العرب والمعرفة: متى نستأنف الحضارة؟
النهار _جورج ميشال كلاس
ينقشع المشهد الفكري العربي على مشهدية نورية تذكر بإنجازات و تؤشر الى إنتظارات و ترقمن تحديات من خلال كتاب مرجعي يرسم مسيرة الحضور العربي و يخطط لمسارها الفكري المستقبلي ، منطلقاً من مخزونيات معرفة الإجترار و ثقافة التكرار الى طرائق التفكير الحداثوي و مبادرات الإبتكار ، بما يؤسس لنهج نقدي تقويمي ، و يمهد لطرح سؤال عمقي محوره ، متى نستأنف الحضارة ؟
و يتحدد القصد التأليفي لكتاب ( العرب و تحديات التحول نحو المعرفة و الابتكار ) الصادر عن مؤسسة الفكر العربي ، و الذي جهد الباحثان الابتكاريان معين حمزة و عمر بزري لإنجازه بإحترافية علمية دقيقة ، بأنه يرسم خارطة بناء تراكمي للواقع و يضيء على مسالك التحديات التي قد تعترض طرق النمو المعرفي في المجتمعات العربية المتنوعة مصادر التثقف و التحضر ، مع الحفاظ على تراثاتها التأصيلية و خصوصياتها الحضورية بما يشكل لوحة فسيفسائية كثيرة الالوان بمشهد واحد ، هو المشهد الفكري العربي بكل مراحل تشكله و تطوره و معنى فلسفته و تحديد وظائفه و مسؤولياته في إبراز و ترصين الظواهر الفكرية و تحصينها ، و تمكينها من ان تكون معرفة صلبة بقواعد متحركة تنسل من عراقات إنتاجية واسعة المدارك ذات مروحة واسعة من التخصصات ، بعيدا عن جمودية التفكير و وقوفية التطوير .
من سفر تكوين التراث العربي بموروثاته ، الى أسفار التكّوُّنِ الفكري الجديد في زمن التحولات التدرُّجيَّة ذات الإرتقاءاتِ المرموقة في مجالات العلوم و حقول الفكر و الآفاق المعرفية التأصيلية الموزعة بإحترافية أكاديمية على فصولٍ تتكامل منهجياً و تنتظم خطا بيانيا تصاعديا ، يجهد المفكران الابتكاريان لتقعيد ركائز تأسيسية لإعادة تدعيم و تأسيس البناء الفكر العربي من جديد ، بما يشكل ترسيماً تحديدياً للمسارات العلمية و المسيرات الفَهميَّة التي إنطبع بها الأطلس الفكري العربي بكل تكويناته المجتمعية و تفريعاته الجغرافية ، المصنفة أنها ثقافات كثيرة في نسق معرفي موحد . و يستتبع ذلك إبراز خاصية مايزة لمضامين الكتاب ، هي ان نوعية الفكر العربي بتنوعه ، و فرادته بتكامله. وهذا ما يحيل التلخيصات التي جهد الباحثان لرصدها و جَمعها و إنتقائها و إطلاق عناوين فرعية حولها لتعزيز فعلها و تأكيد تفاعلها الزمني الجامع بين الموروثات و المأمولات ، كأنقى مثال لصياغة بيان فكري عربي جديد ، يتوافق و روح العصر و يستجيب للمتغيرات ، من دون الإنسلاخ عن جذريَّاتِ القديم الاصيل و المُثبَتِ من أخبار الغابرين و تتجلى العملية التكاملية لخارطة التحديات التي تعترض درب الترقي ، بالإتباع المنهجي لقواعد الإنجازات الأكاديمية الرصينة ، والذي إرتسم بتقسيم الكتاب الى أربعة ابواب انتظم فيها خمسة عشر فصلا و تضمنت مئة و اربعة و خمسين عنوانا فرعيا ، أسبغت على المضمون شكلا معرفيا دائريا تتكامل فيه المدارك و تؤهل لطرح السؤال ؛
متى نستأنف الحضارة ؟
و كيف نبتكر المعرفة ؟