وكأنَّ الفساد من الرئيس شارل دباس

/خاص:الرائد نيوز/

بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم

 

      بقدر ما كنتُ شديدَ القسْوةِ على نهج الحكم ممارسةً واحتواءً ، يفاجئني الرئيس ميشال عـون وهو يُلَملِمُ أوراقه المبعثرة على مشارف نهاية الولاية ، ولا يزال يحدِّث زوار القصر بلغة المستقبل لغـةِ “السين” وسوف ، حيال المشكلات التي تعاني منها البلاد، والبلاد تنساق في طريق التمزّق والإنحطاط والإضمحلال. 

       إنها لغـة الطموح التي يتحلّى بها الجنرالات : هكذا يقول نابوليون : “إنّ الجندي الذي لا يطمح بأن يكون جنرالاً هو جندي فاشل” . 

      ولا أُخفي إعجابي أيضاً ببراعة أهـل التيار الوطني والحـرّ ، وهم ما زالوا يُطلّون على المنابر السياسية والإعلامية بشجاعة واثقـة ليرفعوا عن الحكم مسؤولية الإنهيار والفساد ، بحجّـة أنَّ هذا الفساد دليلُ تراكُمٍ تاريخي يعود إلى سنة 1926 ، أي إلى عهد شارل دبّاس أول رئيس للجمهورية وقـد عيّنـهُ المفوض السامي الفرنسي … وطبيعي أن يستشري الفساد على يـدِ رئيسٍ صنيعةِ المفوض السامي ، ولا يزال مستمراً حتى هذا العهد . 

      أنا أعرف ، أنّ لغـة القصور تختلف عن لغـة معارك الميادين ، إلاّ إذا كانت القصور ميدانّاً للمعارك .  

      وأنا أعرف أن الرتْبةَ كلّما ارتفع مقامُها ارتفعت معه نسبة الرويَّـةِ واللِّـين .  

      “في أوراق لبنانية(1) ” يُروى : أنّ وجيهاً في قومـه عاتب البطريرك الحوّيك على تساهلهِ في إجراءاته البطريركية قائلاً : يا سيدنا لما كنتَ الخوري الياس كنت شديد الحـزم ، ولـمّا صـرت مطراناً خـفّ بأسُكَ ، ولـمّا اعتلوت السدَّة البطريركية أصبحت في منتهى التساهل والليّن ، فأجابه البطريرك : يا إبني إذا أخطأ الخوري الياس كان يقيلُه المطران ، وإذا أخطأ المطران يقيلُه البطريرك ، أمّـا إذا أخطأ البطريرك فمن يحاسبه ..” 

      إلاّ إذا … كان هذا التساهل سببـهُ الطموح بالإصالة أو بالإنابة ، إلى ما بعد هذه الولاية . 

      الطموح ليس حكراً على السنين ، فإذا كان الكبار كباراً ، فقد يكبر معهم العطاء . 

      إبـن المقفّع : عاش أربعة وتسعين عاماً ومات عندما سقطت عليه كتُبُـه من مكتبته . 

      وفكتور هوغو : دام حبّـه لعشيقته نصف قـرن ، وكتب لها عشرين ألـف رسالة على مـدى خمسين عاماً . 

      ومع أنّ الأخطل الصغير في مهرجان تكريمه وهو على مشارف الثمانين قد استهلّ قصيدته : 

أَيومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمَري     مَنْ ذا يغنّي على عودٍ بلا وتَرِ ..؟  

      إلاّ أنّ هذه القصيدة كانت من أجمل قصائده . 

      ولكن … ولكن ، إنّ الكبار يستمرّون في حياتهم بعد الموت بما أعطوا . 

      إنّ “ذكريات ما وراء القبر” للأديب الفرنسي “شاتوبريان” يعتبر النقّاد أنها تساوي كلَّ ما أنتج في حياته . 

      وإنّ “دفاتر” الفيلسوف باسكال بعد موته كانت تساوي كلّ ما نشرَ وهو حـيّ . 

      ونحن منذ أنْ كنّا كباراً في لبنان الكبير ، لا نزال ننتظر أولئك المجهولين الكبار ، لنكبر بهم في حياتهم ونحيا معهم بتراثـهم بعد المـوت . 

      لأنّ لبنان ، بلـدٌ صغير ولكنّه أكبر من صِغَـره … 

      فيكون أصغر من صِغره مع الرجال الصغار … 

ويكون أكبر من كِبـره مع الرجال الكبار …

اترك ردإلغاء الرد