“فرملة” الدولار الجمركي: بدايةُ الأزمة؟

تتواصل مآسي اللبنانيين وتتوالى مصائبهم المعيشية والاقتصادية والمالية تحت وطأة تفلّت سعر صرف الدولار من عقاله في السوق السوداء، بينما السلطة تستمر في التخبط في مربع السياسات الترقيعية ولا تزال عاجزة عن انتهاج أي خطوة إصلاحية تكبح جماح كرة الانهيار المتدحرجة في مختلف الاتجاهات على الساحة الوطنية، لتواصل في المقابل الاعتماد على أجندة قضم حقوق المواطنين وقصم ظهورهم بأعباء ضرائبية جديدة، واضعةً نصب أهدافها الراهنة مسألة رفع الدولار الجمركي لتعزيز قدرتها على الصمود والبقاء في سدة الحكم.

لكن وتحت وطأة موجة الاعتراضات العارمة على تسعيرة الـ20 ألف ليرة المقترحة من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أكدت مصادر واسعة الاطلاع “فرملة موضوع زيادة الدولار الجمركي راهناً بانتظار إيجاد تسعيرة تسووية جديدة بين الرؤساء الثلاثة بما يتيح إعطاء الثنائي الشيعي الضوء الأخضر لوزير المالية ليضمّ “التوقيع الثالث” إلى توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة على المرسوم”، مرجحةً في هذا الإطار العودة إلى سعر 12 ألف ليرة للتعرفة الجمركية الجديدة التي كانت “نداء الوطن” قد تفردت بالكشف عنها مطلع آب الجاري.

غير أنّ المصادر نفسها، شددت على أنه “بالاستناد إلى المعايير الحسابية العلمية البحتة، قياساً على الالتزامات المالية المرتقبة على الدولة في المرحلة المقبلة، لا سيما في ما يتصل بالزيادات الموعودة لتحسين رواتب موظفي القطاع العام، فإنّ أي تسعيرة جمركية تحت سقف الـ20 ألف ليرة لن يكون بمقدورها تأمين الموازنة بين إيرادات الدولة والمستحقات المترتبة عليها”، مشددةً في ضوء ذلك على أنه “لا مفرّ أمام السلطة سوى اللجوء إلى عملية طباعة الليرة لإنقاذ نفسها والإيفاء بالتزاماتها منعاً للانهيار الشامل في المؤسسات الرسمية، علماً أنّ هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى تعاظم التضخم إلى مستويات قياسية سرعان ما ستؤدي إلى امتصاص أي زيادة في رواتب الموظفين العامين”.

من جهة أخرى، أشارت “الأنباء” الالكترونية الى ان كأن ما يحدث في لبنان هو في كوكب خارج الأرض، فلا مراصد للسلطة تكتشفه، ولا تلسكوبات لديها تلتقط ما يجري. كل ما يحدث في لبنان لا تراه عين مسؤول، ولا تحرك فيه ذرة من مسؤولية. الهموم في مكان آخر والحسابات لا تتطابق مع حسابات بيدر المواطن الذي وجد نفسه مرة جديدة في طابور جديد، إما أمام محطة وقود أو أمام فرن وغدًا أمام سوبرماركت، هذا إذا توفرت في جيبه أموال أكلها الارتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار. 

والأخطر، مع غياب المعنيين عن أي معالجات، ما تحذر منه مصادر مطلعة وهو أن ما يشهده لبنان اليوم هو بداية الأزمة وليس نهايتها، وأن الأمور ذاهبة من سيئ إلى أسوأ طالما لا يوجد أحد في السلطة يقدّر حجم الكارثة التي يتخبط بها اللبنانيون. وكل قطاع في الدولة يغني على ليلاه.

وتوقفت المصادر عينها في حديثها لـ “الأنباء” الإلكترونية عند أمرين: اعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إحالة مشروع الدولار الجمركي الى مجلس النواب ما يعني دفنه في مقبرة اللجان المشتركة، وبالتالي عدم تأمين الإيرادات المالية لدفع رواتب موظفي القطاع العام، ما يعني استمرارهم بالإضراب الذي ناهز الشهرين. أما الأمر الآخر فهو عودة مشهد الطوابير أمام محطات المحروقات. وهذا يؤكد ان الازمة في بداياتها، وأن الحديث عن حل قريب مبالغ فيه كثيراً.

اترك ردإلغاء الرد