الرئيسُ الآتي وبلادُ عبد الحميد
/خاص: الرائد نيوز/
بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم
بدأتْ – والحمدلله – هذه الحملةُ الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية …
لا تقرعوا الأجراس ، ولا ترفعوا الأعلام على أعمدة الكهرباء ، ولا تُطلقوا الأسهم النارية في سماء بعبدا ، فقد يكون تحت الرمادِ نار .
إذا غادر الرئيس ميشال عـون القصر الجمهوري من دون قصفٍ بالطيران …؟
هل سيكون فراغٌ بعد ولاية الرئيس عـون أشبهُ بالفراغ الذي كان قبل الولاية ، فكان بين الفراغين فراغ …؟
وإذا تحقّقتِ الأعجوبة الدستورية ، فمَـنْ هو هذا البطل الأسطوري الآتي من وراء الضباب ..؟ من هو هذا الرمز الخلاصي ، هذا النبيّ “نـوح” الذي يركب السفينة الرئاسية لحماية الكائنات الحيّـة من الطوفان …؟
هذا الطوفان الجامح الذي يغمر لبنان ، أكثر ما يحتاج كما يقول “الفارابي” “إلى فيلسوف أو نبـيّ ، هما المؤهَّلان لرئاسة المدينة الفاضلة” .
هل نستورد الفلاسفة من الخارج …؟ “أفلاطون” من اليونان ، و”ديكارت” من فرنسا ، و”هيغل” من إلمانيا …؟
وهل يـمنُّ علينا اللـه بنبيّ من السماء ، وعندنا يتكاثر الأنبياء الكذَبة كمثل ما شاع بعد النبيّ ، “وهو لا نبيَّ بعده” …؟
وهل سنظلّ نـدورُ خلف طواحين الهواء لاكتشاف المواصفات الرئاسية ، كأنّها سـرٌّ من الأسرار السحرية الغامضة ..؟
منذ أول رئيس جمهورية لدولة لبنان الكبير سنة 1926 ، طُرحتْ مواصفاتٌ للرئاسة أهمها : “أنْ يكون خارج أي انتماء حزبي ، وخارج أيّ مشاحنات سياسية أو خصومة مع فريق ضـدّ آخـر ، ولـه صفـة العالِـم والنزيه ، والنظيف الكـفّ والخبير في الشؤون السياسية”.
ولأنّ هذه المواصفات ، في ظـلّ تلك المشاحنات ، قد توافقت مع شارل دبّاس الأرتوذكسي ، فقد تمكّن المفوض السامي الكونت “دوجوفينيل” من إقناع البطريرك الياس الحويّك برئيس غير ماروني على أنْ يكون إستثناءً ولمـرّةٍ واحدة فقط(2) .
مَـنْ هو هذا المرشّح اللاّ أرثوذكسي ، الذي يتمتّع بهذه المواصفات في ظـلّ الصراع الماروني الشرس على الرئاسة …؟ اللهمَّ حاشا أنْ يكون ذلك الذي بشَّـرنا بِـه الرئيس ميشال عـون في احتفال الجيش الفائت حين قـال : “سأعمل بكلّ قـوة لانتخاب رئيس يواصل مسيرة الإصلاح التي بدأناها ..”
إذا صحَّـت هذه البُشرى لمواصلة مسيرة الإصلاح ، فتعالوا نترحّم على العهدين معاً ، ونُـنشد قصائد الرثاء على لبنان وعلى أنفسنا .
لفتَـتْني جـداً كلمة سفيرة فرنسا في لبنان “آن غريـو” في 14 تموز الفائت عيد فرنسا الوطني ، حين اعتبرتْ : “أنَّ لبنان يحتاج إلى رجـل دولة قادر على انتشاله من أزمته ، وعلى استعادة ثقـة المجتمع الدولي بهذا البلد … أنظروا لم نعـد نسمع الآن صوت لبنان في المحافل الدولية” .
فتِّـشوا عن رجـل الدولة هذا ، في غير هذه المنظومة السياسية الضّالةِ والفاسدة .
فتّـشوا عن الماروني الأرتوذكسي ، والماروني المسلم ، وحتّى الماروني الملحد والزعيم الحقيقي .
الزعيم ليس ذاك الذي ينصّب نفسه بأصوات البنادق لا بأصوات الشعب …
والزعيم ليس ذاك الذي زار حاكمٌ تركيّ جـدَّه فولاَّهُ مشْيَخةَ القرية ، وراحت الزعامة عنده تتكرّر بالتناسل مع “مكارم” الثقافة العثمانية “وفضائلها”.
نحن أمام مفصل تاريخيّ حاسم ، إمّا أنْ نعيش في بلاد إسمها لبنان ، وطـنُ كراماتِ الإنسان وإنسان الكرامات .
أو أنْ نعيش في بلاد الزعيم العثماني وسلطانها عبد الحميد ، وعليك أنْ تختار لنفسك : إمّـا البحر ، وإمّا السجن ، وإمّا الـذلّ ، وإمّا الفقـر وإمّـا النار .