لماذا منع النظام السوري مشاركة حلفائه في الجبهة اللبنانية؟

/سامر زريق – الرائد نيوز/
في قرار فاجئ اللبنانيين، أتاح حزب الله الذي يسيطر بشكل كامل على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، لحلفائه المشاركة في المناوشات الدائرة هناك، توازياً مع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة. وحسب الكثير من المراقبين والمحللين، فإن حزب الله أراد من خلال هذا القرار، منح القتال من الطرف اللبناني بعداً وطنياً ولو بالشكل فقط.
بيد أن اللافت في الأمر أن المشاركة بدت محصورة فقط في “الإسلام السني”، مع عودة “قوات الفجر”، الذراع العسكري للجماعة الإسلامية، الى الميدان من بعد طول غياب، ومشاركة غامضة للتيار السلفي. ظهرت الى العلن عقب استهداف مسيرة إسرائيلية للقائد الميداني في كتائب القسام أبو خليل الخراز عبر مسيرة، مما أدى لاستشهاده مع أربعة أشخاص كانوا معه في السيارة. إثنان منهما من مدينة طرابلس شمال لبنان، أحد أبرز معاقل التيار السلفي، وإثنان من تركيا. بالإضافة طبعاً الى “كتائب القسام” الذراع العسكري لحركة حماس، و”سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
وكان حزب الله قد كشف عقب البيان الأول لـ”قوات الفجر”، عبر مقربين منه وصحفيين يدورون في فلكه، عن توسيع إطار “الجبهة اللبنانية”، وأنها ليست قاصرة على “الإسلام السني، بل أنها تضم أيضاً الأحزاب الأيديولوجية والعلمانية مثل الحزب الشيوعي وغيره. إلا أن ذلك لم يحصل.
لكن النقطة اللافتة، والتي يجب التوقف عندها ملياً، هي عدم مشاركة الأحزاب الموالية للنظام السوري في تلك الجبهة. وللنظام السوري العديد من الحلفاء المقربين الذي مدهم حزب الله بالأوكسيجين لمنع سقوطهم من المسرح السياسي، عقب خروج القوات السورية من لبنان في أبريل 2005.
بيد أن الأبرز من بين الحلفاء حزب البعث بفرعه اللبناني، والحزب القومي السوري الاجتماعي. فالأول خرج من قوقعته أواخر عام 2021، مع عقد مؤتمره العام في دمشق، برعاية ومتابعة بشار الأسد، رئيس المجلس القومي، وتسمية الصحفي علي حجازي أميناً عاماً جديداً. علماً أن الأخير لم يكن من منسوبي الحزب، بل صحفي متملق لحزب الله، وهو الذي وضعه في هذا المنصب.
أما الثاني، فرغم امتلاكه قاعدة جماهيرية لا بأس بها، إلا أنه تعرض للانقسام الى جناحين: واحد بقيادة ربيع بنات، وثانٍ بقيادة أسعد النائب الأسبق أسعد حردان. وكلاهما مقرب من نظام الأسد، وإن كان الأول هو من يحظى بالمشروعية حسب اللوائح.
ومع أن حجازي كشف في تصريح لإذاعة “سبوتنيك” الروسية في 15 أكتوبر الماضي “أننا أعددنا جميعاً العدة للمواجهة، وسيشارك حزب الله وحركة أمل وحزبي البعث والقومي، والكثير من القوى الوطنية”، ثم أعلن في مقابلة تلفزيونية بعدها عن تشكيل “قوات البعث”، إلا أنه لم يسجل مشاركة ولو بعثي واحد في الجبهة اللبنانية.
وكذلك الحال بالنسبة للحزب القومي، والذي كان سبق كل أذرع محور المقاومة بالإعلان عن إعادة العمل العسكري. ففي أواخر مايو الماضي، أصدر الحزب (جناح بنات) بياناً أعلن فيه عن جولة لقيادته على معسكر لـ”نسور الزوبعة” جناحه العسكري “على مسافة صفر من فلسطين”. وقال الحزب في بيانه الذي أرفقه بصور لعناصر “نسور الزوبعة” أنه جرى “إعادتها الى الميدان منذ فترة ضمن إطار عودة الحزب الى مكانه الطبيعي”.
وبالتالي فإن الأحزاب الموالية للنظام السوري كانت أكثر استعداداً وجهوزية، فلِمَ لمْ تشارك في الجبهة ولو ببيان إعلامي فقط من باب حفظ ماء الوجه “المقاوم”؟
تشير المعلومات الى أن ذلك كان نتيجة قرار من بشار الأسد قضى بمنع مشاركة أي من حلفائه في “الجبهة اللبنانية”. وأتى هذا القرار مباشرة عقب الاتصال الذي أجراه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ببشار الأسد 8 أكتوبر الماضي لـ”مناقشة التطورات في الأراضي الفلسطينية”، حيث كشفت التقارير والتسريبات عن تحذير بن زايد للأسد من مغبة اشتراكه أو أي من حلفائه في “محور الممانعة” في القتال، وأن الثمن في حال حصول ذلك قد يكون انهيار نظامه وزواله بقرار إسرائيلي.
وترجمت إسرائيل تحذيراتها عملياً من خلال القصف المتكرر لمطاري دمشق وحلب وبعض الأماكن الأخرى كرسالة تؤكد مدى جديتها. وهذا ما دفع بالأسد الى منع حلفائه اللبنانيين من المشاركة في القتال، رغم عضويتهم في “محور الممانعة”. حتى أن استشعاره بجدية التهديدات الإسرائيلية دفعه للإحجام عن إطلاق المواقف الكلامية التي اشتهر بها نظامه، ما خلا القمة العربية – الإسلامية الاستثنائية في جدة، التي اضطر فيها لإلقاء كلمة داعمة للفلسطينيين.
لم يكن بشار الأسد يوماً أكثر ضعفاً مما هو عليه اليوم، حتى في سنوات الثورة حينما دنت لحظة سقوطه أكثر من مرة. ذلك أنه يخشى فعلياً فقدان الفيتو الإسرائيلي الذي منع سقوط نظامه لأسباب استراتيجية وجيوسياسية.