أمين عام الجماعة الإسلامية: فلننسَ الدماء السورية.. ولنؤسّس ميليشيا سنية

/سامر زريق-الرائد نيوز/

بعد أن حقق المعز لدين الله الفاطمي حلمه، ودخل مصر بقائد جنده جوهر الصقلي، باني “قاهرة المعز”، وكان ذلك إيذاناً بدخول علني لمذهب التشيع الى مصر، وبناء الجامع الأزهر كمدرسة لتعليم الفقه الشيعي، وعلو مقام الشيعة السياسي قبالة السنة، يروى أن المعز لدين الله خرج على أشراف مصر وكبارها الذين وقفوا بين يديه، قابضاً سيفه، وممسكاً قدراً من الذهب، وخطب فيهم قائلاً: “هذا حسبي”، ورفع يداً بالذهب، وشهر سيفه باليد الأخرى، وقال “هذا نسبي”. ران على الحاضرين الصمت ولم ينبسّوا ببنت شفة.

وبالأمس القريب، عقب حرب تموز 2006، خرج علينا أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وأبرز لنا نسبه بالانتساب الى آل بيت رسول الله، وأن أتباعه وأمواليه هم “أشرف الناس”. ثم حسبه حينما أخبرنا عن اعتزازه بكونه جندي في نظام ولاية الفقيه الذي يغدق عليه ذهباً. ومذاك ران على السنة في لبنان الصمت، ولم ينبسوا ببنت شفة، ما خلا بعض ردات الفعل التي جرى وأدها في مهدها. وكان ذلك إيذاناً بدخول لبنان عصر الشيعية السياسية.

التدجين بالذهب أو بالسيف

خلال هذه السنوات، سعى حزب الله، ومن خلفه ملالي إيران عبر قاسم سليماني وفيلقه القدس الى تدجين الطائفة السنية، كما فعل الفاطميون في مصر. وفي المكان الذي فشل فيه التدجين، خرج السيف وأعمل في رقاب السنة حتى سالت دماؤهم أنهاراً في سوريا. تلك الدماء التي لا تزال تروي أرض سوريا حتى لحظة كتابة هذه السطور. وجرى لي عنق التاريخ وتحويره، وسطا قاسم سليماني وصحبه على القضية الفلسطينية، واختزلوا الكفاح الفلسطيني الذي انطلق عام 1936 ضد العصابات الصهيونية وداعميهم الغربيين، ببضع دريهمات ودعم سياسي لحركة حماس مستغلين في ذلك أن الأخيرة كانت عارية من أي دعم لسنوات بسبب انتسابها الى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. (1)

من المفيد التذكير بأن حركة حماس عندما تأسست وبدأت تنفذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي لم تكن تحظى بأي دعم إيراني. وبقيت كذلك لسنوات طويلة، حتى اشتد عودها وصارت تنظيماً له وزنه وحضوره. وهنا بالضبط دخلت إيران على الخط، حينما حوصر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من قبل أرييل شارون وجيشه، ومن ثم جرى اغتياله. هذه اللحظة بالتحديد تشكل نقطة التحول في مسار حماس نحو التحالف مع نظام الملالي.

لم تنفع كل المحاولات العربية التي قادتها السعودية لإخراج حماس من كنف إيران، ولا سيما بعدما قامت برمي عناصر حركة فتح من على الشرفات في غزة. آنذاك، جمع العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله كلاً من فتح وحماس الى جوار الكعبة، وأخذ منهما ميثاقاً غليظاً في أطهر بقاع الأرض وأشرفها. بيد أن ملالي إيران دفعوا حماس لنقض الميثاق. ومذاك تكررت المحاولات أكثر من مرة، آخرها كان منذ أعوام قليلة، حينما وافقت حماس على تسليم الحكم في غزة للسلطة الفلسطينية. وكالعادة دخلت إيران عبر قاسم سليماني وأفشلت المصالحة.

وعندما اغتيل الأخير، ورثه حسن نصر الله، ودفع حماس الى الدخول في زواريب مخيمات الشتات الفلسطيني، ومستنقعات السياسة اللبنانية عبر تركيب انتخابات الجماعة الإسلامية، شقيقة حماس وصاحبة اليد الطولى في بقائها عبر المدد المالي. فصارت الجماعة الإسلامية جرماً يدور في الفلك الإيراني، والمخيمات باتت في يد حماس وتنظيمات متطرفة مثل عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة، اللذان يواليان حزب الله.

الجماعة تعلن التعبئة

حينما سال حبر كثير حول ما سبق ذكره، كانت قيادات الجماعة الإسلامية، ومن خلفها حماس، يخرجون ويكذبون كل ذلك، ويتهمون قائله وكاتبه بأنه عميل وقلم مأجور، وأن الجماعة لم تنضم الى محور المقاومة تحت شعار وحدة الساحات. لكن، حينما شنت إسرائيل حرب إبادة على الشعب الفلسطيني في غزة عقب عملية طوفان الأقصى، خرج أمين عام الجماعة الإسلامية محمد طقوش في حوار صحفي، واعترف بنفسه بحصول تغيير كبر في نهج جماعته منذ سنة، أي منذ الانتخابات الداخلية. وأكد أن قوات الفجر التي ظهرت على حين غرة على الحدود الجنوبية، كان يجري الإعداد لإطلاقها منذ سنة. (2)

وعلى الرغم من أن شعار وحدة الساحات التي أسهب حسن نصر الله في الحديث عنه أظهرت حرب غزة أن تفسيره مطاط وحمال أوجه، إلا أن أمين عام الجماعة محمد طقوش كان في الحوار الصحفي إياه ملكياً أكثر من الملك نفسه، فأصر على الشعار منتشياً بقوات الفجر. بل أنه أعلن (أمين عام الجماعة الإسلامية) التعبئة العامة، وفتح باب الجهاد والانتساب اليها أمام الشبان المتحمسين للقتال، في مشهدية تعيد تذكيرنا بإعلان الخليفة العثماني محمد رشاد الجهاد المقدس ضد البريطانيين والفرنسيين ومن حالفهما. (3)

لم يفشل الفرمان السلطاني آنذاك بسبب عدم رغبة المسلمين في الجهاد، بل لأنه كان يصب في مصلحة الألمان والعلمانيين المسيطرين على الحكم. وكذلك الحال بالنسبة لنداء طقوش، لأنه يصب في صالح حزب الله نظام ملالي إيران، كما أعلن هو بلسانه، حيث اعترف بوجود مصلحة لحزب الله في ظهور فصيل سني مقاوم، وبأن الأخير هو من يحتكر قرار فتح الجبهات من عدمه، وأنه هو من يحدد الأهداف لقوات الفجر. (4) لا يمكن أن يكون هناك حوار أكثر كارثية من الحوار الصحفي الذي أجراه طقوش. بيد أن الأسوأ لم يأتِ بعد.

في ثنايا الحوار، يشيد أمين عام الجماعة الإسلامية بما أسماه التلاحم السني الشيعي، ويؤكد أن الفتنة ما بينهما التي توسعت كثيراً بسبب دخول حزب الله الى سوريا، ذهبت الى غير رجعة، طالباً من الناس التي لا تزال تذكر بمآثر حزب الله هناك طي هذه الصفحة ونسيانها. (5)

أوراق على طاولة البازار

هكذا وبكل بساطة، يطلب طقوش من السنة أن يمحوا من ذاكرتهم شلالات الدماء السورية الزكية التي أراقها حزب الله، وكأنه تفصيل بسيط أو هامشي، متناسياً كل المجازر الطائفية التي ارتكبها ضد السنة ، وأنه حتى الساعة، لا تزال ميليشياته تحتل بلدات وقرى بأسرها، وتمنع أهلها من العودة الى أراضيهم وملكهم السليب. هذه ليست براغماتية، بل نفاق واضح لا ينفع رتقه بمخارج شرعية مثل إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر، أو بانتقاء آيات قرآنية معينة وتأويلها وفق الأهواء والأمزجة الخاصة.

بيد أن كل ذلك في كفة، وما تحدث عنه طقوش من خلط الأوراق السياسية في لبنان في اليوم التالي لانتهاء حرب الإبادة على غزة في كفة، إذ أنه يمهد بذلك لدور أكبر للجماعة الإسلامية في المعادلة السياسية. (6) عملياً ما يقوم به حزب الله هو التلطي خلف السنة لإغراقهم وتحميلهم المغرم فيما هو يقطف الثمار والمغنم. فتح الطريق أمام قوات الفجر ليس بالمجان كما أنه ليس حباً بالجهاد، بل لأهداف سياسية.

الدلالة الأوضح على ذلك هي في دخول سرايا المقاومة السيئة الذكر على خط المقاولة الحدودية أيضاً. وكلا التنظيمان يعملان على تجنيد الشباب السني مقابل بدلات مالية ووعود بالجنة. ومثلهما فيلق شاكر البرجاوي واستعراضه العلني الذي أثار ضحك الناس وحرك سخريتهم. وفي الطريق تنظيمات أخرى أيضاً. كل ذلك لا يعدو كونه “أوراق” يضعها حزب الله بين يديه كي يقايض بها الغرب في “البازار” السياسي العالمي المفتوح على مصراعيه حالياً، حيث ستجري المتاجرة بورقة الإرهاب السني مرة جديدة، فهي موضة لم تبطل بعد. (7)

عندما تضع الحرب أوزارها، ستتحول قوات الفجر الى ميليشيا تعيث خراباً وتقطيعاً في المجتمعات السنية. وكانت مظاهرة يوم الأحد الماضي في وسط بيروت بروفة لعملية نفخ وتكبير جسد الجماعة الإسلامية، حيث دفع المال للتحشيد وتأمين الباصات. وتحت لافتة حرب الإبادة على غزة، والعملية التاريخية التي نفذتها حركة حماس، سيندفع كثر خلف الجماعة الإسلامية، وخلف سرايا المقاولة وربما شاكر البرجاوي ومن لف لفه، لكنهم سيكونون مجرد أدوات في يد حزب الله. وعندما سيكتشفون ذلك ويتبين لهم الأهداف الفعلية، سيكون سبق السيف العذل. (8)

حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تخرج مظاهرة واحدة دعماً لغزة في إيران أو في سوريا، هل هناك أوضح من ذلك؟

 

 

 

اترك ردإلغاء الرد