يملكون ثلثيّ الدنيا الشحادون في لبنان “مزبطين وضعن، أكتر منا”
/رأي نوال حبشي نجا_الرائد نيوز/
يومًا بعد يوم يزداد عدد من المتسولين الذين يطلبون المال منك، ففي كل شارع لبناني ستُصادف هذه الظاهرة (التسول)، وبين انجرارك وراء عواطفك التي تدفعك لمساعدة هؤلاء، وبين تفكيرك بمدى صدقهم وهل هم فعلاً محتاجين للمال، تحتار ماذا تفعل، وتحاول أن لا تقع فريسة المتسولين، ولكن في نفس الوقت لديك رغبة في مد يد العون! وهذا الأمر، يدفعك إلى السؤال عن أسباب التسول وطرق علاجه؟ وفي نفس الوقت لماذا وكيف يستغل بعض المتسوّلين عاطفة الناس للكذب عليهم وتكديس الأموال؟
تعد ظاهرة التسول في لبنان ظاهرة قديمة تغزو الشوارع وتستوقف المارّة وتلاحق السيارات، ومؤخرًا تقف خلف زجاج المطاعم والمقاهي تستجدي الزبون طالبين الأكل لسدّ جوعهم وظمأهم. واتسعت حدّتها بفعل (النزوح السوري) إلى الأراضي اللبنانية، حيث يوجد في لبنان أكثر من مليوني نازحٍ (سوري)، وتشير المعطيات إلى أن هذه الظاهرة تنتشر بكثافة في مختلف المناطق اللبنانية وخصوصاً في العاصمة بيروت وضواحيها، وأغلبية المتسولين هم غير لبنانيين، وأبرزهم أطفال وذوو احتياجات خاصة.
ويحاول هؤلاء استغلال مشاعر الشخص المساعد عبر تحميسه لدفع المال له بحجة أنهم محتاجين، فالبعض يملك أسلوب عاطفي وذكي لاستمالة مشاعر الناس، وخصوصًا الأطفال، فيسعى المتسولون الكبار إلى استغلال طفولتهما البريئة وتدريبهم على طرق تساعدهم في جلب المال كقولهم أنهم جائعون يريدون المال لشراء الطعام، عدا عن اعتماد أسلوب التخويف حيث يقول بعض الأطفال أنهم معرضين للضرب في حال لم يجلبوا المال لربّ العمل، أما المتسولون الكبار يعتمدون حجة المرض والحاجة للعلاج، واستغلال المناسبات الدينية كشهر رمضان مثلاً، وغيرها من الطرق التي تلعب على عواطف الناس…
ولا ننسى المتسولة اللبنانية فاطمة محمد عثمان (٥٤ عامًا) التي أذهلت المجتمع اللبناني، والتي صُنفت بـ “أغنى متسولة في العالم بعد رحيلها”، حيث بلغ رصيد فاطمة بعد وفاتها “٥.٥ مليون دولار في أهم المصارف اللبنانية، وهنا أتذكر مقولة ستي :” الشحّاد ألو ثلثين الدنيا”، فضلًا عن ٥ملايين و٧٠٠ ألف ليرة ما يعادل ٤ آلاف دولار على سعر صرف ١٥٠٠ فقد توفت سنة٢٠١٧، كانوا داخل السيارة التي كانت تسكنها طيلة ١٥ عامًا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة” وفق المعطيات حالة المتسولة فاطمة طرحت أسئلة عديدة وغريبة لدى اللبنانيين أبرزها ما الذي يدفع الناس إلى التسول وتجميع المال رغم توفرها لديه؟
أما أبرز أسباب ظاهرة التسول في لبنان بشكل عام فهي:
ظاهرة النزوح
ساهم النزوح السوري بتفاقم الكثافة السكانية في لبنان، ويعدّ أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ازدياد ظاهرة التسول، حيث لم يجد بعض النازحين فرص عمل فاعتمدوا أسلوب التسول كوسيلة لجلب المال، ومع تحسن مستوى دخلهم المادي بدعم الأمم المتحدة والدول المانحة لهم ما زالوا في حالة تسول أو بيع المحارم الورقية عند مفترق الشوارع، بطريقة مؤذية لهم وللمارة ومتسببة للحوادث.
انتشار المافيات والعصابات
يعمد عدد من المتسولين إلى تشكيل “مافيات” وعصابات خطيرة، أو ما يعرف بشبكة كبيرة من المتسولين تتألف من النساء والأطفال والمسنين، ويستغل أصحاب هذه العصابات المتسولين الذين يعيشون تحت رحمتهم وتحت التهديد، في الوقت الذي يغيب دور السلطة عن مراقبة هذا النوع من العصابات، وما أكثرهم في شوارع طرابلس امتدادًا من البولفار أمام السرايا حتى ساحة النور ويغزون الشارع أمام مؤسسة عبد الرحمن الحلاب وصولًا إلى طريق الميناء، بتجمع الجماهير المتسولة أمام الجوامع مع توقيت ظهيرة صلاة الجمعة.
غياب القوانين
لا يوجد قانون واضح وصريح يمنع ظاهرة التسول في لبنان، بل على العكس، إن الدولة اللبنانية عاجزة عن وضع حدّ لازدياد هذه الظاهرة، في الوقت الذي يستغل فيه المجرمين الأطفال للعيش تحت رحمتهم، ووفق المعلومات “يقتصر الدور القانوني للدولة والجهات المعنية على التوقيع والتصديق على إتفاقيات حقوق الطفل التي تعترف بحقوقه وحمايته من الاستغلال الاقتصادي أو القيام بأي عمل يكون ضارًا بصحته الجسدية والنفسية”.
الوضع الاقتصادي
يعيش لبنان حالة إقتصادية متدهورة، بفعل تراكم الديون، وتدني الدخل الشهري، وازدياد معدلات الفقر، هذا عدا عن قلة فرص العمل والبطالة، الأمر الذي يدفع البعض إلى التسول وطلب المال من الآخرين، وللأسف أصبحت ظاهرة متفشية في كل شارع وحيّ فلا يمكن أن تتجول في الشوارع اللبنانية، إلا وستجد عدد من المتسولين الذين يطلبون المال منك.
الكسل وفقدان الرغبة في العمل
يفضل بعضِ النّاس الراحة والكسل على العمل والنشاط، فيجدون في التسول وسيلة مربحة ومريحة لجلب المال دون تعب، والبعض الآخر يجد في التسول حِرفةً مُريحة ومُجدية، خاصةً هؤلاء اللذين يدعون المرض ويفتعلون العاهات في أجسادهم ويزحفون أرضًا أو على كرسي متنقل لإثارة عواطف الشفقة عليهم من قبل الناس.
تراجع الدّور الاجتماعي
تراجع الدور الاجتماعي والإنساني بين النّاس في المُجتمع، وغياب الشّعور بالعدالة الاجتماعية، بحيث قد لا يساعد الإنسان أخيه الإنسان إذ مرّ في ضيق اقتصادي، وهذا ما يدفع بعض المحتاجين أحيانًا إلى التسوّل لأن ما في اليد حيلة، والجوع لا يرحم.
طرق علاج ظاهرة التسول
- إجراء الدّراسات الاجتماعية اللازمة للكشف عن الأسباب الحقيقيّة لمشكلة التسول وأسباب انتشارها، وطرح توصياتٍ للحد منها.
- العمل على توعية المُجتمع لخطورة هذه الظاهرة، من خلال نشرِ برامج التّوعية حول التّسول وآثاره ومضاره سواءً عبر وسائل الإعلام أو عن طريق عقدِ ورشاتٍ توعويّةٍ لأفراد المجتمع، ليكون المُجتمع مُسانداً حقيقاً في عمليّة مكافحة الظّاهرة.
- إنشاء مراكز متخصّصة بمُكافحة التسوّل، تحت رعاية وزارتيّ الشؤون الاجتماعية والداخلية والبلديات.
- وضع قوانين رّادعة، وتطبيقها دون تراخٍ على من يقفُ خلفَ المافيات والعصابات، التي تستغل الأطفال والمتسولين لتحقيق مكاسب شخصية، وتفعيل دور القوى الأمنية وإشراكهم في عملية القبض على المتسوّلين.
- تشجيعُ قيمة التّكافل والتعاون الاجتماعي ونشرها بين أفراد المجتمع، ليشعر النّاس بالمُحتاجين ويُقدّموا لهم العون كي لا يضطرّوا لطرق باب التسوّل، وذلك عبر تقديم التبرّعات من خلال الجوامع، والجمعيات الخيرية والدينية،وخصوصًا مؤسسة الأوقاف الإسلامية.
- تأسيس جمعيّات خيرية ودعمها بالمساعدات النقدية والعينيّة لكِفاية المُحتاجين وإبعادهم عن التسوّل.
_تأمين فرص عمل بسيطة على قدر إمكاناتهم، حتى لو كانت تغليف المنتجات وتوضيبها في كراتين ومن ثم فريق آخر يتولى نقلها وآخرين توزيعها، وهكذا يتمّ خرطهم في سوق العمل ويصبحون أفراد منتجين لا عاطلين ومتسولين.
نعود لكبار الرجال فكرًا قولاً وعظمةً، الإمام علي كرم الله وجهه : “لو كان الفقر رجلًا لقتلته”.
وزارة الشؤون الاجتماعية وُجِدت لهذا الشأن ولهذه المهمة لإجراء مسح شامل وتام وصادق على كافة الأراضي اللبنانية، ومن ثم تخصيص العائلات اللبنانية بدخل فردي يكفي نفقات الأسرة شهريًا، خصوصًا الأُسر التي عندها حالات مرضية مزمنة ولا نحظى ببيت في لبنان خالٍ.