الفقر يجعل لبنان غير بعيدٍ من الاتجار بالبشر
سرقوا كلية محمود وباعوا القاصرة نهى…و…

كتابة وإعداد رضا هاجر _الرائد نيوز

محمود شاب سوري يتميز “بالبساطة” يعيش في لبنان منذ فترة، خالف القانون اللبناني، نعم سرق هاتفاً خلوياً، أوقف من قبل الأجهزة الأمنية، وعندما أخلي سبيله ولانه لا يملك إقامة قانونية في لبنان، وجد نفسه على الحدود الشمالية ومنها الى السجن، لأنه هارب من التجنيد الإجباري، وذات يوم وجد نفسه مرميًا على الحدود لكن دون “كلية”، لن تنتهي القصة هنا فما زال لديه “كلية” أخرى!

أما “نهى” تلك الصبية ابنة ١٥ ربيعاً زوّجها والدها من رجل يكبره بسنوات فقط لانه رب عائلة مؤلفة من ١٠ اشخاص، والوضع الاقتصادي في البلد معروف من الجميع، بالمختصر باع الأب ابنته!

أما سمعتم عن التعذيب بالسجون او الاستغلال الجنسي للنساء في مؤسسات العمل او تجنيد الاولاد في الحروب ..او..او.. قصص من هنا وهناك لن تنتهي مهما اطلنا الحديث عنها.

وبالعودة قليلاً إلى الوراء، ففي التاسع من أيلول ٢٠٢١، ضجت وسائل الإعلام بخبر إحباط الأمن اللبناني عملية بيع طفل سوري الجنسية، وضبط أفراد عصابة مسؤولة عن العملية في مدينة جونية، شمال العاصمة بيروت، أوقف على أثرها 6 أشخاص. وهي جريمة أعادت التذكير بما كان يشهده لبنان من حوادث مشابهة خلال حقبة الحرب الأهلية، التي دمرت المجتمع اللبناني وشُتت أبناءه، في ظروف مشابهة لما تشهده البلاد حالياً!

لم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها التي يشهدها لبنان خلال أزمته، إذ سبق لمكتب مكافحة الاتجار بالأشخاص، عام 2019، أن أوقف عملية بيع طفل سوري، يبلغ من العمر نحو ثلاث سنوات مقابل 8 آلاف دولار أميركي. كما ضجت البلاد، خلال شهر ايلول من العام ذاته، أيضاً بفضيحة بيع أطفال تنفذها إحدى الجمعيات الدينية الموكلة بحمايتهم.

وما بين الحادثتين، رصدت تقارير إعلامية عدّة حالات يعرض فيها الأهل أولادهم للبيع، لأسباب مادية، بعد عجزهم عن تأمين معيشتهم ومصروفهم وسط الغلاء الفاحش في البلاد.

كما تنتشر بشكل واسع ظاهرة تخلي الأهل عن أطفالهم، ورميهم في الشوارع وحاويات القمامة والمساجد وأمام الجمعيات الخيرية، وبلغت ذروتها خلال الأشهر الماضية، خصوصا مطلع ايلول 2021، حيث سجلت ثلاث حالات في أسبوع واحد في مناطق لبنانية مختلفة.

ومن تجارة الأطفال إلى توريط القاصرين، ومن استدراج الفتيات إلى استغلال أفراد العائلة وتشغيلهم، وصولاً إلى خدمات “الدليفري” و”الدعارة أونلاين” عبر التطبيقات.

كلها تفاصيل من اعترافات أدلى بها عشرات الموقوفين لدى مكتب مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب خلال الشهرين الماضيين، وذلك بعد ارتفاع كبير في حجم التوقيفات مؤخراً، تشير بالمقابل إلى نسبة انتشار هذه الجريمة على كافة الأراضي اللبنانية.

انه الاتجار بالبشر، انه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ايواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها أو الاختطاف او الاحتيال والخداع أو استغلال السلطة أو باعطاء او تلقي مبالغ مالية لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر.

الاتجار بالاطفال، الزواج القسري، الاتجار بالاشخاص بغرض الجنس، الاتجار بالاشخاص بغرض التشغيل، تجارة الاعضاء، التجنيد القسري في الاعمال الارهابية كلها حالات من اشكال الاتجار بالبشر.

ووفق دراسات أكدت أن أكثر من 70 في المئة من ضحايا الاتجار الذين تم اكتشافهم هم من النساء والفتيات، أما الباقي وهو الثلث فهم من الأطفال.

الاتجار بالبشر جريمة

انها جريمة عالمية منظمة تمارس بحق الانسانية تمارسها عصابات دولية وربما تجد احيانًا دعمُا من حكومات وانظمة فاسدة.
ولعل اسبابها عدة، منها على سبيل المثال غياب القوانين الذي يسمح باستغلال الاطفال او النساء في التسول والسرقة وممارسة الرذيلة، تدهور القيم الأخلاقية والإجتماعية،ضعف الوازع الديني، غياب الوعي ولن ننسى مدى تأثير التدهور المعيشي وتراجع الدخل والفساد الحكومي والتفلت الأمني والقضائي وما لكل هذا الذي نعيش على ما ينتظر مجتمعنا من أزمات فيما لم نتحل بالوعي.

ان جرائم الاتجار بالبشر تشكل تهديدا خطيرا لأمن المجتمع واستقراره من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية كما انها تشكل تحديًا للاجهزة الأمنية بكافة دول العالم والذي واجهه العالم بوضع اتفاقيات دولية أولها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وغيره العديد من المواثيق الدولية او الاقليمية المناهضة للجريمة والعنف والرق وغيرها.

لكن كيف تترجم هذه النصوص محليًا وان شرعت في لبنان او غيره من الدول، هل تطبق فعلا هل هي كفيلة لمنع ارتكاب هكذا جرائم، ونحن نعايش يوميًا مئات التجاوزات او ربما اكثر.

لبنان.. تعديلات مرحب بها ولكن

قبل ١٠ أيام من اليوم، صدر تقرير أميركي، سلط فيه الضوء حول آخر الإحصائيات عن جرائم الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم خلال عام 2022، الضوء على خطورة ومدى اتساع هذه الظاهرة، والجهود الدولية المبذولة في سبيل مكافحتها والحد منها.

يشير التقرير إلى أنّ لبنان أجرى تعديلات على سياسة الإبلاغ عن الجرائم سمحت بمنع معاقبة العمال المهاجرين من أصحاب العمل وتبني أداة فحص لتحديد ضحايا الاتجار بشكل أفضل بين الفئات السكانية المستضعفة، ومن بينهم العمال المهاجرون. وسمحت الحكومة للعمال المهاجرين بتغيير وظائفهم، وشطبت معظم الغرامات على المهاجرين أثناء الجائحة.

لكن أوجه القصور شملت عدم وضع سياسات فعالة لمكافحة الاتجار. وللسنة الثانية على التوالي، لم تبلغ الحكومة عن أي ملاحقات قضائية جديدة ولم تصدر أحكام إدانة ضد أي متاجرين بالبشر.
ولم توافق الحكومة على تمديد الحماية القانونية لجميع العمال الأجانب أو توافق على مسودة عقود العمال الموحدة للعام الثاني على التوالي، وكذلك هناك قصور في تحديد الضحايا وإجراءات الإحالة، ونظام تأشيرات العمل الذي فتح الفرصة لاستغلال العمال.

ماذا علينا أن نفعل؟

على مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والوزارات المختصة كل في مجال عمله تكثيف جهوده في الفترة القادمة امام خطر التفلت الاخلاقي والامني الذي يشهده مجتمعنا ولعل الدور يمتد ايضا ليطال مؤسسات المجتمع المدني لما لدورها الكبير في التصدي لظاهرة الاتجار بالبشر، وكذلك وسائل الإعلام لها دورا فعالا باعتبارها أحد العوامل المؤثرة على الأفراد في المجتمع.

يبقى علينا توجيه تحية لكل الناجيات والناجين في ٣٠ تموز “اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر”، وتوجيه التحية لما تبقى من دولتنا لمحو وصمة العار هذه….

اترك ردإلغاء الرد