كيف ظهرت الكوليرا في لبنان؟



/ترجمة علاء مهدي الشهاب_الرائد نيوز/



حلبا، لبنان

لم تعد مها الحامد وعائلتها قادرة على شراء المياه المعبأة في زجاجات عندما تجف صنابير المياه، وهو أمر متكرر في مخيم اللاجئين الذي تقطنه شمال لبنان.

وقالت وهي تجلس إلى جانب سرير ابنها البالغ من العمر أربع سنوات والمصاب بأمراض خطيرة جراء تفشي وباء الكوليرا الذي جلب مزيدًا من البؤس إلى لبنان الذي يعاني من أزمة: “عندما لا يكون لدينا مياه في الصنبور، فإننا نعتمد على أقرب سبيل مياه”.

وفي غضون شهر واحد فقط، انتشر الوباء في جميع أنحاء البلاد البالغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، مما أدى إلى إصابة نحو ٢٠٠٠ شخص ومقتل ١٧ شخصًا، وفقاً لأحدث بيانات وزارة الصحة.

وكان لبنان خاليًا من الكوليرا منذ عام ١٩٩٣، ولكن مؤسساته العامة تعاني من أزمة اقتصادية قاسية دخلت الآن عامها الرابع، في حين أدى الاقتتال الداخلي بين النخب الحاكمة في البلاد إلى شل مؤسسات الدولة.

الكوليرا هي مرض يسبب الإسهال ينتشر عن طريق تناول الطعام أو الماء الملوث بالبراز البشري، ويمكن أن تقتل في غضون ساعات إذا لم تعالج، حيث يكون الأطفال أكثر عرضة للخطر.

وقالت حامد، التي احتاج ابنها إلى الإنعاش عندما أدخل مستشفى الراسي الحكومي في منطقة عكار الأسبوع الماضي، إنها كانت تدعو من أجل أن يتعافى وتخشى من عودته إلى المنزل بسبب نفس الوضع المزري.

قالت حامد البالغة من العمر ٣٤ سنة فيما كانت تنتظر في المستشفى ليطلعها الأطباء على حالة ابنها. “نحن مجبرون على العودة إلى شرب الماء المعدي نفسه الذي تسبب بجلبنا إلى هنا”

مصادر المياه الملوثة

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن اللاجئين الذين يعانون من ضائقة مالية والعائلات اللبنانية تضطر للاعتماد على مصادر المياه الملوثة بسبب عدم كفاية مياه الأنابيب وارتفاع تكلفة البدائل.

وقد أصبح من غير الممكن الوصول إلى مصادر كافية من مياه الصنبور النظيفة بسبب فشل أنظمة التوزيع، ويرجع ذلك جزئياً إلى انقطاع الكهرباء على نطاق واسع والذي أدى إلى توقف محطات الضخ ومحطات التطهير، وفقًا لليونيسيف.

قال غسان دبيبو، مدير مركز أبحاث الأمراض المعدية في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت “نحن نعاني من العجز المزمن عن توصيل المياه النظيفة والكهرباء إلى المنازل والمخيمات. وهذا يؤدي إلى مزيد من المشاكل في معالجة مياه الصرف الصحي والتخلص منها.”

ومثل الكثيرين في لبنان، تشك حامد في سلامة مياه الصنبور، حتى عندما تتدفق، مفضلةً شراء المياه المعبأة للشرب والطبخ بدلاً من ذلك.

إلا أن ارتفاع معدلات التضخم إلى عنان السماء أدى إلى ارتفاع أسعار المياه المعبأة في زجاجات بمقدار ثلاثة إلى خمسة أضعاف عن العام الماضي، الأمر الذي جعلها بعيدة عن متناول العديد من الناس في لبنان، حيث يعيش ٨٠ في المئة من السكان الآن في فقر.

وقالت حامد إن دخل زوجها الذي كان يعمل في مجال البناء لم يعد كافياً لتغطية تكلفة المياه المعبأة، مما أجبره على شرب مياه الصنبور “الملوثة”.

وبالنسبة لحاجاتهم الأخرى من المياه، مثل الغسيل و الاستحمام، تتقاسم عائلة حامد وجيرانها صهاريج المياه التي تمت تصفيتها من موردين خاصين، ولكن هذا أصبح أيضاً باهظ التكلفة بشكل متزايد، مما يجعل من سبيل المياه الخيار الوحيد لهم.

كما أن تفشي وباء الكوليرا يمكن أن يضع مزيداً من الضغوط على مرافق الرعاية الصحية التي تعاني من نقص الموظفين ونقص التمويل.

وفي مستشفى الراسي، قال مدير المستشفى محمد خضرين إن بعض مرضى الكوليرا كانوا بحاجة إلى علاج طارئ، ما قد يتسبب بنقص الأسرَّة.

“نحن نحاول توسيع الدائرة لتكون قادرة على التعامل مع مزيدٍ من الحالات، ولكن الوضع اليوم صعب للغاية ولا نعرف إلى أي مدى ستكون الوزارة قادرة على تحمل التوسع”.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، عبد الناصر أبو بكر، أنه يخشى من أن الأسوأ لم يأت بعد فيما يخص تفشي الكوليرا على الرغم من جهود المنظمة لتوفير المياه النظيفة والتعقيم.

تفشي المرض في سوريا

ويعتقد مسؤولون حكوميون أن حالات الإصابة بالكوليرا ناتجة عن تفشي المرض في سوريا البلد المجاور.

وكانت وزارة الصحة السورية قد أعلنت تفشي الكوليرا في حلب في أيلول، وتحدثت عن وفاة تسعة أشخاص. وقالت الأمم المتحدة إنها تعتقد أن حالة الإصابة ناتجة عن شرب بعض الأفراد لمياه ملوثة من نهر الفرات.

وفقاً لمؤسسة سمير قصير وهي مؤسسة غير ربحية مقرها بيروت، تنشط في مجال حرية التعبير، وشريك تمويل لمؤسسة تومسون رويترز، يهدد تفشي الوباء في لبنان بتأجيج العداء تجاه ما يقرب من ١.٥ مليون لاجئ سوري لجأوا إلى لبنان خلال حرب بلادهم التي استمرت ١١ عاماً،

وقالت وداد جربوع الباحثة في اس كاي اف “في تشرين الاول، عندما ظهرت الكوليرا للمرة الاولى في لبنان، رأينا زيادة في خطاب الكراهية الموجه إلى السوريين.”

وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي أن النزاعات والكوارث الطبيعية أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في تفشي وباء الكوليرا في جميع أنحاء العالم، مما دفع إلى اتخاذ خطوات لترشيد الإمدادات من اللقاحات.

وكان لبنان قد تسلم أول دفعة من اللقاحات مطلع الشهر الجاري. وستلعب اللقاحات “دوراً بارزاً” في الحد من انتشار المرض، حسبما صرح وزير الصحة فراس الأبيض في مؤتمر صحفي.

وقال متحدث باسم الوزارة أنه في الوقت الحالي، ستمنح اللقاحات للعاملين في مجال الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية ، بينما سيخصص الباقي للأسر التى تعيش في مناطق عالية الخطورة ، بما في ذلك البلدات الشمالية التى أقامت فيها السلطات الصحية مستشفى ميدانياً للطوارئ.

وهناك أيضاً مخاوف من أن تصل الكوليرا إلى السجون المكتظة والملوثة في البلاد.

وقال أبو بكر من منظمة الصحة العالمية: “ما زال تفشي المرض متقدماً على سرعة استجابتنا لمواجهته.”



/تالا رمضان- ذا اراب ويكلي/

اترك ردإلغاء الرد