مجموعة تفكير ومتابعة لطرابلس والشمال



/بقلم ليلى شحود تيشوري/



بعض الصمت ذل وبعض الاستسلام مهانة، والقبول بالتقهقر دائما انتحار. هذا هو حالنا عندما نسكت عن الإهمال اللاحق بمدينتنا، والذي تجاوز الخطوط الحمراء، وتخطى كل الأعراف الإنسانية بحق مناطق تستغيث من حرمان طال أمده وازداد تفاقمًا مع مرور الزمن.

كم من المرات سمعنا عن دراسات حول  النهوض بمدينة طرابلس؟ وعن استراتيجيات تنموية رسمها خبراء وجهابذة لمعالجة مشكلات الفقر متعددة الأبعاد؟ وعن احتفال أقيم هنا، ومؤتمرات عقدت هناك  بعنوان إنقاذ طرابلس من الإهمال المزمن؟
وكم من منظمة دولية تعاونت مع البلديات والجمعيات لتضيف كل واحدة منها مزيدًا من الدراسات إلى سابقاتها وكأن قدر هذه المدينة أن تبقى غارقة بين أكداس الملفات وغابات الورق وبحار الحبر وغبار الأدراج.

إذا نظرنا إلى منشات النفط في طرابلس نجد أنها فقدت دورها الذي كانت عليه سابقًا، واقتصرت أنشطتها الحالية على استيراد الفيول للصناعيين والديزل أويل للمركبات الآلية من خلال المصب وتخزينه في خزانات المنشآت ليتم بعد ذلك توزيع هذه المشتقات في السوق المحلية من خلال شركات التوزيع. وهكذا خسرت طرابلس مرفقًا يمثل عنصرًا أساسيًا في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام وفي توفير آلاف فرص العمل للمواطنين.

أما معرض الشهيد رشيد كرامي الذي وضع مؤخرًا على لائحة التراث العالمي لازال مجرد قاعات للاحتفالات والمعارض اليتيمة،  في حين أن المرفأ لم تستثمر كل مميزاته كمرفق بإمكانه أن يحدث تبدلاً نوعيًا في الحياة الاقتصادية في طرابلس والشمال.

واذا التفتنا إلى المشاريع الإنتاجية التي يتولاها القطاع الخاص نجد أنها تفتقر إلى الحوافز والتسهيلات وعناصر تخفيض تكلفة الإنتاج.

وبالنسبة إلى ثروتنا التاريخية التي تتقهقر أمام أعيننا دون صدور قرار جدي رسمي باستثمار هذه الثروة لتشكل موردًا هامًا من موارد الدخل القومي، وهل هناك كنز في لبنان والجوار يضاهي كنوز طرابلس التراثية والأثرية؟

ماذا خططنا لحل أزمة الزراعة في شمالنا لجهة الدعم وتصريف الانتاج في حين أن ثلث اللبنانيين ومعظمهم من الشمال يعتاشون من هذا الحقل زراعة واتجارًا؟ وأين الاهتمام الرسمي بمواقعنا الطبيعية في عكار وجرود المنية وهما من أكثر المناطق اللبنانية ثراء بالمواقع الطبيعية؟ ناهيك عن المناخ الصحي ووفرة الزرع والمياه؟ وأين هي محاولات المحافظة على مواردنا والتخلص من النفايات والتصدي الجدي للتحديات البيئية بكافة أشكالها؟

ليس المقصود بكل ما أوردناه أعلاه الانتقاد العبثي، كلنا مهدد إن لم يقم بدوره لأن التراجع أصبح منتظم الإيقاع وسريع.

نحن أهل طرابلس والشمال من الشعوب الحية المثقفة الواعية التي لاينقصها سوى المبادرة المنظمة وما أكثر المتحمسين المندفعين لخدمة مدينتهم، ولكن من قال إن النوايا الحسنة تكفي والانفعال وحده يؤدي المهمة؟ نحن بحاجة إلى حركة تنموية جادة، تكون بمثابة انطلاقة أبعد من الاحتجاج، ومن الأداء الشعبوي الانتهازي.

نحن نحتاج إلى وقفة صامدة مطالبين بحقوقنا في سبيل النهوض الاقتصادي لمدينة طرابلس ومحيطها ويجب أن يتم ذلك بعيدًا عن المواجهات السلبية، فكم من مواجهة إيجابية فعالة أدت إلى بناء مداميك النهوض وكم من عدائية وانفعال أدى إلى خراب البصرة.

وأنا أدعو في هذه العجالة إلى تشكيل مجموعة تفكير من النخب ومن الخبراء في شتى المجالات المعرفة، للانخراط في العمل والإنتاج تطوعًا، ولمتابعة ملفات طرابلس والشمال مع الجهات المعنية، ولعل الاضطلاع بهذا الدور هو بديل عن السياسة بصورتها الحالية التي تسودها الانقسامات والمماحكات والتي تفضي إلى مزيد من الفراغ على ساحة التنمية والإنماء في البلاد دونما أي اعتبار للصالح العام.

اترك ردإلغاء الرد