“سِفر الخروج”: تكلفة النزوح بميزان الحب أو الكراهية كل سوري في لبنان يكلّف ٢٠٠٠ دولار سنوياً

/إعداد فريق الرائد نيوز/

خلال مؤتمر دعم مستقبل سوريا والمنطقة الذي انعقد في بروكسل، أيار الماضي، أوضح وزير خارجية لبنان عبد الله بوحبيب، قبل أن تتحول حكومته إلى حكومة تصريف أعمال: أن “النازحين السوريين المقيمين في لبنان يكلفون ٣ مليارات دولار سنوياً”.
وقد كلفوا لبنان نحو ٣٣ مليار دولار خلال ١١ عامًا، منذ بداية الحرب الأهلية السورية، معظم النازحين السوريين ليسوا نازحين سياسيين بل اقتصاديين.

يقيم في لبنان نحو ١.٥ مليون نازح سوريًا حاليًا بالإضافة إلى أقل من نصف مليون فلسطيني، وهو ما يمثل حوالي ثلث عدد السكان اللبنانيين المقيمين. وبحسبة بسيطة يكون كل نازح سوري قد كلف دولة لبنان ٢٢٠٠٠ دولار خلال ١١ عاماً، اي ما معدله ٢٠٠٠ دولار سنوياً.

لا شيء يؤكد أو ينفي هذه الأرقام، غالباً في بلدٍ مثل لبنان ما تصبح الأرقام، عرضةً لرياح الحب أو الكراهية، وكذلك في موضوع النازحين السوريين، إمّا معهم أو ضدهم، الأرقام المالية حول السوريين تكال بميزان الحب والكراهية، غالباً المصالح ما تستخدم مثل هذه الموازين، بعض الأصوات تقول إنّ حجم الخسائر من جراء النزوح السوري ٢٠٠ مليار دولار، وهناك من يزيد وهناك من يُنقص، الكل عنده المنطلقات الذاتية، ليبرهن تلك الأرقام، لكن من يملك الحقيقة؟!

بداية النزوح
منذ بدء الحرب السوريّة كان لبنان أقرب البلدان التي التجأ إليها السوريون، تعادل مساحة سوريا البالغة ١٨٥.١٨٠ كم مربعًا، ١٨ ضعفًا من مساحة لبنان الصغير المشهور ب ١٠٤٥٣ كم مربعًا.
أصحاب الأموال وتجّار سوريا القدامى كان نصيبهم أثمن من اللجوء إلى لبنان، معظمهم ممن نجا بماله وعياله قصدَ تركيا ومصر وغيرها من دول الخليج، وبدأوا أعمالهم من الصفر وعادوا الآن من أصحاب الملايين.
يقدر عدد سكان سوريا ب ٢٢ مليون نسمة قبل اندلاع الحرب، حسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان عام ٢٠٢٠. فرَّ أكثر من نصفهم من بيوتهم بعد الحرب. ويبلغ عدد المهجرين داخل البلاد نحو ٦.٧ ملايين شخص، يعيش كثير منهم في مخيمات، في حين سُجل ٥.٦ ملايين آخرين كنازحين في الخارج.

لبنان والأردن وتركيا يستضيفون نحو ٩٣ في المئة من السوريين، ويعانون لاحتواء هذا العدد الكبير منهم، بحيث يوصف بأنه أكبر موجة نزوح في التاريخ الحديث. وقد ولد مليون طفل سوري في بلاد اللجوء.

بدأت أزمة النزوح السوري للبنان عام ٢٠١١ ولكن السنة التي شهدت أكثف موجة نزوح للسوريين كان عام ٢٠١٢ حيث اشتدت رحى الحرب في سوريا، فحاول جميع من هرب منها أن ينجو بأهله ومابقى من عائلته، وحسب الأمم المتحدة فإنه وحتى أواخر عام ٢٠١٥ سُجِّلَ في لبنان مليون ومئتيّ ألف نازح سوريّ على أراضيه، من جهتها تقدر حكومتنا في لبنان أن عددهم فاق مليونًا وخمسمئة ألف نازح ٨٣٩.٠٨٦ منهم فقط مسجلين في الأمم المتحدة نزحوا إلى بلدٍ صغير المساحة كثير الأزمات.

٣٩ في المئة منهم في البقاع، ٢٧.٣ في المئة شمال لبنان، ٢٢.٧ في بيروت وضواحيها، ١٠.٩ في الجنوب وهي أقل نسبة.
بينما عدد النازحين في تركيا لم يتجاوز ال ٦٠٠ ألف.

لا شك أن الأعداد الهائلة من السوريين كان لها الأثر الكبير على بلدٍ صغير كلبنان فمن التقديمات المالية للنازحين كان ما منحته الأمم من طبابة للسوريين ومبلغ مالي لكل شخص من أفراد العائلة كان قديمًا ٦٧.٥٠٠ ليرة لبنانية أي ٤٥ دولارًا قبل أزمة الدولار وصعوده، ثم بات المبلغ اليوم هو ٥٠٠ ألف ليرة لبنانية لكل شخص بالإضافة إلى مساعدة شتوية من مادة (البنزين).

وقد بدأت المؤسسات الخاصة تقديم منح للسوريين لإكمال دراستهم في الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية، مما شكل أيضًا ضغطًا على الطلاب اللبنانيين، كما في المدارس.

يعمل السوريون في أغلب المجالات في لبنان بعضهم بالزراعة، وبعضهم في محالِ السمانة، وقسم منهم يعمل عن بعد، ويقوم السوريون بتجديد أوراقهم كل ستة أشهر على حساب الأمم مما يستهلك كهرباءً وأوراقًا وحبرًا للطباعة ناهيك عن الوقت المُستغرَق، وهناك قسم كبير منهم دون أوراق ممن يعيشون في المخيمات.
أما قسم آخر منهم فهو يعتمد على الحوالات التي تصله من الخارج سواءً من الأهل أو الأقارب وهذه التحويلات تقوم الدولة بخصم ٢ في المئة منها عن كل ١٠٠ دولار
ومع بداية الأزمة اللبنانية، وارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس ٣٣ ألفًا للدولار الواحد، فمن المؤكد أن يكون لذلك تبعاتٌ على البلد وأهله ونازحيه، فارتفاع نسبة الفقر في لبنان وغلاء الأسعار كل ذلك أثر على الوضع ككل.

تكلفة النزوح السوري على لبنان؟
في ٥ نيسان ٢٠٢٢، قال الخبير الاقتصادي عماد عكوش، للصحف، أن “التكلفة الاقتصادية للنزوح السوري على لبنان كبيرة جدا وتقدر بنحو ٢ ملياري دولار سنويًا، أي ٢٢ مليار دولار في السنوات الـ١١ الماضية، وهو رقم ضخم جدا بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان”.

النزوح السوري يؤثر سلبًا على مختلف القطاعات في لبنان، وعلى رأسها البنى التحتية، “البنى التحتية في لبنان مبنية على أساس عدد سكان محدد وهي لا تحتمل أكثر من مليون شخص إضافي”.

رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق حسان دياب، قال قبل انتهاء مهمة حكومته، أن تكلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني بلغت نحو ٤٦.٥ مليار دولار حسب تقديرات وزارة الماليّة للفترة الممتدّة بين عاميْ ٢٠١١ و٢٠١٨.

حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، كان قد أعلن خلال حزيران ٢٠١٤، أنّ “اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم لبنان يشكلون عبئا كبيرًا على الاقتصاد تكلفته المباشرة على الدولة اللبنانية مليار دولار، وغير المباشرة ثلاثة مليارات ونصف مليار، بحسب ما بينت دراسة أعدها البنك الدولي”.

وقدّر البنك الدولي في العام ٢٠١٣ وبالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، الخسائر المترتّبة على الاقتصاد اللبناني من جراء الحرب في سوريا وتدفّق النازحين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، بما يقارب الـ ٧.٥ مليارات دولار، وذلك للفترة الممتدة بين ٢٠١١ و٢٠١٤.

سِفر الخروج
لدى الحكومة اللبنانية خطة “ترانسفير” للسوريين من لبنان إلى بلدهم، لا أحد يعلم متى تبدأ مراسم هذا “الترانسفير”، ومن المؤكد أن مثل هذه الخطة تريد تحقيق وفر ٣٠ مليون دولار شهرياً ونحو ٣٦٠ مليون دولار سنوياً، اذا تم اعتماد ترانسفير شهري بمعدل ١٥ ألفاً من النازحين، اي ١٢ سنة يحتاج هذا الخروج العظيم…. ولكن أغلبهم بات لبنانياً بالولادة.

اترك ردإلغاء الرد