البيان الثلاثي “بصقة على وجه بايدن”
/علاء مهدي الشهاب – روما/
“نحن لسنا أحرارًا وديمقراطيتنا ليست سوى اسم! .. فما معنى أن ننتخب؟ كـل ما نفعله أننا نختار بين ناكر ونكير”، مقولة أطلقتها الأديبة والمحاضرة والناشطة هيلين كيلر، وهي ما ينطبق بشكل كبير على علاقة الرياض بواشنطن مؤخرًا، فالمشكلة لم تعد بمزاج أو شخصية الرئيس الأميركي فقط وإنما في العلاقة مع المؤسسات الأميركية أيضًا كالكونغرس على سبيل المثال لا الحصر، فلكل عملٍ خيّر نتاج خيّر سواءً أطال الزمن أم قصر أما العمل النكد فلا يخرج نباته إلا نكدًا.
بعد الهجمات التي تعرضت لها دول خليجية دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكنًا أصبح من الجلي أن واشنطن إما لا رغبة لها أو أنها غير قادرة على حماية دول الخليج من التهديدات الإيرانية، مما أكد لهم أن عليهم مواجهة إيران بأنفسهم فالحماية الأميركية لا تُسمنُ ولا تغني من جوع.
بالإضافة إلى أن العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة قد أصابها الفتور، حيث أن الولايات المتحدة لا تلقي بالاً لمصالح أو لحماية (حلفائها) في دول الخليج، ومستمرة بنهج تقليص تواجدها في الشرق الأوسط، والدليل الجلي على ذلك هو الانسحاب من العراق وأفغانستان، إلى جانب أنها باتت ترغب بتركيز طاقتها وتسخير مواردها لمواجهة الخطر المتنامي المتمثل بالصين وروسيا.
ما هي أبرز الطرق التي اتبعتها دول الخليج لمواجهة إيران؟
الصراع على النفوذ بين إيران والسعودية له أسباب تاريخية عدة تتعلق بكل من الحضارة الفارسية التي تم تقويضها بفعل العرب، ودينية تاريخية مردُّها للخلاف الطائفي الشيعي- السني وما نتجه عنه من شحن طائفي وطموح لكلا البلدين بزعامة العالم الإسلامي، فقد جربت دول الخليج وسائل متنوعة لكبح جماح التهديد الإيراني أولها المواجهة العسكرية من خلال الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 إلى 1988 حيث لا يخفى على أحد أنه على الرغم من أن العراق قد خاض الحرب إلا أنه كان مدعوماً بشكل كبير من دول الخليج، والمفارقة أن مشاركة دول الخليج بالإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين أدى إلى إطلاق يد إيران في العراق وتعزيز نفوذها في المنطقة على تخوم الخليج العربي.
الحرب بالوكالة كانت إحدى طرق المواجهة بدءًا من حرب العراق وإيران، مروراً بحرب سوريا واليمن، والتي كان حصيلتها تدمير شبه كامل لكل من البلدين وتحويلهما إلى دول منكوبة، كل ذلك لم يأتي برُجُعٍ إيجابية على دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، فلم يبقَ إلا المفاوضات والتي سبق وأن جربت بالفعل منذ 2019 -2021 حيث كانت كل من بغداد ومسقط مسرحًا لجولات الانتخابات، لكنها أيضًا لم تنجح.
لماذا نجحت المفاوضات التي قادتها الصين؟
من المعروف أن الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ومن صناع القرار الرئيسيين على الساحة الدولية، كما أن الصين مقبولة لدى كل من طهران والرياض ولديها مصالح كبيرة مع البلدين. إلى جانب أن المواجهة العسكرية بين الغرب وإسرائيل مع إيران أمست قاب قوسين أو أدنى خاصةً مع زيادة وتيرة الاستفزازات الإسرائيلية من خلال قصف مواقع إيران في سوريا أو التهديد بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، ودول الخليج لا ترغب بأن تكون (أوكرانيا ثانية)، بكلمات أخرى لا ترغب بأن تكون وقودًا لحرب عبثية لا ناقة لها بها ولا جمل أو أن تكون أراضيها مسرحًا للحرب بين إيران والغرب.
ماذا عن التطبيع مع إسرائيل؟
أصبحت إسرائيل مؤخراً تهاجم عمان لأن سلطان عمان اضطلع بدور رئيسي للوصول إلى هذا الاتفاق، فصحيح أن إسرائيل حصلت على اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول الهامشية (البحرين والإمارات) إلا أنها كانت تطمح بالتطبيع مع الدولة الإقليمية الأهم (السعودية) الشيء الذي صار بعد الاتفاق الثلاثي خبرًا بعد عين.
علاقات السعودية مع الإمارات في أسوأ حالاتها حيث أن محمد بن سلمان رفض حضور المؤتمر في أبو ظبي، وابن زايد لم يحضر القمة العربية الصينية في الرياض، فكل مساعي الإمارت لبناء تحالف ثلاثي إماراتي إسرائيلي سعودي أو ما يسميه الإمارتيون (واحة السلام، والتسامح الديني، الديانات الابراهيمية…الخ) قد ذهبت أدراج الرياح.
وفي شأن متصل قالت الكاتبة الإسرائيلية
(سمدار بيري) إن “التقارب الإيراني السعودي واستئناف العلاقات الرسمية بين البلدين بمثابة نجاح للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط”.
وأضافت أن الصينين والسعوديين لا يقيمون أي وزن لأميركا، حيث أن بكين أمست تنافس واشنطن على النفوذ في الشرق الأوسط. كما عبرت عن دور الصين في الاتفاق الثلاثي بأنه (بصقة في وجه بايدن) حيث قالت إن “الأمر لا يقتصر فقط على تجنب إيران المفاوضات النووية، فالسعودية الآن تعطي الأولوية لرئيس الصين وتتجاهل البيت الأبيض بشكل واضح”.
إتفاق بكين هو بمثابة مسار طويل فيه من العقبات الشيء الكثير وسيواجه محاولات حثيثة لنسفه على كل من السعودية وإيران التركيز على قضايا التنمية والاستثمار بدلاً من الانجرار نحو النزاعات والحشد الطائفي واستنزاف الموارد.
يعيد البيان الثلاثي القضية الفلسطينية إلى الواجهة ولكن ماذا تخبئ الأيام القادمة للدول التي كانت ساحة مواجهة بين طهران والرياض؟
هل تم تسوية ملف اليمن؟
ماذا عن سوريا؟
ماذا عن لبنان؟