مصير الحرب على غزة يتوقف على نتائج انتخابات نقابة المهندسين

/سامر زريق- الرائد نيوز/

منذ عدة أيام، يعاني الرئيس الأميركي من قلق عميق، أدى الى معاناته من الأرق ليلاً، حسبما كشفت مصادر مطلعة في البيت الأبيض، وذلك لترقبه نتائج انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس والشمال. العالم بأسره، بشرقه وغربه، وشماله وجنوبه، وأنسه وجنه، يترقب نتيجة هذه الانتخابات التي قد تقلب شكل العالم الذي نعرفه رأساً على عقب. وما لا يعرفه الناس، أن مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين حركة وحماس وإسرائيل توقفت بسبب هذه الانتخابات أيضاً، إذ أن كلا الطرفين يعولان على نتائجها. هذا على الرغم من أن ضيق الوقت، حال دون قدرة أعضاء لائحة “المال والأعمال” من القيام بزيارة خارجية تشمل عواصم إقليمية وعالمية، للحصول على بركتها. مع ذلك، فإن الدعم المعنوي موجود، كل ما كان ناقصاً هو “الصورة” فقط.

مسار عبثي
كل ما سبق ذكره هو خيال محض، فرضه المسار العبثي لانتخابات نقابة المهندسين في طرابلس والشمال، والتي يروج لها من قبل لائحة معينة، يمكن تسميتها بلائحة “المال والأعمال”، كأنها حرب بين “قوى الخير” و”قوى الشر”، أو كأن مصير العديد من المواضيع والقضايا العالقة في لبنان والعالم يتوقف على فوز هذه اللائحة، بما فيها القضية الفلسطينية ومآلاتها. فيما هي حجمها الحقيقي هو كحجم أي انتخابات نقابية جرت في السابق، فاز من فاز وخسر من خسر، ولا تعدو كونها من شعائر الديموقراطية في بلد الديموقراطيات المزيفة والصورية.


لماذا كل هذا الترويج لهذه الانتخابات؟ ولماذا أيضاً حملة الذم والتشويه بحق اللائحة المنافسة، ومحاولة تصوير رئيسها المرشح على منصب النقيب، تارة بأنه مرشح جبران باسيل، وطوراً بأنه مرشح حزب الله، وأطواراً أخرى بأنه ورفاقه هم في حقيقة الأمر ممثلين عن قوى الشر في هذا العالم؟ السر في المال.
فلائحة “المال والأعمال” أغدقت الأموال على كل المنصات والمجموعات الإخبارية، من أجل تشويه صورة اللائحة المنافسة بكل الوسائل المتاحة. لكن، ومن كل هذه الوسائل، اختير خطاب الكراهية لأنه الأسرع تأثيراً وانتشاراً. وبالطبع من يمكن أن يتصدر هذا الخطاب في مدينة طرابلس وجوارها إلا رئيس التيار الوطني الحر، ومن بعده حزب الله، ولا سيما إن كان المروج هو تيار المستقبل؟


منذ سنوات يواظب تيار المستقبل في كل استحقاق انتخابي، سواء كان نيابياً أو بلدياً أو نقابياً، أو حتى انتخابات لنادي كمال الأجسام أو لجنة مبنى سكني، على العزف على وتر واحد، ليصدح بنغمة واحدة ذات وجهين. “كل من لا يصوت لنا، فإنه يصوت لحزب الله، أو لجبران باسيل”. هذه هي النغمة المكررة، أو بمعنى أدق الخطاب الخشبي الممجوج. ولا غرابة في ذلك، فتيار المستقبل من سنوات أسير الأفكار “البعثية” و”العبثية” في آن معاً. وهذا ما يجعل منه حالة سياسية فريدة من نوعها، حيث يشكل مع رئيسه سعد الحريري خطان متوازيان لا يلتقيان إلا نادراً، وفي مواضع محدودة جداً. لا بل على العكس فإن التيار صار في آخر سنوات نشاط الرئيس الحريري عالة عليه، إذ أنه كان يسحب من رصيده المعنوي عوضاً أن يضيف اليه. وكم أنفق من جهد شخصي في الانتخابات النيابية عام 2018، وفي غيرها من الاستحقاقات، لتلافي الآثار الكارثية لخطاب تيار المستقبل.

الخطاب ذو الوجهين
خلال إحدى الحفلات الرمضانية التي أقامتها لائحة “المال والأعمال”، قال منسق الانتخابات في المستقبل فادي سعد أنه من “يصوت لهذه اللائحة فهو يصوت لسعد الحريري”. وهنا يبرز التجلي الأكبر للخطاب الخشبي الممجوج، فمن لا يصوت لهذه اللائحة يكون يصوت ضد الرئيس الحريري، وبالتالي ضد مصلحة السنة في البلد، وضد المصلحة الوطنية. لذا ينبغي على كل مسلم يصوت للائحة الثانية أن يراجع إيمانه.
الكلام الذي قيل، يثبت أن تيار المستقبل لم يتعلم أي شيء من دروس الماضي، وهو أساساً لم يقم بإجراء أي مراجعة لنهجه وخطابه وسياساته في السنوات القليلة قبل تجميد عمله السياسي، وليس في نية “كباره” فعلها. ولا يتوقع غير ذلك من تيار لا يزال يستخدم نفس الأدوات والأفكار ويريد تحقيق نتائج مختلفة.
المفارقة هي أن هذا الخطاب، بنفس المفردات والمصطلحات، جرى استخدامه ضد رئيس لائحة المال والأعمال، المرشح لمنصب نقيب المهندسين، وليس لمرة واحدة، بل في دورتين انتخابيتين. فحينما يترشح أي شخص باسم تيار المستقبل، أو بالتحالف معه، يصبح مرشح “الديموقراطية” و”الحريات” و”النبض الشعبي”. أما حين يترشح لأسباب انتخابية أو تقنية في مواجهة المستقبل، يصبح “عميلاً” و”خائناً” و”ناكراً للجميل”، حتى ولو كان من خريجي مدرسة رفيق الحريري. وهذا ما ينطبق على رئيس لائحة “المال والأعمال”.


زيارات، إفطارات، تسويق إعلامي وإعلاني ضخم جداً، كل هذا من أجل منصب نقيب المهندسين؟ هكذا يتساءل المراقبون. وحينما قال أحد المخضرمين بأن البحث هو عن “البرستيج” وليس عن المنصب بحد ذاته، كان ردة فعل بعض السائلين: وهل يستحق “البرستيج” كل ذلك؟ كان بإمكان من أنفق كل هذا المال صنع حضور له أبهى وأكثر رسوخاً بكثير بغير هذه الطرائق المعتمدة.

سر التحول
أحد الظرفاء قام في جلسة قهوة، كانت الحملة الإعلامية الفضفاضة للائحة “المال والأعمال” المادة الأساسية فيها، باحتساب نفقات الإفطارات وحفلات السحور وفق معدل وسطي. فخلص الى أنه تم إنفاق نحو 10 آلاف دولار بالحد الأدنى. ورغم أن رئيس اللائحة معروف بكرمه، إلا أن كم التسويق المبالغ فيه دفع بالكثير من الأشخاص الى التفكير على الطريقة اللبنانية بالمنفعة المتأتية من منصب النقيب. وبالتالي تكون حملات التسويق الفوضوية قد أتت بنتيجة عكسية.


أبعد من ذلك، فإن البعض يهمس بأن المستقبل لم يكن في صدد تبني ودعم ترشيح الرئيس الحالي للائحة “المال والأعمال”، بل كان هناك أشخاص آخرين، خصوصاً أنه سبق له الترشح والعمل ضد المستقبل فيما سبق. لكن، حصل تحول في الأمتار الأخيرة، جعل المستقبل يتبنى ترشيح رئيس اللائحة لمنصب النقيب. ويهمس بعض الخبثاء بأن السر في هذا التحول كان مادياً محضاً، ويستشهدون على ذلك بوقائع ما حصل سابقاً في استحقاقات أخرى مع أشخاص معينين، أبرزهم ما قاله نائب رئيس المستقبل الأسبق د. مصطفى علوش في هذا الصدد.
بكافة الأحوال، وحسب الكثير من المهندسين الذين وقفنا على رأيهم، وكذلك آخرين من غير المهندسين، فإن الرجل يتميز بنشاطه الدائم، وأخلاقه الرفيعة، وطريقة تعاطيه مع جميع الناس. لكن النقد هو على أسلوب الترويج، أما عن نتيجة الانتخابات، فليفز فيها من يفز، المهم أن تبقى الديموقراطية فعالة في هذا الزمن البائس. وفي النهاية فإن هذه الانتخابات مجرد استحقاق نقابي أقصى ما يمكن أن يفضي اليه تطوير النقابة نفسها، ولا يوجد أي مبرر لمنحها أكبر من هذا الحجم على الإطلاق.

اترك ردإلغاء الرد