مجمع الرحمة الطبي يطلق مركز خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان
مع اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية ونتائجها المؤلمة التي طالت المجتمع اللبناني بكل أطيافه وفئاته، وفي الوقت الذي ازدادت فيه أهمية الصحة النفسية، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم بأسره، حيث باتت إحدى الركائز الأساسية في برامج منظمة الصحة العالمية، وسائر المنظمات الإنسانية والأممية، أقام “مجمع الرحمة الطبي” يوم السبت 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 يوماً علمياً تحت عنوان “تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الإدمان في ظل الأزمات”، برعاية وحضور وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض.
وقد تضمن اليوم العلمي مجموعة محاضرات توعوية، حيث تحدثت الدكتورة رشا تدمري عن الشخصية الإدمانية وخصائصها. في حين تحدثت البروفيسور جاكلين أيوب عن دور الأسرة في الحفاظ على الصحة النفسية، والوقاية من الإدمان. وكذلك فندت الدكتورة صبا مرعشلي دور البلدية الهام كونها تشكل رافعة في تحسين مشاركة المواطنين وصحتهم النفسية.
المركز المجتمعي للصحة النفسية وعلاج الإدمان
بعد ذلك، جرى الإعلان عن الافتتاح الرسمي لـ”المركز المجتمعي للصحة النفسية وعلاج الإدمان في طرابلس”، ضمن “مركز الرعاية الصحية الأولية” في “مجمع الرحمة الطبي”. وبهذه المناسبة ألقيت عدة كلمات مقتضبة.
كانت البداية من المدير العام لـ”مجمع الرحمة الطبي” السيد عزت آغا الذي أكد أن “المآسي والمجازر التي يتعرض لها أهل غزة والشعب الفلسطيني بأسره، والتي تدمي القلوب قبل العيون، جعلتنا نستعيض بهذا اليوم العلمي المنوع والمميز عن إقامة احتفال بالمناسبة”. وأضاف “رغم قسوة الظروف المعيشية، إلا أنه لا يسع مجمع الرحمة الطبي إلا المواظبة والسعي لخدمة مجتمعنا، ولا سيما أننا حملنا على عاتقنا قضية أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وبين آغا أن مجمع الرحمة “يحتضن أكثر من 300 طفل من ذوي الهمم نؤمن لهم بيئة دمج متكاملة، ويشمل ذلك كل الفئات من الشلل الدماغي، الى التأخر الذهني، والأطفال المصابين بالتوحد”. ولفت أيضاً الى أن مجمع الرحمة “حمل راية التأهيل المجتمعي بكافة أشكاله عبر تقديم المعينات الحركية والسمعية والبصرية، والأطراف الاصطناعية، والعلاج الفيزيائي والانشغالي. وأضاف “وفي ظل تراجع قدرات الجهات التمويلية، بقي مستشفى الرحمة الوحيد الذي استمر بتقديم خدماته للحالات التي تحتاج لفترات طويلة من الرعاية على أجهزة التنفس الاصطناعي، ومئات مرضى إعادة التأهيل”.
وشدد السيد عزت آغا على أهمية الصحة النفسية “التي يجب تعزيزها وجعلها أولوية وخاصة في الأزمات. من هذا المنطلق، ولأننا نسعى دوماً لخدمة مجتمعنا بكافة المجالات والسبل المتاحة، أطلقنا خدمات الصحة النفسية الوقائية والعلاجية ضمن مركز الرعاية الصحية الأولية، وذلك بالشراكة مع البرنامج الوطني للصحة النفسية، الذي يهدف لدمج خدمات الصحة النفسية داخل مركز الرعاية الصحية الأولية، وصولاً الى التحويل الى مركز الصحة النفسية المجتمعي وعلاج الإدمان الذي يديره شركاؤنا في “منظمة أطباء العالم” و”ومنظمة سكون””.
كلمات مؤثرة
ثم كانت كلمة للمدير التنفيذية لـ”منظمة سكون” السيدة تاتيانا سليمان للإضاءة على عمل المنظمة وأهدافها. وجرى عرض فيديو قصير تحدث فيه شاب كان يعاني من الإدمان على المخدرات عن تجربته وعلاجه في المركز، وكيف نجح بالتعاون مع الأطباء وفريق العمل والدعم في تخطي هذه المحنة.
تلاها كلمة للمنسق العام في لبنان لـ”منظمة أطباء العالم” السيدة صوفي أوليفو موريل. وكلمة للمديرة الإقليمية في الشرق الأوسط لـ”الوكالة الفرنسية للتطوير” السيدة كاترين بونّو. وكلمة لمدير عام البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور ربيع الشماعي كانت عاطفية للغاية ومؤثرة، عبر فيها عن مدى تأثره وتأثر العالم والإنسانية بما يتعرض له أطفال غزة والشعب الفلسطيني بأسره.
وزير الصحة: الصحة النفسية توازي الصحة الجسدية أهمية
الكلمة المؤثرة للدكتور ربيع الشماعي دفعت بالوزير الدكتور فراس الأبيض الى الاستعاضة عن كلمته المكتوبة بكلام مرتجل من القلب الى القلب بدأه بطرح السؤال عن مدى إمكانية الاحتفال في الوقت الذي نرى فيه مشاهد الجبروت والظلم وقتل الأطفال في غزة؟
ليجيب بأن أفضل طريقة لمواجهة الجبروت هي وضع الرحمة في مواجهته. وضرب مثلاً على ذلك بحالة الشاب التي جرى عرضها في الفيديو “هدفنا منح الأمل عبر هذا البرنامج المقدم من قبل مجمع الرحمة الطبي، لذلك فإن احتفالنا اليوم بإطلاق مركز الصحة النفسية وعلاج الإدمان ضمن مركز الرعاية الصحية الأولية بمجمع الرحمة، هو أفضل رد على ما يحصل في غزة حيث الهدف قتل الإرادة وتدمير المجتمع”.
وبين الأبيض أن دعم وزارة الصحة تعتبر الصحة النفسية مثل الصحة الجسدية “فكما نبذل جهداً لحصول المواطنين على الصحة الجسدية، كذلك الحال بالنسبة للصحة النفسية. لذا ندعم كل جهد يمكن الناس من الحصول على الصحة النفسية. ربما يسهل رؤية الجروح الجسدية ومعالجتها، أما الجراح النفسية فهي أكثر صعوبة وتعقيداً ولا يمكن رؤيتها، وعلاجها شاق ومؤثر”.
وأشار الأبيض الى أن “برنامج الصحة النفسية وعلاج الإدمان” شبيه ببرنامج مماثل جرى إطلاقه في مستشفى رفيق الحريري الحكومي عام 2017 بالتعاون مع نفس الشركاء “وكان برنامجاً تكاملياً ومثالاً يحتذى. وأنا سعيد جداً برؤية هذا البرنامج ينمو بثبات”. وبيّن أن وزارة الصحة خصصت جزءاً من موازنتها، على ضآلتها، للصحة النفسية.
وتوقف الأبيض عند نقطة هامة، وهي ضرورة الفصل بين مواقف الدول وخاصة الغربية من الحرب في غزة، وعمل منظماتها الحكومية وغير الحكومية من أجل دعم الدول الفقيرة والنامية “لا يسعنا إلا الاعتراف بالدعم الذي حصلنا عليه من شركاء ومنظمات غربية تعاونت معنا في العديد من البرامج”.
وأثنى وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض على عمل “مركز الرعاية الصحية الأولية” بـ”مجمع الرحمة الطبي” ومستوى جودة خدماته، وكشف عن شك اعتراه عند حضوره لافتتاح المركز منذ سنة ونصف، بسبب إصراره على نوعية ومستوى خدمات مميز “لكن المركز أثبت نجاحه”.
خدمات المركز
تجدر الإشارة الى أن “مركز الرعاية الصحية الأولية” ضمن “مجمع الرحمة الطبي”، والذي جرى افتتاحه منذ نحو سنة ونصف، وبرعاية وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض، قد تطورت خدماته وتوسعت كماً ونوعاً، حتى بلغت أكثر من 24 ألف معاينة شبه مجانية، وما يقارب 16 ألف فحص دم وصورة شعاعية لحوالي 4 آلاف مستفيد مجاناً.
فضلاً عن أن “مركز الصحة النفسية وعلاج الإدمان” بدأ عمله في شهر يوليو/ تموز 2022، وهو الأول من نوعه في محافظة الشمال. وخلال هذه المدة، قدم المركز 180 معاينة صحية نفسية، وأشرف على علاج 262 حالة إدمان، والتي قد تحتاج الواحدة منها الى عدة جلسات علاجية.
وتشمل خدمات “مركز الصحة النفسية وعلاج الإدمان” حالات الاكتئاب والقلق والصدمات، وتكمن أهميته في إشراف أطباء العائلة في المركز على علاج الحالات ومتابعتها، بعدما حصلوا على تدريب خاص بالصحة النفسية ضمن “برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية وعلماء النفس والأطباء النفسيين” بالتعاون مع “البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة”. الأمر الذي يخفف الضغط على الأطباء النفسيين، ولا سيما في ظل هجرة الأطباء والأدمغة المتزايدة، ويمنح المركز قدرات استيعابية أكثر، ومرونة أكبر.