هل يكون لهيب أيلول حارقًا أكثر من آب ؟

/سهى آغا- الرائد نيوز/

 

أب اللهاب، ألهب أيضاً قلوب اللبنانيين و السواح والمغتربين على حد سواء، بأجوائه الممتعة فكان شهراً سياحياً بامتياز.

 

وفيما كان لبنان الرسمي مشغولاً بمحاولاتِ حبْك تقاطعاتٍ سياسية لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، يبدو الشعب اللبناني في مكان آخَر، مهيأ لصيف سياحي بامتياز ويدير ظهره لكل النَكَد السياسي، ليعيش مع زوّاره «تسونامي» من الفرح والحماس وحبّ الحياة.

 

وكأن الصيف جاء مسحة رحمة ولطف لشعب أراد الصمود و الاستمرار. فمع مليون و نصف سائح معظمهم مغتربون، رمى اللبناني همومه وراءه وصب جهده للاستمتاع فنجح كما فعل دائماً بخلق أجواء المتعة. وكأن الأزمات «تُجَوْهِر» أهلَ لبنان وتجعلهم أكثر تمسكاً بالحياة، أو أنهم في غياب الرؤية الرسمية للحلول، يعتمدون على أنفسهم وما يتمتّع به بلدهم الصغير من مزايا ليتمكّنوا من الصمود والاستمرار.

 

صيف لبنان يزداد تألقاً عاماً بعد عام ولا يخذل أبناءه كما تخذلهم السياسة في البلد.

فكادت لا تخلو منطقة من السواح و بيوت الاستضافة. وعادت الروح للطبيعة برؤية أحفادها يتنعمون بجناتها وفاضت بهم مشاعر البهجة و المتعة بالحفلات والمهرجانات الضخمة التي لطفت من سخونة الطقس و أنست الشعب قساوة معاناتهم اليومية. فالتهب آب بالزوار الذين لم يأبهوا بلفحاته الساخنة ولا بخضاته الأمنية. فقط أرادوا أن يتنعموا بجمال وطنهم.

 

كان صيف 2023 شعلةَ أمل انتشلتْ البلادَ من حالة الركود ودفعته إلى قمة التألق والحيوية مع نشاط ٢٤ ساعة بلا ملل.. كان اللبنانيون في أمسّ الحاجة إليه ليتناسوا هموماً ومأسٍ فرضت عليهم.

 

 

 

الصيف استراحة المحارب قبل المعركة

فمع نهاية شهر آب الذي كان طرفه مبلولًا وختام شهر الصيف، “راحت السكرة وإجت الفكرة”، انتهى الحلم الوردي الذي عاشه اللبنانيون مع وداع مغتربيه و السواح، وحان وقت الاستحقاقات و تصدر الملفات الساخنة.

أيلول اللاهب

يأتي أيلول مثقلاً بملفات سيادية و قضائية حساسة ساخنة وأزمات ومشاكل لاهبة أُلقيت كلها على كاهله.

فعلى الصعيد الداخلي، عادت الفوضى الأمنية بقوة من عمليات الثأر والانتحار المشبوهة و الاغتيالات والتصفيات والسرقات، وبرزت من جديد أزمة المعلمين، والمعاشات والتلويح بالاضربات. وكذلك اعتكاف معظم القضاة ريثما تلبى مطالبهم، وعادت أزمة الدواء والكهرباء والتلويح بالانقطاع التام.

كما أثار إحالة ملف التدقيق الجنائي لمرفأ بيروت إلى عدة جهات قضائية، ازداد سخط الأهالي واعتبرت محاولة لتمييع التحقيق وعرقلة المحاسبة، وطالبوا بضرورة إجراء تحقيق جاد و موحد و مركزي لضمان تحقيق العدالة.

 

وفي أيلول أصبح هناك داعٍ للهلع مع الإعلان عن وصول فيروس ايريس EG5 إلى لبنان.

فالأوبئة تسربت بخفية مع تدفق السياح في بداية الصيف، وافترست أجساد اللبنانيين من كورونا و الصفيرة ( أ) فتداوى منها اللبنانيون على أساس زكام و حالات تسمم غذائي، وسط تكتم عن أعداد المصابين ريثما ينقضي الموسم السياحي، ومع ارتفاع تحذيرات منظمة الصحة العالمية بانتشار واسع لمتحور أوميكرون الجديد بيرولا الذي بدوره يهدد سلامة المواطنين من انتشاره في البلاد.

 

كذلك هناك عودة المطالب الشعبية لنشر التقرير التدقيق الجنائي الذي قامت به شركة ‎alvarezmarsal ليعرف الشعب اللبناني من سرق أمواله وجنى عمره، مع مطالبة الشركة بالتوسع بالتدقيق لتشمل باقي المؤسسات كالكهرباء والخلوي.

 

فلبنان تتخبطه الأزمات في أيلول من كل صوب، في ظل الوضع العام المهترئ في كل المجالات ومع انهيار الأمن الاجتماعي، بات بلداً بدون دولة، هذا الوضع الهجين يمكن أن يأخذ البلد إلى وضعٍ خطير، خاصةً مع الفراغ الرئاسي و استنفار الأحزاب على بعضها. وعدم توافقها على قرار، وعرقلة مساعي لوداريان لتسمية رئيس توافقي.

 

بروز الملفات الإقليمية

والتي كان منها مطالب لبنانية بإعادة ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، لا سيما بعد الخسائر التي تكبدها لبنان من ترسيم الحدود البحرية.

 

كما إن نصب الخيام من قبل الحزب ورفضه إزالتها مطالباً العدو بإعادة مناطق كفرشوبا يهدد بزعزعة الوضع مع إسرائيل، ويأتي ملف التمديد لقوات الطوارئ الدولية بشروط لبنانية مع أزمة اللاجئين السوريين وتدفق مزيد منهم هذه الفترة.

 

أمام هذه الأجواء المشحونة في البلد ومع الصراع الدولي وتأزم الوضع في جزيرة القرم والتهديد من جديد بسلاح نووي، وفشل المساعي من جديد بشأن الملف النووي الإيراني فانعكس سلباً على الأمن العراقي والسوري الذي يشهد معاركاً شديدة ضد قوات قسد من جهة، و من جهة أخرى موازية فتح جبهة القتال في مخيم عين الحلوة والتي حتماً ستمتد لباقي المخيمات وإشعال كل الجبهات في لبنان تمهيداً للتصفية بقرار إقليمي.

 

هذا الوضع المتفلت الساخن سيعطي الدولار أكبر فرصة للتفلت والصعود الصاروخي، عندها ندرك أن الرئاسة هي فعلًا قرار المصالح الدولية أولاً وقبل كل شيء فلا نستغرب استحالة انتخاب رئيس لا في أيلول ولا في كانون الأول وربما طال المطال حتى تسوية إقليمية و ربما لانتخاب مجلس نيابي جديد.

 

كل ذلك و غيره مما فتحت ملفاته في أيلول، جعل منه شهراً لاهباً بامتياز تكويه الأزمات من كل صوب.

اترك ردإلغاء الرد