طرابلس المظلومة من ساستها وأبنائها
/خالد بريش/
لقد كشفت الخصومات بين أعضاء مجلس بلدية طرابلس في الشهور الماضية عن مهزلة مقرفة نتنة بكل معنى الكلمة، وعن انقسامات عمودية، وأخرى في كل الاتجاهات بين أبناء طرابلس، التي أصبح بعض أبنائها مستعدين لفعل أيّ شيء من أجل الحصول على مكان ما ولو على حساب إخوانهم الذين يتقاسمون معهم الهموم ونتائج إجرام أعداء طرابلس…!
نعم مستعدون لفعل أيّ شيء من أجل مكان ولو في مراحيض القاطرة… وأيضًا وهو الأهم، إرضاء أصحاب السطوة ممن يتآمرون على مصالح هذه المدينة وأهلها، كل أهلها… من أجل مصالحهم ومصالح من يدعمهم من خارج هذه المدينة، من فئة الغرباء عن تكوين طرابلس، ونسيجها السكاني والاجتماعي والأخلاقي، والكارهين لها ولأهلها…
منذ أيام سكت شهريار الصباح عن الكلام المباح، وأقصد خرس الناعقون الذين لا خلاق لهم وظهر بتاريخ 25 / 10 / 2022 الدخان الأبيض من مكاتب مجلس شورى الدولة، والذي يفيد أن كل الإجراءات التي اتخذها محافظ الشمال باطلة، وبالتالي، باءت والحمد لله محاولات وَضْعِه طرابلس في جيبه بالفشل، وعادت الشرعية كاملة غير منقوصة إلى الدكتور رياض يمق، وفي ذلك انتصار بحد ذاته لكلمة طرابلس التي حاول غراب البين سرقتها والسيطرة على البلدية كما فعل في بلديات أخرى… طبعا كل هذا بفضل جماعة «استفيدس» محبي الجلوس في الصف الأول، ولو على خازوق، من فئة مدعي حب طرابلس المنافقين الأفاقين وما أكثرهم… فألف مبروك لطرابلس، هذه المدينة المظلومة التي أصبح يتلاعب بمصيرها الصغار الأشبه بالسنافر أبطال الصور المتحركة…!
وللأسف، فإن ما حصل خلال هذه المهزلة التي كنا في غنى عنها، يحمل في طياته وبطريقة أو بأخرى بعضا من الانتصار لأعداء طرابلس أيضا، لأن الانقسام الذي أرادوه وخططوا له، شئنا أم أبينا قد تعمّق بين أبناء هذه المدينة وتجذر… ولسوء الحظ لم يَدُرْ في خَلَدِ أبناء هذه المدينة وهم يتآمرون على بعضهم أنهم جميعا مستهدفون… وأن الذين تلاعبوا بهم، لا يبحثون عن مصلحة هذه المدينة مطلقا، بل عن مزيد من العبيد ليمشوا تحت رايتهم ويُهَوْبروا لهم…!
إن المشكلة اليوم لم تعد فيمن يترأس البلدية، لأن الموضوع قد بت فيه من قبل أعلى هيئة قضائية وهي مجلس شورى الدولة… ولكن المشكلة اليوم فيمن يعيد رأب الصدع بين أبناء المدينة، ويعيد إليهم لحمتهم لكي تقوم البلدية بدورها…؟ وخصوصا أن الاعتماد على الساسة في هذه المدينة لن يؤدي أي فائدة، لأنهم أساس المشكلة من أصلها، وهم الذين زرعوا في عقول البعض أحقيته لهذا المنصب من دون غيره، في الوقت الذي وضعوا فيه آخرين على لوائح الانتظار، وفتحوا بفتنتهم هذه أبواب جهنم، وعملوا على ذلك بكل أساليب اللؤم والخساسة ومن وراء ستار…
إن مما لا يخفى على أحد اليوم أن للساسة أطماع كثيرة، ومصالح وأجندات لا تعد ولا تحصى، يريدون تمريرها عبر البلدية، بل عبر أزلامهم فيها…! والجميع يرون اليوم بأم أعينهم أن كل المتصدرين للمشهد في هذه المدينة عبارة عن سراب بكل معنى الكلمة… وإلا لكانت الكهرباء قد أتت كما تبجح كبيرهم ووعد يوما، ولما جاع في طرابلس المظلومة إنسان كما تشدقوا كلهم يوما…! مما يعني وبالمشبرحي أن مأساة هذه المدينة اليوم هي في الجالسين في الصف الأول « كلن يعني كلن »…
يا سادة يا كرام… كلنا يخطئ ويصيب… ولكن على الجميع أن يدركوا أن تصحيح الأخطاء ليس بالانقلابات، ولا بالانصياع لأوامر تأتي من فوق وأخرى من خارج طرابلس، وخصوصا ممن لهم أهداف واضحة، ومصالح لا تصب في مصلحة هذه المدينة وأبنائها… ولا بالاصطفاف خلف من يكره هذه المدينة وأهلها ويحقد عليهم… ومن هذا المنطلق أقول:
إن المسؤولية اليوم كبيرة، نعم كبيرة… وتقع بالدرجة الأولى على عاتق أصدقاء كل من الدكتور رياض يمق والأستاذ أحمد قمر الدين، وعلى عاتق كل الخيرين والمخلصين في هذه المدينة والمحبين لها، وذلك من أجل جمع الجميع من أجل طرابلس ووحدة أبنائها وكلمتهم لأن ذلك أهم من كل المناصب ومن كل الزعامات والساسة، الذين أثبتوا جميعا عدم مصداقية في كل المواقف وعلى كل الأصعدة… والذين ليس من مصلحتهم على الإطلاق أن يتحد أبناء هذه المدينة، وأن ينزع فتيل هذه الأزمة ولا غيرها أيضا، خصوصا وأن الانتخابات البلدية على الأبواب… وعلينا أن نستخلص من كل ما حدث الدروس والعبر، وإلا فإن القادم أعظم…
ألم يأتكم يا سادة يا كرام نبأ من كانوا قبلكم…؟ رحمهم الله جميعا فقد كانوا رجالا وأصحاب رأي وحنكة، إذ كانوا لا يدعون خلافا يستمر بين زعامات المدينة طويلا، فيهرعون سريعا إلى لم الشمل تحت راية طرابلس ومن أجل مصلحتها ووحدة أبنائها… ومن باب التذكير فقط لمن ألقى السمع وهو شهيد، فقد كان في هذه المدينة يوما فريق كرة قدم اسمه الرياضة والأدب، وآخر اسمه التضامن، بالإضافة إلى الأهلي الغني عن التعريف… وعندما كان يأتي فريق من خارج مدينة طرابلس للعب مع أحد هذه الفرق ويشعر أبناؤها المخلصون بنوع من ضعف بين صفوف الفريق الذي سيجابه الفريق الضيف، فإن هذه الفرق الثلاثة كانت تذوب ببعضها في فريق واحد، وتلعب طرابلس بلاعبيها وكل جماهيرها ضد الفريق الخصم القادم إليها، وخصوصا عندما يكون من خارج لبنان، فيهرع أبناء المدينة لكي يشجعوا فريقهم وأبناءهم، لأن سمعة طرابلس وكرامتها كانت الأهم…
أما اليوم، وبالفم الملآن: يا خسارة يا طرابلس…! أين هي الرجولة والمواقف التي كنا نعرفها ونعهدها من أبنائك…؟! فقد كنا نباهي بعلمائك بقية بلاد الشام ومصر… وكنا نباهي برجالك وبأخلاق أبنائك وفتواتهم ووحدة كلمتهم ومحبتهم لبعضهم بقية المدن… وكانت مصلحتك فوق الجميع، فكان الشعار « طرابلس أولا »…
مسكينة يا فيحاء…! فمنذ أن غابت عنك روائح الزهور، فاحت روائح النتن والعفن على أيدي أبنائك الذين أصبحوا في جيوب ساسة وزعماء لا خلاق لهم، فغدوا كالقطط مستعدين لأكل أبنائهم إرضاء لهم…
يا خسارة يا طرابلس…! وسلام على الرجال الأوفياء أهل النخوة والمروءة أبناء طرابلس الأوفياء الذين آمل أن يتداعوا وفي أقرب وقت لرأب الصدع، فطرابلس أمنا جميعا، وتستحق منا كل أنواع التنازلات وخفض الجناح لبعضنا…