الإرهاب لا دين له حتى لو كان من دولة أو نظام

/سامر زريق – الرائد نيوز/

يعد الفيلسوف الألماني جورج فرديدريتش هيغل واحداً من أبرز فلاسفة العصر الحديث، ومن أوائل من اهتموا بدراسة التاريخ من منظور فلسفي، لذلك لقب بأرسطو العصر الحديث. يقول هيغل “إن فلسفة التاريخ تعني فقط التأمل العميق فيه”، إذ يؤمن بأن التاريخ ذو مغزى يمكن استنباطه من جميع الدلالات الدينية أو الروحانية.

والحال أن تشابه الأحداث ليس انبعاثاً للتاريخ من جديد، بل أحياناً تتسق بعض المصادفات التي تحدث في غير مكان وزمان، كي تمنحنا القدرة على الإحاطة العميقة بماهية وطرائق تفكير العقل السياسي لبعض الانظمة والدول.

في يوليو/ تموز 2013، هددت ميليشا حزب الله ورفيقاتها الصغرى من ميليشيات نظام بشار الأسد باقتحام مسجد الصحابي الجليل خالد ابن الوليد في مدينة حمص، ونبش قبره داخل المسجد نفسه. وفي مايو/ أيار 2014، نفذوا التهديد بحذافيره، حيث اقتحموا المسجد ودمروا الضريح ونهبوه، وكبتوا على جدران المسجد من الداخل عبارات مذهبية وشعارات طائفية. حدث ذلك في خضم حصار حمص الذي دام 18 شهراً وكان مصحوباً بالتجويع والدمار.

ويدور الزمان دورته، وتستنسخ آلهة الحرب الإسرائيلية التي لا تشبع من قرابين الدم الفلسطيني المشهد نفسه، إنما في غزة. في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، قصف الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد، مسجد خالد بن الوليد شرق مدينة خان يونس بقطاع غزة ضمن حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني، مصحوبة بحصار قاسٍ وغير مألوف في العصر الحديث حرم أبناء غزة من أبسط وسائل الحياة.

وكأننا إزاء مشهد واحد إنما بأبطال مختلفين، بما يثبت صدقية الشعار العالمي بأن “الإرهاب لا دين له”، سواء قام به جماعات، أو ارتكبه نظام فقد صلاحيته منذ زمن، أو دولة تأسست على الإرهاب ونمت.

أوجه التشابه لا تقتصر على رمزية الأماكن المقصوفة، بل تشمل أيضاً الاستقواء على المدنيين والأبرياء العزل، مقابل سردية استعاطفية موجهة للغرب، وأحياناً للجماهير العربية. في خطابه الأخير، بدا أمين عام ميليشيا حزب الله وكأنه مصلح اجتماعي، أو كأنه تقمص شخصية الإعلامي المثير للجدل جورج قرداحي في برنامجه الشهير المسامح الكريم. لم يزبد ويهدد ويتوعد على جري عادته، بل قدم مقاربة هادئة، أظهر ضمنها بشار الأسد بصورة مثيرة للشفقة، في استدراك لإسقاطه عمداً في خطابه الأول، الأمر الذي جلب له انتقادات هائلة.

المفارقة أن نصر الله ونخب محور الممانعة وجمهوره لا يزالون يتمسكون بأن ما حصل في سوريا ليست ثورة إنما مؤامرة كونية. وإذا ما سألت واحداً منهم عن سببها كان الجواب واحداً: لأن نظام الأسد هو عماد محور المقاومة، حسب التوصيف الرسمي لأمين عام حزب الله.

حسناً، وماذا فعل نظام الأسد في حرب غزة؟ أمعن في استغلال تركز الاهتمام الإعلامي والجماهيري على غزة، كي يقصف أدلب. فكما تستهدف إسرائيل المشافي والمدارس، يفعل الأسد الشيء نفسه، حيث أخرج 10 مستشفيات من الخدمة، ناهيكم عن العيادات والمراكز الطبية المتناثرة هنا وهناك لإغاثة الهاربين من جحيمه.

ليس ذلك فحسب، بل إن بشار الأسد نفسه وصف حركة حماس بأقذع الأوصاف في مقابلته مع قناة سكاي نيوز أرابيا، وامتنع بعد دخول حرب الإبادة على غزة شهرها الثاني عن اتخاذ أي موقف مؤيد لحماس، ما خلا التطريز اللغوي في القمة العربية والإسلامية الاستثنائية في جدة، والذي أتى بضغط إيراني. وفيما كان يخطب بالإنسانية، ومثله أيضاً مستشارته بثينة شعبان، كان جيش نظامه يرسل قذائف الحب والإنسانية الى أهل أدلب ومن اعتصم فيها من ظلمه.

مع ذلك، فإن السردية الجماهيرية والشعبية العربية الغاضبة والموجهة للنظم العربية، خاصة دول الخليج، حيث تتهمها بخذلان الشعب الفلسطيني، تكاد تخلو بشكل غريب ومثير للدهشة من عضوية بشار الأسد ونظام الملالي. علماً أن كلاهما يمنعان بالقوة خروج أي مظاهرة تضامنية مع أهل غزة. حتى أن أجهزة الأسد اعتقلت ثلاثة شبان فلسطينيين من بلدة يلدا الدمشقية بسبب تنظيم وقفة احتجاجية نصرة لغزة.

تشير العديد من المقالات والتقارير الصحفية والتسريبات الإعلامية الى أن عدم مشاركة سوريا في الحرب يهدف الى حماية “عماد محور المقاومة” من السقوط بقرار إسرائيلي. الفارق بين حماس والنظام السوري لدى إيران، هي أن الأولى حليف بينهما مصالح مشتركة، فيما الثاني تابع، ولا يزال حياً بفضل إيران. والأخيرة لا تنفك عن تحصيل الأثمان منه مقابل المد في عمره، وذلك في ميادين الاقتصاد والتعليم وقطاعات الكهرباء والموانئ وغيرها.

ليس نظام بشار الأسد ودولة إسرائيل سوى وجهان لعملة واحدة. عملة دموية، يتلظى المدنيون والأبرياء من سعيرها. أما إيران، فهي كما تاجر السجاد الفارسي، ذات مهارة خاصة في المتاجرة بالقضية الفلسطينية، واستثمارها لتحصيل المكاسب السياسية. ورثت تلك التجارة عن حافظ الأسد، لكنها فاقته إبداعاً ونجاحاً. من أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة الى وحدة الساحات، شعارات انكوى بنارها أمس أبناء بيروت وأهل حمص وأدلب، واليوم أهل غزة.

 

 

اترك ردإلغاء الرد