير تساؤلات هامة حول مستقبل ملايين السوريين الذين يواجهون الاضطهاد عند عودتهم.


خطة لبنان لترحيل السوريين

وفي 15 آب اجتمع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف في دمشق مع عصام شرف الدين وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، لمناقشة خطط إعادة السوريين إلى وطنهم.

وقد جاء الاجتماع بعد أشهر من الخطاب العدائي المتزايد الذي تضمن الإعلان عن الخطة في 6 تموز والتهجم على المجتمع الدولي بشأن اللاجئين السوريين، حيث زعم العديد من المسؤولين اللبنانيين بأن المؤسسات الدولية وقادة العالم قد تركوا بيروت عاجزة في مواجهة أزمة يمكن معالجتها.
“لقد كان لبنان ينتهج سياسة العودة القائمة على الإكراه، حيث هيأ بيئة عدائية تجاه النازحين فلم يعد أمام [السوريين] خيار سوى العودة إلى سوريا”
وذكرت التقارير أن لبنان والنظام السوري قد أعدا خطة لإعادة 15،000 لاجئ سوري كل شهر، بهدف طرد معظم أو كل اللاجئين في السنوات المقبلة. وقال شرف الدين إن حكومته لديها أسماء وأماكن النازحين السوريين في لبنان، ووعد “بإعادتهم حسب الأحياء التي يقمون فيها”. وكانت مثل هذه الخطط والمحادثات جارية منذ عام 2020.

وبغض النظر عن ذلك، من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ مثل هذه الخطط في ضوء الوضع المتهالك لاقتصادات ومؤسسات كلا البلدين. علاوة على ذلك، تبقى الكيفية التي يمكن بها لجهود لبنان لإعادة 15،000 لاجئ في الشهر أن تخفف من الأزمة الحالية في البلاد غامضة في أحسن الأحوال، بالنظر إلى أن إعادة ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري مسجل وغير مسجل بالمعدل المذكور قد تستغرق عقودا.

ان الاجوبة عن اسئلة كهذه غير متوفرة. يقول شرف الدين وشخصيات سياسية لبنانية عديدة إن اللاجئين السوريين يشكلون عبئا غير مقبول وغير عادل على لبنان في وقت يشهد فيه البلد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث. مأكدين بأن سوريا آمنة ومستقرة بالنسبة للعائدين، بالإشارة إلى ضمانات الحماية التي تقدمها دمشق لأولئك الذين يعودون.

وهذه الحجج تطلع العنان للخيال. فمن ناحية، يقدم المجتمع الدولي وليس الحكومة اللبنانية المساعدات والخدمات للسوريين. ويرفض لبنان تقديم أبسط الحقوق، وليس الأمر مقتصرا على السكن وتصاريح العمل.
عند العودة، واجه العائدون السوريون اضطهادا وحشيا، على افتراض أنهم وصلوا إلى بيوتهم عند محاولة الدخول، لأن النظام السوري لا يرغب بعودة عدد أكبر مما يلزمه لخلق وهم بأن الحرب قد انتهت.

والواقع أن الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاخفاء القسري على أيدي المخابرات السورية هي الممارسات الأبرز التي يواجهها أغلب العائدين إلى سوريا. ناهيك عن القتال الدائر والوضع الاقتصادي المشلول في سوريا، حيث يعيش نحو 14.6 مليون شخص (90 %) في فقر.

وتسلط إليزابيث تسوركوف، الزميلة غير المقيمة في معهد الخطوط الجديدة، وهو مركز بحثي مقره العاصمة واشنطن، الضوء على هذه الديناميكية قائلة
“إن سوريا تمر بأزمة اقتصادية حادة، كما ينتشر الجوع على نطاق واسع، ولكن التهديد الرئيسي الذي يواجه العائدين يتمثل في الفروع المختلفة لأجهزة المخابرات السرية التابعة للنظام. وقالت لنيو أرب “تقوم إدارة المخابرات السورية بمراجعة قوائم الأفراد الذين يعبرون عن رغبتهم في العودة، وترفض عودة بعض الأشخاص الذين يمنعون أساسا من العودة إلى وطنهم”.

“حتى الأفراد الذين تمت تبرأتهم من قبل أجهزة المخابرات يتم اعتقالهم، وذلك بسبب بعض المخاوف الأمنية التي تنشأ، أو التقارير الكاذبة من قبل المخبرين، أو بغية إبتزاز أسرة المحتجز و الحصول على رشوة.

ويصف شرف الدين مثل هذه الحقائق بأنها لا شيء سوى “حملة إخافة”، مستشهدا من جديد بضمانات الحكومة السورية حتى تلك التي تقدمها لأعضاء المعارضة. كما أنه يهاجم بانتظام مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بسبب رفضها إعادة توجيه مساعدات اللاجئين إلى سوريا، وهو ما يقول إنه يردع اللاجئين عن العودة. لا شك بأن مخاوف السوريين من التعرض للتعذيب والموت لا علاقة لها برفضهم العودة من وجهة نظر شرف الدين.

لا تتفق نادية هاردمان الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة هيومن رايتس ووتش، مع تقييم شرف الدين، مستشهدة بتقرير المنظمة المعمق لعام 2021 حول هذا الموضوع. “الظروف ليست آمنة للعودة. وليست هناك حياة قد يكون هذا هو الحال في أي وقت قريب. لا تزال سوريا الأسد هي سوريا نفسها إلى حد كبير التي فر منها اللاجئون في المقام الأول، ولا توجد خيارات لضمان العودة الآمنة والكريمة والطوعية.

وهذا مقلق بشكل خاص عندما نفكر في تصرف لبنان من جانب واحد، برفضه التشاور مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حول هذا الموضوع. وتشكل هذه الأعمال صفعة في وجه المؤسسات الدولية، وتنتهك التزامات بيروت إزاء إتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي تحظر الترحيل إذا كانت هناك معلومات عن تعرض الأفراد للتعذيب.

وتتفق هاردمان على أن انتهاك بيروت الصارخ لالتزاماتها الدولية أمر محوري في السياق الحالي.

“إن هذا القرار الأحادي الجانب الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بتيسير عودة السوريين لم يتخذ بالتشاور مع اللاجئين السوريين أنفسهم، ونأمل الآن أن يكون مجرد خطة. لكن من شأنه أن يمثل إنتهاكاً لإتزامات لبنان الدولية بعدم إعادة الأشخاص إلى مكان يواجهون فيه انتهاكات لحقوق الإنسان أو تهديدات خطيرة لحياتهم.
تشهد سوريا أزمة اقتصادية حادة، كما أن الجوع آخذ في الانتشار على نطاق واسع، لكن التهديد الرئيسي للعائدين هو الفروع الأمنية المختلفة التابعة للنظام.

دوافع لبنانية

الجواب المحتمل على موقف شرف الدين، إلى جانب الدعم المتزايد للخطة والتأكيد على أمان وسلامة سوريا من قبل المسؤولين السياسيين الرئيسيين مثل الرئيس اللبناني ميشال عون، مرتبط بالتحالفات السياسية في لبنان.

شرف الدين هو عضو في الحزب الديمقراطي اللبناني، وهو حزب علماني لكنه مدعوم إلى حد كبير من الدروز، وله عضوية في تحالف 8 آذار اللبناني. فهذا الحزب والتحالف مواليان للنظام السوري إلى حد كبير، كما أنهما رفضا ثورة الأرز وعارضا الانسحاب السوري من لبنان.

ويشمل أعضاؤها “حزب الله” اللبناني – وهو مؤيد رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد – و”التيار الوطني الحر” الذي يرأسه عون. هذا التنظيم صديق بطبيعته لنظام الأسد، وهو مستعد لتكرار سردياته، خاصة أن إلقاء اللاجئين السوريين ككبش فداء يصرف انتباه الشعب اللبناني عن إخفاقاته العميقة وفساده.
تذكر هاردمان: “انه أمر سهل”. “يقال ان التوترات الاجتماعية تتصاعد بين اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة، وان سياسة الحكومة هي إذكاء هذه التوترات لصرف النظر عن سوء الادارة.” وفي الواقع، كون لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، فإن الأزمة التي طال أمدها “لا ينبغي لها أن تبرر المعلومات المضللة ورمي اللاجئين السوريين ككبش فداء”.

ومن عجيب المفارقات هنا أن جهود الحكومة اللبنانية تبدو قصيرة النظر. حيث يتلقى اللاجئون السوريون مساعدات زهيدة من وكالات الأمم المتحدة بالليرة اللبنانية، وتحويلات مالية من ذويهم بالخارج بالدولار وهي عملة أجنبية مطلوبة بشدة لتحقيق الاستقرار للاقتصاد اللبناني.

وبوسع بيروت أن تستفيد من وجود اللاجئين لديها ومن المؤكد أنها تفعل ذلك بالفعل من أجل تهدئة القضايا النقدية الطويلة الأمد التي أنتجت واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث بمقاييس البنك الدولي. ناهيك عن العمالة الماهرة جدا التي يمكن أن يوفرها اللاجئون السوريون وسط هجرة العقول اللبنانية المتنامية والسريعة في جميع أنحاء البلاد.

وبدلا من ذلك، تختار بيروت الضغط على اللاجئين السوريين بينما تسرق من المجتمع الدولي مساعدات بمئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

قد قبل عدد قليل من السوريين العودة إلى سوريا بسبب الخطر الذي يواجهونه في بلادهم من نظام الأسد.

كما تقول هاردمان: “كان لبنان ينتهج سياسة العودة القسرية، حيث هيأ بيئة قسرية لم يبق فيها أمام [السوريين] خيار سوى العودة إلى سوريا”.

“إن غالبية السوريين لا يتمتعون بوضع قانوني في لبنان، وبالتالي فهم معرضون بشكل كبير للاعتقال والترحيل العشوائيين بموجب قانون صدر في عام 2019 يسهل ترحيل اللاجئين السوريين. ويعيش السوريون عموما خارج مدى شبكة الكهرباء في مخيمات غير رسمية دون خدمات أساسية، كما أنهم يعانون من فقر مدقع بسبب التدهور الكارثي للاقتصاد اللبناني.

وهذا هو الواقع بالنسبة للعديد من المهاجرين، وهو تناقض غريب حيث يستطيع العديد من المهاجرين أن يقدموا فيه ربحا صافيا للدولة المضيفة، في حين يرفض هذا البلد المضيف في الوقت نفسه المهاجرين على أسس عرقية غير أخلاقية لتسجيل نقاط سياسية. وبيروت ليست إستثناء، فقد سلكت هذا الطريق لتتجنب أوجه القصور فيها ولتتجنب تكرار نزوح المجتمعات الفلسطينية في جميع أنحاء البلاد.

نظرة السوريين للمستقبل

الحقيقة المؤسفة بالنسبة للسوريين والتي يحاول العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان تسليط الضوء عليها منذ سنوات هي أن الدول المضيفة أعربت وبشكل متزايد عن عدم رغبتها بمواصلة دعم أعداد هائلة من اللاجئين السوريين.

أما بالنسبة إلى لبنان، فقد وصل إلى الذروة لجهة الاستهتار بحياة الناس وتقديمهم ككبش فداء وسط التطلعات السياسية والمخاوف بين قادته. ومن الصعب التخفيف من حدة هذه الحقائق في الوقت الذي تساوم فيه الحكومة اللبنانية على حياة السوريين.

“إن الظروف المعيشية للسوريين في لبنان كارثية إلى حد هائل فأغلبهم يعيشون في فقر مدقع. وفي كل شتاء، يتجمد اللاجئون الذين يعيشون في المخيمات حتى الموت أو يحرقون أحياء بسبب محاولات البقاء دافئين. ومع ذلك، فإن قلة منهم قبلت العودة إلى سوريا بسبب الخطر الذي يواجهونه في وطنهم من قبل نظام الأسد، الذي ينظر إلى قطاعات كبيرة من السكان قبل الحرب على أنهم غير موالين أو أعداء كما يقول تسوركوف.

“إنه أمر سهل. كما أفادت التقارير الواردة أن التوترات الاجتماعية تتصاعد بين اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة، وأن سياسة الحكومة هي إذكاء تلك التوترات لصرف الشعب عن سوء الإدارة.
“وبالتالي، لا يمكن للسلطات اللبنانية أن تجد 15 ألف سوري على إستعداد للعودة شهريا. ونظام الأسد نفسه غير حريص على الترحيب بعودة هؤلاء اللاجئين والتعامل مع الصداع الأمني. فإذاً يبدو من غير المرجح أن تتحقق هذه الخطة.

والواقع أن الخطة ليست عملية. وفي حين أنه من الصعب معرفة كيفية إستجابة السوريين في لبنان في حال تم سن القانون، فإن المصالح السياسية – لا سيما في ضوء الانتخابات الرئاسية اللبنانية المقبلة – تميل إلى تحقيق نتائج سيئة بالنسبة إلى النازحين. ولكن من المؤسف أن السياق لا يترك سوى أقل القليل من الإجابات ولكن لابد من مراقبته عن كثب.

ومع ذلك، هناك سبل للتخفيف من المخاطر على اللاجئين السوريين. من المهم للغاية مواصلة وتوسيع الدعم المباشر للسوريين في لبنان وفي جميع أنحاء العالم. ويعد التركيز أمرا أساسيا في هذا الصدد، مصحوبا بالدعم القوي للقوانين والأعراف الدولية التي تحمي النازحين.

وفي موازاة ذلك، يجب تذكير لبنان بالتزاماته، وإذا لزم الأمر، تقديم دعم واضح جدا يرتبط بإصلاحات لا تقوض خطة كبش الفداء السياسي فحسب، وإنما تتيح أيضا لساسته القدرة على القيام بإصلاحات ملموسة لحياة الشعب اللبناني.

/ألكسندر لانجلوا _ذا نيو أرب/

اترك ردإلغاء الرد