طهران تخطبُ ودَّ القاهرة بعد 44 عاماً من القطيعة
هل تنجح ايران حيث فشلت تركيا: صفر مشاكل؟
/رائد الخطيب- رئيس تحرير الرائد نيوز/
كثيرةٌ علامات الاستفهام التي طرحتها مسألة امكان عودة العلاقات المصرية-الايرانية الى طبيعتها، حيث توجهت الأنظار مؤخراً الى القاهرة مع زيارة قام بها الشهر الماضي وفد ايراني الى العاصمة المصرية، حيث أن هناكَ من يعتبر أنه اذا ما تم استئناف العلاقات بين القاهرة وطهران المقتصرة الآن على التمثيل الدبلوماسي-رعاية المصالح فقط، وكما هو معد لها، فستشهد انفتاحًا وانفراجًا ولكن ليس بشكل كامل في كل الملفات وإنما بالتدرج وقد يكون هنالك تطبيع مع الوقت، حسب المصالح الإقليمية، فعودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وبحسب رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية شريف عبد الحميد، هي جزء من توجه إقليمي عام في المنطقة، بدأته السعودية، حيث يسعى أصحاب هذا التوجه إلى إعادة النظر في الثوابت الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة خلال العقود الماضية، والخروج من تحت مظلة الولايات المتحدة، ومحاولة البحث عن أسباب للتعايش والتعاون مع النظام الإيراني، مقابل تخلي هذا النظام عن ممارسات دأب عليها منذ ثورة عام 1979، والقائمة على ما يُسمى “تصدير الثورة” والتدخل السافر في شؤون المنطقة.
ايران تفك عزلتها
هذه العلاقات لم تتم من فراغ بل بالتنسيق ما بين البلدين، فالحديث عن قنوات اتصال بين القاهرة وطهران ليس جديدا؛ كما أنّ هناك تسريبات تتحدث عن وساطة عُمانية وعراقية لاعادة العلاقات الايرانية مع مصر قيلَ أنها بدأت شباط الماضي أو ربما قبل هذا التاريخ، فالعلاقات المصرية الايرانية لم تتوقف، فهناك تبادل تجاري موجود بالفعل منذ أعوام رغم القطيعة الدبلوماسية، وإن لم يكن بمعدلات كبيرة (حيث لم تتجاوز قيمة التبادل التجاري بينهما 100 مليون دولار).
وجود “نوايا طيبة” في البلدين لإعادة العلاقات لم يكن كافياً في السنوات الماضية، والعمل على تطبيعها، لكنها لم تترجم إلى مواقف عملية، بسبب الموقف من التصعيد الإيراني في المنطقة العربية. إلا أنه مع سياسات ايران الحالية بالتوجه نحو دول الجوار، فإنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة، بعض التقارب التدرجي في الملفات التجارية والاقتصادية، وقد تم بالفعل الاتفاق على تسيير رحلات سياحية مباشرة بين البلدين، إلا أن تطوير هذه العلاقات سيكون مرتبطاً بسلوك ايراني في المنطقة وطموحاتها، فمصر لديها محددات ترتبط بسياستها تجاه إيران ترتبط بالعلاقة الثنائية بين الطرفين وببعض القضايا الإقليمية أيضًا، باعتبار مصر قوة إقليمية كبرى وركيزة أساسية بالنظام العربي، فحينما يتأثر الأمن القومي العربي بسلوك إيراني فلا بد أن تتخذ مصر موقفًا منه.
وفي رأي الخبير عبد الحميد، فإن عودة هذه العلاقات ستكون بمثابة إعادة تعريف العلاقات المصرية – الإيرانية، من منطلقات سياسية جديدة، عبر تحديد مدى الحاجة إلى استئناف العلاقات مع طهران من عدمه، عائدة إلى عوامل سياسية خارجية وداخلية تقدّرها القيادة المصرية، من خلال مراقبة سلوك إيران للتأكد من مدى التزامها بإنتاج سياسات جديدة تجاه المنطقة العربية، الأمر الذي يجعل مصر تتريث طويلا قبل عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران، بعد 44 عاما من القطيعة.
علاقات تاريخية متأرجحة بين القاهرة وطهران
لم تتسم العلاقات السياسية بين البلدين، بأنها ثابتة ومستقرة، على مدى التاريخ الحديث، ويميل ميزان العلاقات الى كفّة التدهور أكثر، ففي أعقاب قيام الثورة الايرانية في 1979، تدهورت علاقة ايران مع كثير من الدول ومن ضمنها مصر، وقبل 1979 كانت العلاقات بين الدولتين تتأرجح ما بين القوة والفتور، فخلال الحكم الملكي وصلت العلاقات بين الدولتين الى أوجها، وذلك عندما قرر شاه ايران محمد رضا بهلوي الزواج من أخت الملك فاروق الاميرة فوزية عام 1939، وخلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، مرت هذه العلاقات بمرحلة من الفتور، لتعقبها فترة من العلاقات القوية خلال فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات، إلا أنه ومع مجيء الثورة الايرانية تدهورت العلاقات وبشكلٍ مباشر مع توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل في العام 1979، فالثورة والنظام الذي استولدته كانت تعتبر اسرائيل عدواً، ولا يعني تفسير قرار مصر السير بالتطبيع، إلا أن مصر قررت السير في المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية “الشيطان الأكبر” بنظر ايران، وهذا وحده كان كافٍ لتوتير العلاقات، ومن أسباب توتر العلاقات هو استضافة مصر في العام 1980 للشاه الايراني علي رضا بهلوي كلاجئ سياسي، إلا أنه توفي سريعاً، وأقام له الرئيس السادات مراسم تشييع مهيبة في منفاه بعد أن أطاحته الثورة الإسلامية.
وقد ردت ايران على هذه الخطوة باطلاق اسم قاتل السادات خالد الاسلامبولي على أحد شوارع طهران، وأما السبب الثالث فهو الدعم المصري لحرب العراق على ايران في العام 1980 وحتى نهايتها في 1988، أدت هذه الامور الى تعكير العلاقات بين البلدين وهشاشتها، وأضيف اليها في السنوات الأخيرة جملة من “الممنوعات”، يأتي في طليعتها ايواء ايران لعناصر مطلوبة من اجهزة الامن المصرية، خصوصاً وأن هذه العناصر تعتبرها مصر تشكل تهديداً لأمنها القومي، أيضاً هناك علامات استفهام مصرية حول التواجد الايراني الثقيل وغير المرغوب فيه بقطاع غزة وكذلك الدعم الايراني المباشر للحوثيين في اليمن، ووجود ايران في السودان ابان حكم الرئيس عمر حسن البشير، وهو ما يهدد الامن القومي المصري، وتهديد الامن البحري في البحر الاحمر، وتعاونهم مع رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد، والذي هو على خلاف مع المصريين في عدد من القضايا وأهمها سد النهضة، وأيضاً العلاقات المتوترة بين ايران ودول الخليج العربي، وحماسهم لضرب قناة السويس من خلال الموافقة على انشاء قنوات بديلة.
هل انتهى عصر الصراعات الخشنة؟
لكن وعلى الرغم من كل هذه التناقضات، فإن العلاقات المصرية-الايرانية، تدخل فصلاً جديداً من العلاقات، بالتناغم مع عودة العلاقات بين ايران ودول الخليج العربية، هذه العلاقات ستدخل فصلاً جديداً مع رغبة ايران ومرشدها الاعلى علي خامنئي، بعودة العلاقة مع مصر، والرغبة ايضاً في تلطيف الاجواء مع دول الجوار، لتفادي أي ضربة اميركية او اسرائيلية على ايران، من خلال نزع الاسباب التي تدعو هاتين الدولتين الى توجيه الضربة، وبالتالي فإن إيران تبحث عن منحى اخر لكسر العزلة الإقليمية بسبب فشل الاتفاق الإيراني النووي وبسبب العقوبات المفروضة عليها، وهنا، فإنه إذا نجح الاتفاق السعودي الإيراني سيمهد لانفراجات أخرى.
مقابل هذه الرغبة الايرانية، هناك رغبة من الدول العربية ومنذ قيامة ثورات “الربيع العربي” في محاولة لاعادة الاستقرار والأمن الى المنطقة، خصوصاً وان الولايات المتحدة تركت دول المنطقة لشأنها، وهذه الدول أدركت أن الصراعات الخشنة لم تعد تحقق أي تقدم، خصوصاً وان الدول الخليجية قد عادت علاقاتها مع ايران.
من المسلم به أن عودة العلاقات بين مصر وإيران ستغير المشهد السياسي في المنطقة، خصوصا أنها تأتي في سياق توجه عربي عام كما أسلفنا، لا يرتبط بالضرورة بالموقف الأميركي من النظام الإيراني، فضلا عن دخول قوى دولية فاعلة جديدة إلى المنطقة، على رأسها القوة الصينية الصاعدة، وهو تغير جيوسياسي دراماتيكي بمعنى الكلمة.
وإذا كان استئناف العلاقات مع مصر ومع الدول العربية وتحديداً الخليجية منها، يعد مكسباً إقليمياً كبيراً لنظام ايران ويكسر عزلتهُ الإقليمية، كما أنه بمثابة ضربة أخرى موجهة إلى مساعي إسرائيل في المنطقة، لبناء تحالف إقليمي ضد إيران، فإن السؤال الذي يطرح نفسهُ هل تستطيع إيران أن تحقق ما فشلت به السياسة التركية في العام 2013 عندما وضع كبير دبلوماسييها أحمد داوود أوغلو “صفر مشاكل مع دول الجوار”، بحيث ذهبت الأصفار وبقيت المشاكل؟!